ناهد قرناص : تعلق قلبي

تعلق قلبي بذلك الطفل.. وجه صغير مستدير.. عينان واسعتان مليئة بالتساؤل.. كان يبدو هادئاً رغم كثرة الأطفال حوله.. الغرفة بها حوالي عشرة غيره.. لكنه الوحيد الذي لاحقني باسئلة صامتة.. ضجت بها عيناه.. تحاشيت ان أنظر في اتجاهه.. لكن نظراته لاحقتني وأحرقت ظهري.. كأنه يقول ما الذنب الذي جنيته..؟ زيارة تأخرت كثيراً الى دار الاطفال فاقدي السند في حي الفكي مدني بعطبرة.. كنت أتابع التجديدات.. ونداءات المشرفين على الدار لهيئة الكهرباء بتخصيص خط للدار لأن الجو الساخن أتعب الأطفال كثيراً.. والحمد لله عندما سنحت لي الفرصة للزيارة وجدت الباشمهندس مجدي ورفاقه وهم يقومون بتوصيل خط آخر للدار ليسند الخط الرئيس في حالة حدوث البرمجة (اياها)..

الحق يقال ان المنظمات الطوعية واصحاب المبادرات على رأسهم المهندس فخري عطا.. يبذلون جهداً مقدراً في إحياء الدار ومتابعة احتياجات الاطفال.. وجمع التبرعات من أموال ومواد تموينية وحليب وحفاظات.. ذلك ان الدار تستقبل الاطفال فاقدي السند من جميع انحاء الولاية.. من عمر يوم.. حتى عامان ونصف.. وبعد ذلك يبدأ المجهول !! حسب آراء العلماء يجب أن يكون للأطفال بعد هذه السن داراً منفصلة لأن الذاكرة تتشكل في هذا العمر..

باشمهندس فخري يقول ان معدل كفالة الأطفال عال جداً.. والكثير من الأسر تكفل الايتام.. لكن أيضاً يبقى هناك البعض.. وجدت طفلاً في الرابعة.. يجري ويلعب وحيداً.. لا يوجد دار ليلحق بها.. ولم تأت أسرة لتكفله.. مثل هذا الطفل.. أخشى ما أخشاه ان يكون مستقبله الشارع.. لا تزال فكرة كفالة الأطفال فاقدي السند.. خجولة في المجتمع السوداني.. رغم التراحم والتكافل تجاه هؤلاء.. الدار تجد تبرعات ضخمة.. يقول المهندس فخري.. إن التجار في سوق عطبرة.. ما ان يعلم أحدهم ان هذه المواد للدار.. اما يتبرع بها او يأخذ فقط رأس المال.. جزاهم الله خير الجزاء.. لكن الحل الأمثل هو في الأسر البديلة.. أسرة تضم هذا الطفل وتدمجه في المجتمع لأنه ببساطة لا ذنب له فيما حدث قبل ولادته.. انهم الايتام حقاً.. في نهاية المقال.. كان لابد لي ان أشكر السيدات المشرفات على الأطفال.. رغم الظروف القاسية.. والمرتب الذي لا يسد الرمق..

قالت احداهن ان راتبها خمسة الف جنيه فقط .. لا شئ غيره.. لاحظ ان هذه المهمة ليست وظيفة كتابية.. انها رعاية طفل.. والراتب.. لا يغطي المواصلات.. رغم كل هذا كان الاستقبال بابتسامة ورضا.. ومحبة ربما هي التي تخفف على هؤلاء الايتام ما سيلاقونه من مصاعب ان لم نخف اليهم ونمد أيدينا لانتشالهم.. يا أخي الذي لم يرزقه الله بطفل.. لا تدري ربما أراد الله لك مزيداً من الحسنات في كفالة يتيم فاقد السند..

طفل يضفي الحيوية في دارك.. يرسم الابتسامة على وجهك بعد طول غياب.. يا اختي التي تنام ودموعها تملأ الوسادة تدعو الله ان يرزقها بطفلة تضئ حياتها وتؤنسها في وحدتها وتسندها عند الكبر.. توقفي عن التردد وأكفلي تلك الصغيرة.. لا تدري ربما كانت هي المنجية.. وحتى كتابة هذه السطور.. لا تزال نظرات ذلك الطفل تلاحقني..

الجريدة


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.