5.4 مليار دولار خسائر الاقتصاد السوداني سنويا من التدفقات المالية

قدر تقرير أعده فريق من الاتحاد الأفريقي ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا، خسائر السودان السنوية من التدفقات المالية غير المشروعة بحوالى 5.4 مليار دولار، وهي تشمل أشكالاً عدة من أهمها غسيل الأموال والتهرب من الجمارك والضرائب والتلاعب في الأسعار وفواتير عمليات الصادر والوارد، فضلاً عن تحويل عائدات جرائم الفساد الكبيرة بواسطة موظفي الدولة إلى حسابات في الخارج.

لكن، ما هو أثر هذه التدفقات غير الرسمية على الاقتصاد السوداني، وما هي الخطوات التي يجب على الحكومة السودانية اتخاذها للحد من هذه الظاهرة؟

تجنيب الإيرادات

يشير المتخصص في الاقتصاد السياسي حسن بشير محمد نور إلى أن “التدفقات المالية غير الرسمية في السودان تكلف البلاد سنوياً مبالغ طائلة تقدر بمليارات الدولارات، ويعد الذهب من أكثر الأنشطة المستهدفة، إذ إن 70 في المئة من الإنتاج خارج سيطرة الدولة، ويقدر بنحو 6 مليارات دولار سنوياً، وقد يكون هذا المبلغ متواضعاً للغاية بالنظر إلى حجم إنتاج الذهب الذي يتجاوز 100 طن سنوياً، مما يعتبر أهم مورد للنقد الأجنبي”.

ويتابع، “يعاني الاقتصاد السوداني من مشكلات عدة، فنجد أن 60 في المئة من الأنشطة الاقتصادية تعمل بشكل غير رسمي، أي غير ملتزمة بمظلة ضريبية، ما يشكل خسارة كبيرة للدولة من ناحية الإيرادات العامة، وكذلك الحال بالنسبة إلى القطاع الاقتصادي المنظم فهو يعاني من التهرب الضريبي، فضلاً عن أن هناك جهات رسمية (مؤسسات وشركات ودوائر حكومية) تستبعد الإيرادات التي تتحصل عليها من المواطنين، إذ تشير إحصاءات رسمية إلى أن الأموال خارج النظام الرسمي تشكل نسبة كبيرة جداً من الناتج الإجمالي، وذلك نظراً إلى وجود مراكز قوى داخل مؤسسات الدولة لا تستطيع الحكومة السيطرة عليها، خصوصاً أن أكثر من 90 في المئة من الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي”.

سن تشريعات

ويضيف محمد نور، “هناك أيضاً السوق الموازية للعملات الأجنبية، فهي تعمل خارج الأطر التنظيمية، ولا أحد يستطيع تقدير حجم الأموال المتداولة فيها، وتجري في الظل عملية التحويلات المالية من الخرطوم إلى الخارج والعكس، وهذه المشكلة موروثة وتحتاج معالجتها إلى هيكلة الجهاز المصرفي وولاية وزارة المالية على المال العام، إضافة إلى سن تشريعات وقوانين لسد الثغرات المختلفة وسيطرة البنك المركزي السوداني على التدفقات المالية، وأهم من ذلك تغيير العملة المحلية كي تتم السيطرة على الكتلة النقدية الموجودة في أيدي العملاء (خارج النظام المصرفي)”.

ويلفت إلى “ممارسات تتعلق بغسيل الأموال، تتم غالبيتها في القطاعين التجاري والخدمي، حيث توجد شركات ومؤسسات صورية غالباً ما تكون مجرد غطاء ونافذة لغسيل الأموال”، مبيناً أن “القضاء على هذه الظاهرة يتطلب تفعيل الجوانب التشريعية والقانونية، لا سيما قانون الشركات والمسجل التجاري”.

ويعتقد أنه “بعد الانفتاح على العالم على أثر إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وبدء التحويلات والتعاملات الخارجية بين المصارف السودانية ونظيراتها في الخارج، تحسّنت السيطرة على التدفقات المالية”، لافتاً إلى أن “من الأسباب التي تزيد من اتساع حجم هذه الظاهرة تضارب وتعدد مراكز اتخاذ القرار في ما يخص المعاملات المالية والنقدية والتمويلية والتجارة الخارجية”.

ويخلص محمد نور إلى أنه “لا بد للجهات المعنية، مثل وزارة المالية والبنك المركزي ووزارة التجارة الخارجية، أن توضح رأيها في هذا الموضوع، لكن بشكل عام فإن الأمر يحتاج إلى تنظيم الاقتصاد السوداني من ناحية السياسات العامة والتشريعات والرقابة ومراجعة الحسابات والاستثمار والاستيراد والتصدير، وذلك من أجل ايقاف حالة الفوضى التي تضرب اقتصاد البلاد”.

تدابير وإجراءات

في المقابل، يذكر المتخصص في الاقتصاد هيثم محمد فتحي، أن “السودان يعاني منذ سنوات من ظاهرة تدفق الأموال غير المشروعة، وذلك من خلال انتشار عمليات تصدير غير مشروعة تتم بشكل يومي، ولا تدخل الجهاز المصرفي، منها صادرات ونشاط تعدين وتحويلات وغيرها. وهناك وسائل مختلفة لتدفق أموال بطرق غير مشروعة منها التحويلات النقدية للعاملين في الخارج، والتي تتم خارج الجهاز المصرفي، إضافة إلى عمليات التهرب الضريبي وتهريب البضائع وغسيل الأموال”.

ويشير إلى أن قرار تحرير سعر الصرف، الذي اتبعه السودان أخيراً، “يهدف إلى تحويل الموارد المالية من السوق الموازية إلى السوق الرسمية، وإلى استقطاب تحويلات السودانيين العاملين في الخارج عبر القنوات الرسمية والحد من تهريب السلع والعملات وسد الثغرات لمنع استفادة المضاربين من وجود فجوة ما بين السعر الرسمي والسعر في السوق الموازية”، لافتاً إلى أن “رفع الحظر المصرفي الذي كان مفروضاً على السودان يسهم بصورة فاعلة في محاربة حركة الأموال غير المشروعة من السودان وإليه، لأنها تمثل أهم الأخطار التي تهدد استقرار النظام المالي والاقتصادي”.

ويطالب فتحي بـ”اتخاذ تدابير وإجراءات تحد من عمليات تدفق الأموال غير المشروعة، وتطبيق متطلبات “بازل” في العمل المصرفي، مع أهمية التركيز على النزاهة في النظام المالي، إلى جانب تكثيف التعاون الداخلي والخارجي لمواجهة تلك الظاهرة. ولا بد من وضع الأطر التشريعية والرقابية الخاصة بمكافحة التدفقات النقدية والمالية غير المشروعة، فضلاً عن اللوائح والضوابط الرقابية للتعرف إلى هوية العملاء في مختلف المؤسسات المالية العاملة في البلاد”.

افتقار الشفافية

وبحسب التقرير الذي أعده فريق الاتحاد الأفريقي ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا، فإن فجوة المعاملات التجارية العالمية للسودان خلال الأعوام ما بين 2012 و2018 بلغت 30.9 بليون دولار، وهو مبلغ يمثل 50 في المئة من إجمالي تجارة السودان خلال هذه السنوات.

وقدر التقرير خسارة الحكومة السودانية من إيرادات الضرائب والرسوم المتحصلة بنحو 5.7 بليون دولار، لافتاً إلى أن السودان حصل على 4.8 بليون دولار من صادرات النفط، بينما أعلن الشركاء التجاريون أنهم دفعوا 8.9 بليون دولار مقابل وارداتهم النفطية.

وأشار إلى أن القنوات النشطة في التدفقات المالية غير المشروعة تتمثل في هروب رأس المال المحلي والتلاعب بالأسعار والفواتير التجارية والممارسات المرتبطة بتعدد سعر الصرف المضلل.

وفي فبراير (شباط) 2021، أعلنت الحكومة الانتقالية في الخرطوم تخفيض قيمة العملة المحلية 7 أضعاف في محاولة لإنهاء سيطرة السوق الموازية على تحديد أسعار الصرف، لكن هذه المحاولة تمضي بخطوات متارجحة.

وأكد التقرير وجود الفساد والتدفقات المالية غير المشروعة في جميع قطاعات الاقتصاد وعلى كل المستويات، مشدداً على أن مكافحة هذه الظاهرة تتطلب إجراء إصلاحات في قطاعات المال والضرائب والجمارك والمنظومة العدلية، إضافة إلى الأمن.

وجاء في التقرير أن “الافتقار إلى الشفافية خصوصاً في قطاعي الذهب والتجارة الخارجية أدى إلى استنزاف النقد الأجنبي وخفض الموارد المحلية وزعزعة استقرار الاقتصاد الكلي ومفاقمة الفقر وعدم المساواة”.

وتابع، “يبلغ جحم إنتاج النفط والذهب نحو ضعف ما أعلنته الحكومة، مما يشي بتهرب هائل ونقص في التبليغ وتهرب من دفع الجمارك والضرائب”.

وكان رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك، أكد خلال ورشة نظمها الاتحاد الأفريقي ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا، في الخرطوم، إلتزام حكومته بمتابعة ومراجعة التدفقات المالية غير المشروعة، واسترداد الأموال المنهوبة والمهربة وتوجيهها لتنمية البلاد واستقرارها.

وأضاف حمدوك، “يجب تضافر الجهود الداخلية والخارجية والعمل بتنسيق متكامل وخلق مناخ استثمار معافى وخلق آلية وطنية وتكاملها مع منظمات المجتمع المدني والعمل بشفافية عالية لإنجاح هذا المشروع الكبير”.

إندبندنت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.