بعد فشل الموسم الصيفي.. مشروع الجزيرة.. في انتظار التشييع
شكا مزارعون بمشروع الجزيرة من تدهور الأوضاع والتفاهم للدعم والاهتمام الحكومي، مشيرين إلى فشل زراعة محصول القطن والفول السوداني في الموسم الصيفي لهذا العام لاسباب عديدة في مقدمتها ضعف الإدارة والاهتمام بتحقيق المصالح الشخصية.. هذه الشكاوى وغيرها جعلت (الإنتباهة) تفتح ملف فشل الموسم الصيفي، والتقت العديد من الجهات التي أدخلت وبدأتها في هذه المساحة.
نشأة ومعيقات
رأينا ضرورة التعريف بمشروع الجزيرة والمشكلات التي تعتريه لمن لا يعرف.. تحتضنه ضفتا النيلين الأزرق والأبيض، وبرغم ذلك لسان حاله يقول?عطشان وجمبي النيل وغرقان في دموع اجفاني).. ذلك المشروع العملاق الذي أنشئ في عام 1925م لمد المصانع البريطانية بحاجتها من القطن. وقد شكل العمود الفقري للاقتصاد السوداني، حيث ساهم بنسبة كبيرة في إنتاج البلاد من (القطن، الذرة، القمح، الفول السوداني والمحاصيل البستانية..) وكان يعتبر أكبر مشروع مروي في إفريقيا، وقد مر تأسيسه بثلاث مراحل (إبان فترة الحكم الثنائي (1925ــ 1955م) كالآتي: التوسع الأفقي للمشروع (1955-1970م) والتوسع الرأسي (1970م)، لكنه فارق العافية بعد مجيء الحكومات الوطنية لا سيما في الفترات الأخيرة، وبرغم ما كان يدر للوطن من العملات الصعبة ويفي بحاجته، إلا انه واجه الإهمال بل القتل العمد لمشروع قومي، إلى أن وصل مرحلة التدمير وكأنها عملية ممنهجة.
ومنع المشروع من حقه الطبيعي في انسياب الماء وتطهير أرضه وقنواته وتوفير وقوده، فاصبح بذلك فشل الموسم الزراعي قاب قوسين أو أدنى، وغضت الجهات المسؤولة الطرف عن معاناة مزارعيه وتحملهم الخسائر الفادحة وهم يجتهدون اجتهادات شخصية لإنجاحه.
مشكلة التمويل
ارجع مزارعو مشروع الجزيرة والمناقل فشل الموسم الزراعي الى رفض البنك الزراعي تمويل المزارعين بحجة عدم تسجيل الحواشات بأسمائهم، بالاضافة لافتقار إدارات المشروعات الزراعية للخبرة، وذلك نتيجة لمحاصصات حصائل الصادر وغياب وزارة المالية وعدم تدخلها والغياب التام للإدارة عن المشروع، فنتج عن ذلك الفشل التاريخي غير المعهود لمشروع عملاق.
مفارقات شاسعة
يقول المزارع بقسم المنسي مكتب رأس الفيل بهاء الدين محمد دفع الله لـ (الإنتباهة): (من المفترض أن يتم التجهيز للعروة الصيفية في وقت مبكر)، مشيراً إلى مشكلات كثيرة في عملية التحضير، ومبيناً أن التحضير الموجود لا يتعدى 20%، وشكا من عدم توفر الجازولين للتحضير، وأردف قائلاً: (في السابق كنا نحضر بمقابل الفدان (5000) جنيه، واليوم أصبح الفدان بـ (1000) جنيه، وأصبحت تكاليفه غالية جداً، وحتى الآن لم نزرع، والسبب الرئيس عدم توفر الجازولين الى جانب مشكلات الري، فالترع تم تجفيفها في الفترة السابقة بغرض الصيانة وحتى اليوم لم تصن، كما أن تأخر المياه احدث خللاً كبيراً في تأخير الزراعة والسقاية والحواشة هذا الموسم)، وذكر ان الفشل في عملية التحضير دليل على بوادر الفشل للموسم، وكان من المتوقع أن تكتمل أعمال الصيانة في شهر مايو بنزول المياه، على ان تبدأ زراعة وري القطن والفول السوداني في الفترة من (1 ــ 10) يونيو، غير أن الذين زرعوا لم تتعد نسبتهم 1% من المزارعين باجتهاداتهم الشخصية، فحتى الآن لا يوجد حل ولا تحرك من ادارة المشروع أو وزارتي الري والزرعة لمعالجة مخاطر الفشل وأسبابه).
متابعة الزراعة
وتابع بهاء الدين قائلاً: (لكي يتم تلافي ما تبقى من العروة الصيفية، لا بد من انسياب المياه بصورة سريعة وتطهير القنوات وفتح أبو عشرينات وتأهيل الشركات التعاقدية، وأن تتدخل الدولة لتخفيض اسعار التحضير للزراعة، فالآن بلغ سعر تيراب القطن الهندي (2000) جنيه للكيلو، ولكي تزرع ثلاثة أفدنة تحتاج لأكثر من (78000) جنيه، أما القطن الداب فقد بلغ سعر الجوال (ـ22000) جنيه، وهذا الأمر يتطلب تدخل البنك الزراعي لكي يأتي بالتقاوي والأسمدة، وإذا لم يظهر شيء في هذا الوقت يعتبر الموسم الزراعي فاشلاً).
غياب الإدارة
فيما يقول المزارع بقسم المسلمية مكتب ري سعدالله ياسر موسي الجاك المنصوري: (فرضت الإدارة على المزارعين أيام حصاد القمح (5000) جنيه لكل حواشة أو لكل مزارع، بحيث تكون مساهمة لتأهيل مواعين الري، ونتساءل اين ذهبت الأموال البالغ قدرها ( 650.000.000) جنيه التي تبرع بها مزارعو مشروع الجزيرة لنهضته؟ ، وكان يفترض أن تصرف على التأهيل)، مشيراً إلى ان السبب الرئيس في فشل العروة الصيفية السابقة عدم صلاحية مواعين الري، بالإضافة إلى رفع الإدارة يدها عن دعم الجازولين وأحجمت عن توفره، وبالتالي بات المزارع الذي كان يزرع (40) فداناً يحصل على (11) أو (8) جالونات جاز وهي لا تكفي، كما بدأت الإدارة تتنصل من توفيره والمسؤولية تجاه المزارع، إضافة لتأخير التمويل من البنك الزراعي، وقال: (حديث الإدارة واضح فهي دائما تقول ان البنك الزراعي ما سلمهم حاجة والبنك الزراعي أوقف التمويل)، واضاف ان حجم الأراضي التي حُضرت لهذا الموسم لا تتجاوز نسبتها 5% لعدم وجود الجازولين، واردف قائلاً: (أنا زول حايم جوه مشروع الجزيرة دا، والإدارة غائبة غياباً تاماً عن المشروع ولا يوجد مفتش ولا يوجد رئيس قسم يستقبل شكاوى الناس، ولا يوجد تفاعل من قبل محافظ مشروع الجزيرة ومدير الإدارة الزراعية للمشروع، ولا توجد متابعة من جانب رئيس مجلس ادارة المشروع، فهؤلاء (سايقين عرباتهم من مدني الى الخرطوم) دون فائدة).
انسياب المياه
ومن جانبه يقول المزارع بالقسم الشمالي مكتب الصحوة كمال الساري: (إن أسباب تأخير العروة الصيفية في مجملها غير معروفة لدينا نحن كمزارعين منذ زمن بعيد، ويعتبر ذلك فشلاً تاريخياً في هذا المشروع العملاق الذي لم يعهد من قبل إطلاقاً مثل هذا التأخير الذي من أسبابه تأخير انسياب المياه في كثير من القنوات بالمشروع عن موعدها المعتاد (شهر مايو)، إضافة لعدم صيانة القنوات وأبواب التحكم في الفترة الصيفية، كما لم توضع ميزانية تخص هذه العملية المهمة جداً بالنسبة للري من قبل وزارة المالية، مع قلة الكراكات وانعدامها في بعض الأقسام للقيام بتطهير القنوات، وكذلك ارتفاع أسعار المدخلات الزراعية التي أصبحت صعبة المنال بالنسبة لصغار المزارعين، حيث بلغ سعر جوال الداب (15) ألف جنيه وسعر اليوريا (12) ألف جنيه، إضافة إلى ذلك ضعف نسبة التحضير التي لا تتجاوز 12% من المساحة الكلية للمشروع المراد زراعتها، وذلك نسبة لارتفاع أسعار الجازولين وانعدامه في بعض المناطق).
في انتظار التشييع
وتساءل الساري عن حديث وزير المالية الذي أشار فيه سابقاً الى مشكلة الري التي ذكر انها قد حلت جزئياً عبر المشروعات الممولة من البنك الدولي، قائلاً: (كيف يتم ذلك ونحن الآن في الوقت بدل الضائع للزراعة؟ ويريد حل مشكلة الري عبر البنك الدولي؟ وكل هذه الأسباب إضافة الى عدم وجود جسم يمثل المزارعين وينوب عنهم بالتحدث مع المسؤولين في الحكومة للمطالبة بالحقوق لتحريك عجلة الإنتاج الزراعي) ويضيف قائلاً: (هذا حال المشروع الذي كان داعماً للاقتصاد السوداني، فاليوم أصبح جثة هامدة تنتظر التشييع).
التوقيت القاتل
ويرجع المزارع فخري ود الجبل تأخر العروة الصيفية إلى عدم صيانة شبكات الري وعدم انسياب الماء في الترع عدا بعض المناطق وبمناسيب ضعيفة لا تدخل الحواشة، إضافة لارتفاع الجازولين في توقيت قاتل وارتفاع أسعار التحضير والأسمدة والتقاوي.
ويضيف أن الأخطر من ذلك تدخل إدارة المشروع بإلزام المزارع بزراعة محاصيل معينة وترك جزء من أرضه بوراً بحجة عدم كفاية مياه الري، بينما الحقيقة هي قصور واضح في عدم صيانة قنوات الري بالرغم من أخذهم ضريبة الري والإدارة كاملة، وفرضوا على المزارع (5000) جنيه كتبرع إجباري نفرة لتعمير مشروع الجزيرة، فلم نر تعميراً بل تقصيراً ضاراً جداً بالمزارع، فأين ذهبت هذه الأموال والضرائب وأموال النفرة، وأين وزارة المالية ودعم الحكومة المركزية التي تدعي قومية المشروع؟ وقال ان هذه الأسباب مجتمعة ربما تؤدي لفشل العروة الصيفية وخسائر فادحة للمزارعين الذين لم يتعافوا من خسائرهم في الموسم الماضي التي كان سببها الرئيس فشل الإدارة في توفير مياه الري، داعياً إدارة المشروع لرد أموال الضرائب والنفرة في شكل صيانة لقنوات الري.
هزيمة الموسم
ويرى الكاتب الصحفي والمزارع الدكتور عبد اللطيف البوني، أن التحضير للموسم الزراعي سوف يكون بائساً، لا سيما أن أسعار الجازولين في السوق الأسود قد وصلت الى أرقام فلكية ومازالت متصاعدة، والجازولين غير متوفر مما يعني هزيمة الموسم الزراعي بشقيه المروي والمطري، إضافة إلى ندرة وعدم توفر مدخلات الإنتاج وبأسعار فوق التصور، ويضيف البوني قائلاً: (إن الموسم الماضي أسوأ موسم زراعي تشهده البلاد، وليس أسوأ منه إلا هذا الموسم).
تمويل مجحف
ويرى خبير الإرشاد ونقل التقانة والأغذية ومنسق لجان مقاومة القطاع الزراعي الدكتور بابكر حمد، أن الوضع في السودان وضع سيئ جداً، سواء كان في العروة الصيفية السابقة أو الحالية، فارتفاع أسعار المواد البترولية أثر فى القطاع الزراعي بشقيه، خاصة أن المنتجين الصغار ليست لديهم أموال ويعتمدون على الزراعة والشراكات التعاقدية، وهذه الشركات تهتم بمصالحها ولا تهتم بمصالح المزارع الذي تعاقد معها، وتجد تمويلاً ضخماً من الدولة، ويرى ضرورة تمويل المحاصيل الاستراتيجية كالقطن والقمح وهذا غذاء الشعب السوداني الذي يجلب العملة الصعبة، لان البترول خرج منذ عام 2011م، والذهب يهرب للخارج عبر المطارات، فمواردنا مسربة للخارج والقطاع الزراعي هو الذي بقي والدولة لم تهتم به، وأكد أن التضخم الذي حدث تأثيره سلبي، وقال ان هناك (50) مليون فدان، والمفترض تزرع بالقطاع المطري (45) مليون والقطاع المروي خمسة ملايين فدان.
تفتقر للخبرة
ويرى بابكر أنه في الخطة العامة للدولة لا يوجد شيء واضح بالنسبة للمشروعات الزراعية الخمسة القومية، فكلها وعود والإدارات الموجودة في المشروعات الزراعية إدارات تفتقر للخبرة وجاءت نتيجة محاصصات سياسية، وقال: (يجيبوا ليك زول ليهو أربعين سنة برة السودان أو ما اشتغل في الزراعة، ويقولوا ليك دا وكيل وزارة، ونفس الشيء الحاصل في الوزارات التانية حاصل في القطاع الزراعي وبصورة أسوأ). ويضيف أن معظم الزراعة التعاقدية حصائل الصادر منها لا تدخل وزارة المالية، مما أدى إلى انهيار الجنيه مقابل الدولار.
الوضع مزرٍ
ويقول رئيس تجمع مزارعي الجزيرة والمناقل طارق أحمد الحاج: (لا يوجد تحضير، فالجازولين رفعوا الدعم عنه وهو غير موجود أصلاً، والتحضير في مشروع الجزيرة كله لا يتعدى 16%، والمزارع محاصيله أسعارها متدنية ولا تجابه تكلفة التحضير ناهيك عن المدخلات، والوضع مزرٍ والتأهيل لقنوات الري صفر، وتوجد صيانات ضعيفة على مستوى الكباري في المجرات وصيانة على مستوى الترع وكذلك لابو عشرين)، ويرى أن السبب الرئيس في فشل الموسم الصيفي الجازولين وبأسعاره المرتفعة، وهذا لا يكون في متناول يد المزارع.
فرض أموال
وبدوره يقول عضو لجنة تسيير مشروع الجزيرة بقسم المكاشفي مكتب (49) مراد يوسف دفع الله: (إن أعضاء اللجنة التسييرية كانوا في نفرة إعمار مشروع الجزيرة بقاعة الصداقة، وفرضوا على كل مزارع مبلغ خمسة آلاف لإعمار مشروع الجزيرة (130 ألف مزارع)، وكانت اجبارية حيث ربطت بحصاد القمح (ضمنت مع تكلفة القمح أي ضمن الضرائب)، وبذلك فرضت فرضاً على المزارع، وحتى اليوم لم نر إعماراً في المشروع، وعلى الحد الأسوأ إزالة إطماء أو تحضير او سماد، كذلك فرضت (1450) جنيهاً كضريبة على الفدان (950) جنيه ضريبة الإدارة و (500) جنيه ضريبة الري، وهذا أيضاً لا وجود له على أرض الواقع، وكل شيء متعلق بالزراعة على أرض الواقع غير موجود)، داعياً اللجنة التسييرية الى النزول للمزارعين والعمل على تنويرهم بما يحدث.
مواقيت الزراعة
وبخصوص تدارك مواقيت الزراعة يقول يوسف إن للزراعة مواقيت، فبعد (22) يونيو وهو وقت زراعة الفول يصبح الإنتاج ضعيفاً نسبة لقلة حجم الجاز الذي وصل اليهم وهو لا يفي بتحضير الزراعة بالمشروع، وتابع قائلاً: (الآن المزارعون يحضرون بأنفسهم مع العلم بأن التحضير غالٍ جداً)، مشيراً إلى انهم قدموا للبنك الزراعي واستلموا الأوراق ولكن لم يأتي سماد بعد، فبعد تحصلهم عليه سيكون موعد السماد في قد مضى.
وقفات احتجاجية
وفي ظل تأخر عملية التحضير والمشكلات التي وقفت حجر عثرة في طريقهم والتي حالت دون البدء في عملية التحضير بشكل عملي، نظم مزارعو الجزيرة والمناقل وقفة احتجاجية امام مباني الإدارة ببركات، حيث حوى خطابهم تجاوز تاريخ العاشر من يونيو الوقت الذي تكون فيه المحاصيل زينت أرض الجزيرة، مبينين العوامل النفسية والإدارية والسياسية التي شكلت صورة قاتمة في وجه مزارع الجزيرة، وليست لهذه العروة الصيفية بل لمستقبل الجزيرة. وتجدر الإشارة إلى ان البنك الزراعي يرفض تمويل المزارعين بحجة عدم تحويل سجلات الحواشات بأسمائهم التي فرضت على تسجيلها رسوم عالية جداً، وها هي تستعمل معهم أسلوب الضغط لسلب أموالهم كعادتها في التحصيل دون وجه حق وبلا مقابل في الخدمات التي تعد من أولويات واجبها.
حصاد السراب
لقد كانت وعود رئيس مجلس الوزراء في تأهيل وتطوير مشروع الجزيرة كالسراب، وتوجيهاته حبر على ورق، وعلى إثرها اجتمعت الجهات ذات الصلة لتنفيذ الموجهات، كما أن الجهات ذات الصلة قررت توفير التمويل لزراعة القطن وتخصيص (75) عربة بوكس للمشروع، إلى جانب التزام وزارة المالية بصيانة 50% من مكاتب ومنازل الغيط وتهيئة بيئة العمل وتحسينها وتخصيص بمبالغ مقدرة من العملات، وغيرها من الوعود التي ظل ينتظرها مزارعو الجزيرة كعطشان يلهث وهو ينظر للماء أمامه، وبعد الوصول إليه ارتوى سراباً.
امتناع عن الرد
في سياق الأزمة التي تواجه المشروع ويعاني ويلاتها المزارعون، أردنا أن نعكس رؤية المسؤولين في المشروع والحلول التي ستتم، وعند الاتصال بمحافظ الجزيرة د. عمر مرزوق الذي أعطى موعداً للإفادة، فبعد الاتصالات المتكررة امتنع عن الرد، وكذلك رئيس مجلس الإدارة صديق عبد الهادي.
المصدر : الانتباهة