مبادرة حمدوك في عش الدبابير.. هل يمكنه إصلاح الجيش و”الدعم السريع”؟

صدّر رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك مبادرته “الطريق إلى الأمام” بإصلاح القطاع العسكري والأمني، لكن توفيق أوضاع قوات الدعم السريع بعد أن قننتها الوثيقة الدستورية واتفاقية السلام يمثل تحديا للمبادرة برمتها. وبالرغم من أن المكون العسكري أول من تسلم وثيقة المبادرة، فإنه لم يرد عليها حتى الآن.

وتبدو إمكانية تسوية وضعية قوات الدعم السريع مفقودة، في ظل ضغوط غربية ودولية بأن يكون هناك جيش واحد فقط، وحتى مبادرة حمدوك التي أطلقها الثلاثاء الماضي لم تحدد شكل هذه التسوية.

ونصت مبادرة رئيس الوزراء على “ضرورة توافق قيادة القوات المسلحة وقوات الدعم السريع والحكومة للوصول إلى خارطة طريق متفق عليها، تخاطب مصير قوات الدعم السريع”.

وشكل جهاز الأمن والمخابرات في عهد الرئيس المعزول عمر البشير قوات الدعم السريع للتصدي لتمرد الحركات المسلحة في دارفور. وفي عام 2017 وعبر قانون أجازه البرلمان، تبعت هذه القوات للجيش على أن تأتمر بأوامر القائد العام.

وقبيل الإطاحة بالبشير في 11 أبريل/نيسان 2019، ناصر قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” الثورة مما كفل له أن يكون ضمن مشهد فترة الانتقال.

ما حقيقة التوتر والخلافات بين الجيش والدعم السريع؟

وبحسب مصدر في قوى إعلان الحرية والتغيير -الائتلاف الحاكم- تحدث للجزيرة نت، فإن “حميدتي” أبدى تضجره من البنود الخاصة بالقطاع العسكري في المبادرة التي قال المصدر إنها حظيت بمباركة الاتحاد الأوروبي والغربيين بشكل عام.

لكن ظهور رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان، إلى جانب نائبه بمجلس السيادة قائد الدعم السريع “حميدتي” في تنوير لضباط الجيش “من رتبة عميد فما فوق”، حاول محاصرة مظاهر التوتر بين الرجلين.

ودحض البرهان وحميدتي ما أسمياه بـ”الشائعات” التي تستهدف وحدة المنظومة الأمنية، بل إن الأخير مضى قائلا إن القوات المسلحة والدعم السريع قوة واحدة تتبع للقائد العام وتأتمر بأمره.

لكن يبقى التوتر حقيقة في ظل رفض حميدتي هذا الشهر أي اتجاه لدمج الدعم السريع في الجيش، وتحذيره من أن ذلك سيؤدي إلى تقسيم البلاد.

وفي أول تعليق حكومي على التوتر بين الجيش والدعم السريع، أقر فيصل محمد صالح المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء بوجود خلافات داخل المكون العسكري، تشكل خطورة على أمن وسلامة ووحدة البلد.

ونفى في مقابلة مع فضائية محلية أن تكون مبادرة حمدوك قد خرقت الوثيقة الدستورية التي حصرت مهمة إصلاح الأجهزة الأمنية في المكون العسكري، قائلا إن النزاع داخل هذه المنظومة هو الداعي للتدخل من قبل المدنيين.

كيف يمكن معالجة وضعية الدعم السريع؟

يرى الخبير الإستراتيجي والمحاضر بأكاديمية الأمن العليا اللواء أمين إسماعيل مجذوب، أن قوات الدعم السريع تعتقد أنها كونت لغرض معين ووجدت تأييدا وتقنينا من النظام السابق، لذا ترفض الآن الدمج في الجيش.

ويشير إلى أن النظام السابق مضى وما قام به انتهى، والعالم والإقليم والسودانيون يرفضون وجود أي قوات غير القوات المسلحة، لذا فإن الرفض قد يضع الجميع في عداء مع كل هؤلاء.

ويؤكد مجذوب في حديثه للجزيرة نت أن ثمة “خطأ كبيرا جدا” وقعت فيه اتفاقية جوبا للسلام الموقعة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة، عندما دعت لدمج مقاتلي الحركات في قوات الدعم السريع أسوة ببقية القوات النظامية.

ويشير إلى أن اندماج قوات الدعم السريع يمكن أن يتم حسب الشروط، ولا يستطيع أحد أن يقول إنها مؤهلة أو غير مؤهلة، لكن هناك شروط للاستيعاب تتمثل في السن واللياقة البدنية والصحيفة الجنائية والتأهيل والتدريب والرغبة.

لماذا التحفظ على تدخل المبادرة في الشأن العسكري؟

لكن الخبير الأمني والإستراتيجي الفريق حنفي عبد الله يبدو متحفظا على تدخل المدنيين في الشؤون العسكرية والأمنية، ويعتبره مضرا ويؤدي لتفتيت البنية السياسية، ويجعل القوات النظامية مهددة برؤى تيار سياسي ربما يكون غير مطلوب.

وينفي عبد الله للجزيرة نت وجود تنازع بين المكون العسكري، رغم أن رئيس الوزراء تحدث في مبادرته عن وجود “تنازع عسكري عسكري”.

ويؤكد أن قوات الدعم السريع موجودة بالقانون والوثيقة الدستورية، وحتى اتفاقية سلام جوبا التي حددت الدعم السريع كإحدى القوات النظامية التي يُنسب إليها مقاتلو الحركات المسلحة.

ويقر حنفي بأن دمج الدعم السريع في الجيش مطلوب لكن له مطلوبات وتوقيتات، كما أن هيكلة وإصلاح القوات النظامية مسائل انضباطية تخص العسكريين، ومن الأفضل أن تتم في ظل برلمان منتخب يضع القوانين لإنشاء الأمن الداخلي وغيره.

كيف ستجري معالجة الأنشطة الاقتصادية للأجهزة الأمنية؟

وينتقد الفريق حنفي دعوة المبادرة لمراجعة النشاط الاقتصادي للمؤسسة العسكرية وحصره في الصناعات ذات الطبيعة العسكرية، موضحا أن الجيشين الأميركي والمصري لديهما استثمارات وأنشطة اقتصادية.

ويضيف أن أنشطة الجيش السوداني الاقتصادية هي لخدمة الصندوق الاجتماعي، كما أنه يمكن إدخال شركات القوات النظامية تحت ولاية وزارة المالية، وإخضاعها للجمارك والضرائب.

ودعت مبادرة رئيس الوزراء لمراجعة الشركات التي انتقلت لحوزة المنظومة العسكرية عقب التغيير، ودمج نشاطها الاقتصادي في الاقتصاد الوطني تحت ولاية وزارة المالية.

وتبدو المبادرة قريبة من مطلوبات دولية وغربية ظلت تنتقد تعدد الجيوش وتطالب بجيش مهني واحد، فضلا عن خروج الأجهزة العسكرية من الأنشطة الاقتصادية.

وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، أجاز مجلس الشيوخ الأميركي قانون الانتقال الديمقراطي والمساءلة والشفافية المالية بالسودان، ونص على “إنهاء أي تدخل للأجهزة العسكرية والأمنية في قطاع التنقيب والموارد المعدنية، بما في ذلك النفط والذهب”.

ما مخاطر الترتيبات الأمنية وتمركز وحدات الجيش بالمدن؟

وبحسب مبادرة رئيس الوزراء، فإنه ينبغي أن تكون القوات المسلحة الجيش الوطني الوحيد، مما يتطلب إصلاحات هيكلية وعقيدة عسكرية جديدة وتمثيل التنوع السوداني في كل مستوياتها وتنفيذ اتفاق الترتيبات الأمنية في اتفاق جوبا للسلام.

ويحذر أمين إسماعيل مجذوب من أن عدم تنفيذ الترتيبات الأمنية يؤدي لمخاطر منها استنساخ التمرد مجددا وعدم السيطرة على قوات الحركات التي ربما تلجأ لعمليات السلب والنهب، مما يستدعي إنفاذ الاتفاق بأي ثمن.

ويرى أن القوات النظامية قادرة على تنفيذ الترتيبات الأمنية، لأنها عملية فنية لا علاقة لها بالحكومة المدنية بتجميع وفحص وتدريب قوات الحركات بمناطق تبعد 50 كيلومترا من الحدود وغير مجاورة للمدن.

ويؤكد أن إخراج المقار العسكرية من المدن مطلب قديم، وبدأت إجراءات إخراج القيادة العامة والمناطق العسكرية من الخرطوم، وهو أمر يحتاج لمزيد من النقاش.

المصدر : الجزيرة

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.