مقيم سوداني ببلجيكا يحكي أوضاع السودانيين عقب التفجيرات الارهابية وأثرها عليهم
مع انتشار خبر تعرض بلجيكا لتفجيرين إرهابيين صبيحة الثلاثاء، سارعت الدول لتفقد رعاياها وضمان سلامتهم، ، ولما كان في تلك البلاد عدد مقدر من السودانيين رأت آخر لحظة متابعة الحدث وتداعياته، والتأكد مما إذا كان هناك سوداني من بين الضحايا أم لا، فأجرت اتصالاً هاتفياً بالمقيم السوداني الشاعر دكتور الهادي عجب الدور، الذي أمضى سنوات في بلجيكا، وحاضر في العديد من مؤسساتها الجامعية، وناقشت معه الوضع، فكان أن استجاب سريعاً وتحدث في العديد من المحاور، أهم ما فيها حالة الجالية السودانية .
أجراه عبر الهاتف: لؤي عبد الرحمن
*ماهي خلفية الأحداث التي وقعت في بلجيكا؟
– هي امتدادات لهجمات فرنسا، وطبعاً الشرطة والجهات الأمنية والقضائية ظلت تطارد في الناس وتمسك في الخيوط، وحصل أن فر أحد منفذي هجوم باريس عقب الهجمات، وحددت شخصيته هو طبعاً فرنسي، شخصية معروفة في وسائل الإعلام، وهو صلاح عبدالسلام، وأخيه طبعاً مات في العمليات ذاتها، وهو ساكن في بلجيكا في مولمبيك واختفى في تلك الفترة، وكانت الجهات الأمنية تتعقبه، ولم يتم تحديد مكانه، ولكن مؤخراً وتحديداً قبل أيام أقل من اسبوع، حددت شقة مشبوهة في حي آخر بمنطقة داخل بروكسل تسمى فورست أو فوريه وداهمتها القوات الخاصة، وحدث تبادل اطلاق نار قتل فيه جزائري اسمه ظاهر في الإعلام، وتم ضبط عدد من الأسلحة بحسب ماورد في الإعلام المحلي، بعد ذلك من خلال التحقيقات الجنائية، توصلوا الى عدد من المناطق محل الاشتباه، وبناء على معلومات داهموا المنطقة أيضاً، فضبطوا المتهم الرئيس والمطلوب الاول في اوروبا صلاح عبدالسلام الانتحاري، المفترض يفجر نفسه في أحداث باريس، ونشروا خبر اعتقاله في الإعلام ولم يتوقع الناس أن تحصل تفجيرات بهذا الشكل الذي تم في ليلة البارحة.
* وماذا عن منفذي تفجيرات بروكسل؟
– اتوا بصورهم في وسائل الإعلام والتلفزة وأخبروا الرأي العام أنهم شباب أسمائهم عربية ومسلمون وذلك مصحوب بالصور.
*كيف دخلوا للمطار بهذه المتفجرات بحسب تصورك ؟
– يبدو أنهم دخلوا المطار مثلهم مثل اي شخص مسافر، وكانوا يحملون قنابل على الحقائب ومسلحين ببنادق كلاشنكوف، وحصل داخل المطار إطلاق نار، وبعده كانت التفجيرات عند الثامنة صباحاً يوم الثلاثاء، والتفتيش في هذا المطار ليس منذ البداية، فأنا مثلاً سافرت الى اديس ابابا فالتفتيش كان قبل الدخول للمطار، وعند دخولك للصالة.. لكن في المطار الذي حصل فيه التفجير التفتيش بعد أن تدخل للمطار، وتأخذ كرت السفر النهائي.
*هل حدث الانفجار الثاني في وقت واحد أم أن هنالك فارق زمن وأي مكان من المكانين قريب لسكنك؟
– التفجير الثاني حدث بعد حوالي 50 دقيقة في شبكة مترو الانفاق، وهي محطة كبيرة جداً تبعد مسافة خمس دقائق مشياً على الأقدام من مكان سكني، وعلى مقربة أيضاً من مقر المفوضية الاوروبية، وفي نفس الصباح كان عندي مشوار يفترض أمشيه، لكن غيرت راي وذهبت ليلا قبل يوم التفجير لارتباطات أخرى، فمررت بنفس المنطقة ولو ربنا كان ماسهل كان مشيت في التوقيت ذاته أو كان الحدث أمامي أو خلفي، وزارني صديقي من جنوب السودان في البيت، كان الانفجار في المترو الذي أمامهم مباشرة فانزلوهم حفاظاً على سلامتهم، مما جعله يأتيني لقرب المكان.
* الناس يتساءلون عن ما إذا كان هنالك اي سوداني في عداد الضحايا أو الجرحى؟
– الجالية السودانية في بروكسل تحديداً أغلبها تعمل مع السفارات العربية مثل قطر، والامارات، والكويت، وسلطنة عمان، والسعودية، وفي وقت الحادثة هم يكونوا مشغولين باشغالهم ولديهم سيارات خاصة لا يستخدمون خطوط المترو، خاصة في الاتجاه الذي وقع فيه التفجير، والسودانيون في بلجيكا عموماً يتركزون في المنطقة الناطقة بالهولندية في مدينة على الحدود مع هولندا تسمى انتنيرب، وأخرى اسمها جينت.. أما في بروكسل عددهم بالدبلماسيين ليس كبيراً لأن بروكسل تتحدث الفرنسية والهولندية، والسودانيون بفضلوا الهولندية لأنها قريبة من الانجليزية، والأعمال متوفرة في المناطق الناطقة بالهولندية، والمنطقة محل الانفجار لا يوجد بها سكن لمواطن سوداني معلوم لدينا كسودانيين، وحتى الآن لم تسجل حالة سوداني تعرض لمكروه في الحادثتين.
* تبين أن المنفذين عرب ومسلمين كيف هي ردة الفعل في الشارع البلجيكي؟
– هنالك صدمة حقيقية في الشارع البلجيكي ليس لأن المنفذين عرب ومسلمين ولكن للحادثة ذاتها، وفي بروكسل نفسها، هناك أحياء تكاد تكون مقفولة للعرب والمسلمين، والآن أنا في الطريق أمامي أكثر من خمس نساء محجبات وهن يسرن ، بروكسل مدينة مختلطة ومتعددة الثقافات، وتكاد تكون مدينة ليست بلجيكية بالمعنى الخالص وإنما عالمية مثلها مثل لندن وباريس، متعددة الثقافات لا تجد نوعاً من النفور، مواطنو بروكسل فيما بينهم متفهمون ماحدث بالرغم مما يقوم به المتطرفون اليمينيون من إثارة للموضوع والمجموعات الرافضة للمهاجرين، لكن حتى الآن لا توجد حاجة واضحة.
* صف لنا الحركة العامة في المدينة في اليوم التالي للتفجيرين؟
– الآن مررت بمحطة كبيرة هي محطة في بروكسل شمال، بها قطارات ومحطات مترو الانفاق والترامات والبصات لداخل بروكسل وخارجها عند المدخل لها، هنالك طابور طويل، وتنتشر الشرطة وقوات الجيش وتقوم بالتفتيش على الحقائب الداخلة كاجراء احترازي، ربما هناك أحد الفارين، الحكومة البلجيكية وضعت البلاد في حالة تأهب، وتعتبر الدولة في حالة حرب حقيقية، الناس ماشة في الشوارع لكن ليس بالكثافة المعهودة، الانفاق داخل المدينة مغلقة، البصات والترامات تعمل، ولكن ليس بشكل نشط، المحال التجارية الكبيرة شبه مغلقة، والمدينة تبدو مشلولة نوعاً ما.
* الى أي مدى هنالك تماسك في الشارع البلجيكي عقب الأحداث؟
– هنالك تمسك كبير وسط البلجيكيين رغم ماحدث وأقيمت حملات للتبرع بالدم للجرحى في العديد من الاقاليم
* قراءتك للهجوم من ناحية استراتيجية؟
– الرئيس الفرنسي أعلن أن الهجوم هو هجوم على اوروبا بشكل عام، وهو له رمزية مختلفة عن الهجمات الأخرى، لأنه في عاصمة اوروبا وقبله بأيام، كان في المدينة اتفاق بين الاوروبيين وتركيا في مسألة اللاجئين وامكانية إرجاعهم الى تركيا.
* هل شهدت بلجيكا في الوقت القريب هجمات من هذا القبيل؟
– لم تكن هناك انفجارات مشابهة بنفس الحجم، ولكن كانت هنالك عمليات أمنية وفي العام 2015 م كانت عملية في المنطقة الناطقة بالهولندية يقال لها فرفيه، كان هناك مخطط يستهدف الشرطة والأمن فتوصلت السلطات الى معلومات بموجبها تمت مداهمة المكان، وقتل الشباب الذين كانوا من جنسيات أخرى، بعدها كانت المداهمات، ولكن عملية وفاجعة كما الأمس غير موجودة.
* ماهي توقعاتكم بردود الأفعال تجاه الأجانب والمسلمين بصورة خاصة على مستوى القطر؟
– بلجيكا جزء من النسيج الاوروبي والمجتمع الدولي، ولا يمكن باي حال من الأحوال أن تتخذ قرارات خاصة بها بشكل منفرد، لأنهم موقعين على اتفاقية أسس على مبادئها الاتحاد الاوروبي، وقبل فترة حاولت بلجيكا إغلاق حدودها وتنفيذ تفتيش، فتعرضت لانتقادات باعتبار أن ذلك مخالفة صريحة لاتفاقية الاتحاد الاوروبي، لكن هذه الحادثة ستدفع الى اجراءات أمنية جديدة.
* منظمات المجتمع المدني خاصة المتطرفة هل لها تحركات ضد الأجانب عقب الأحداث؟
– بالتأكيد هذه التفجيرات وهذا العنف سيؤدي الى تطرف اليمين وجعله أكثر انعزالية وربما يحصل اليمين في الانتخابات القادمة على أكثر الأصوات، لكن في اوروبا توجد قوانين وهي تحكم الجميع وليست مثل الجهات الأخرى.
* الجالية المسلمة في بلجيكا كيف كانت ردة فعلها ومشاعرها؟
– الأغلبية العظمى أدانت الموضوع واستنكرته، وكانت هنالك مشاعر غضب وايضاً في مواقع التواصل الاجتماعي، وشاركوا عندما نزل الناس الى ساحة لابورش في وسط بروكسل للتعبير عن الحزن وايقاد الشموع، وهناك عدد من المسلمين كانوا موجودين بعضهم بادر بالتبرع بالدم والوقوف مع الجرحى وإبراز تعاطفه، وهناك مسلمون جرحى في هذا الانفجار، ولدي صديق عراقي كتب على صفحته ينعى أحد أصدقائه، يقول قد هرب من الإرهاب في العراق، فإذا به يجده في بلجيكا، لكن بشكل عام الجالية المسلمة في بلجيكا ليست موحدة هناك جالية مغربية، وأخرى تركية وجاليات افريقية ليست لديهم مرجعيات واحدة، وحتى المرجعيات الموجودة تكاد تكون هي خلفيات سياسية لأنظمة في الشرق الأوسط، أو دول عربية أخرى ولا توجد جهة وحيدة تمثل المسلمين، وصراع الشرق الأوسط بين الشيعة والسنة تم نقله الى اوروبا، الذين يقومون بالتفجير ليس هم من المهاجرين أو القادمين، هم من المولودين في اوروبا، سواء كان في هولندا أو فرنسا وبلجيكا ودول أخرى، رضعوا الثقافة الغربية وأيضاً لم يكونوا ملتزمين دينياً مثلاً الشاب الآن المطلوب رقم واحد، والذي تم القبض عليه قبل فترة كانت لديه حالة بار اي يبيع في الخمر والويسكي، وبعد أشهر أصبح متطرفاً ويميل الى أعمال العنف الآن.
* أنت كمسلم وسوداني وأمضيت سنين في بلجيكا ماذا تقول عن الحادثتين؟
– ماحصل عمل شنيع والإرهاب لا دين له، ومهما يكن الألم الإنساني واحد، لا يمكن أن نلصق تصرفات طائشة يقوم بها بعض المتطرفين أو أصحاب الغلو الديني بالإسلام لتشويه صورته، المسلمون لم يجتمعوا ولم يفوضوا أحد ليتحدث باسمهم، ماحدث بالأمس جريمة نكراء، ولابد أن يحاسب من قام بها ويجب أن تكون العقوبة شخصية ولا تعم البقية من المسلمين.