بينما يخطو أغسطس بأيامه على رزنامة الاشهر الميلادية، كان مجلس الوزراء بكامل عتاده يحسم الأمر بشأن تسليم البشير وزمرته إلى المحكمة الجنائية الدولية، وذلك من خلال المصادقة بالإجماع أمس الاول، على مشروع قانون يقضي بالانضمام لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لسنة ١٩٩٨م، توطئة لاجازته النهائية من قبل مجلس السيادة.
المصادقة على قانون المحكمة الجنائية يمهد الطريق لتسليم البشير إلى المحكمة الجنائية، وهي خطوة رغم أنها لم تكن في الحسبان، اي المصادقة وليس أمر تسليم المعزول، الا انها تفتح الباب على مشرع التساؤلات. ففي حين اعتبر مراقبون ان القرار تأخر كثيراً لأنه يضع تسليم الرئيس السابق في خانة المشروعية فضلاً عن أنه خطوة إلى الأمام في جدية المحاكمة، يرى بالمقابل البعض الآخر أن مجلس الوزراء لم يكن في حاجة إلى المصادقة على قانون يمهد طريق البشير إلى المحكمة الجنائية، لأن الحكومة اتخذت قرارها بتسليمه ومحاكمته. والتساؤلات التي تفرض نفسها: هل تسليم البشير بحاجة إلى قانون؟ وما الذي عجل بالمصادقة على قانون الجنائية؟ وما علاقته بزيارة رئيس الوكالة الأميركية للتنمية (سامانثا باور)؟ وهل سيجيز المجلس السيادي نهائياً قانون الانضمام إلى ميثاق روما للمحكمة الجنائية؟ وكيف سيتعامل المكون العسكري مع القانون؟ وهل المقصود بإجازة القانون المعزول وأعوانه لوحدهم ام آخرون؟
بالإجماع
أمس الأول خرج رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك عبر حسابه على تويتر، معلناً اجازة مشروع قانون انضمام السودان لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بالإجماع، تمهيداً لعقد اجتماع مشترك بين مجلسي السيادة والوزراء للمصادقة عليه. والعدالة والمحاسبة أهم ما ذهب إليه رئيس الوزراء في تغريدته، حيث عدهما الأساس الراسخ للسودان الجديد والملتزم بسيادة حكم القانون الذي نسعى جميعاً لبنائه بحسب ما كتب. واجازة القانون ينم عن وجود تحولات كبيرة في نهج الحكومة. فبعد مرور عامين على الثورة وتكوين الحكومة لم يسع مجلسا السيادة والوزراء إلى اجازة قانون يعتمد تسليم البشير وأركانه، بل ان تسليمهم كان أمراً مفروغاً منه، رغم وجود تقاطعات عدة تباينت واختلفت وتأرجحت إلى أن استقرت بتسليمهم إلى الجنائية. هذا التسليم في حد ذاته ظل مثار جدل بين تسليمهم للخارج وهو ما يقدح في القضاء السوداني، وبين محاكمتهم داخلياً، وفي كل الحالات (تسليم أو تسليم). لكن الشاهد في الأمر كله ان تسليم الرئيس السابق كانت أمراً مفرغاً منه، فهل كانت الحكومة بحاجة إلى اجازة قانون؟ هذا التساؤل بحسب خبراء إجابته توجد في زيارة رئيس الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (سامانثا باور) التي باركت اجازة القانون بعد يومين من زيارتها واعتبرته أنباءً رائعة خلال تغريدة لها.
مؤامرة خبيثة
ويرى المحلل السياسي نصر الدين أبو بكر ان في اجازة القانون علاقة مع زيارة رئيس الوكالة الأمريكية للتنمية.
وقال أبو بكر إن الوكالة الامريكية للتنمية دفعت في اتجاه الإسراع في اجازة القانون، وقد سارعت إلى مباركته. واجازته دون اجتماع مشترك بين مجلسي السيادة والوزراء اللذين يمثلان المجلس التشريعي، يشي بوجود اختلاف في وجهات نظر بين المجلسين.
وفي ذات المنحى يرى البعض أن ثمة مؤامرة خبيثة تدار في الخفاء المقصود منها (عسكريون) في المقام الأول لاعتبارات كثيرة، أولها أن كثيراً من القيادات العسكرية شاركت في الحرب في دارفور على حد زعم مكونات مدنية. فقد ظلت هذه المكونات تندد كثيراً بضرورة تسليم مكونات عسكرية إلى جانب البشير الى المحكمة الجنائية. وفي ذات السياق لم يستبعد أبو بكر هذه الفرضية، مؤكداً أن تسليم البشير ومن معه أمر مفروغ منه، سيما عقب ابدائهم شخصياً الترحيب بالتسليم.
واشار الى وجود صراع وصفه بالخفي بين شركاء الحكم، حتى وإن بدا ظاهرياً وجود تناغم.
وقال ان البداية في مسلسل تسليم البشير كانت منذ إقناع كوشيب ومساعدته في الوصول إلى الجنائية. ونوه بأن القانون ربما يصطدم بعقبة المصادقة من قبل المجلس السيادي لاعتبارات جمة، أولها انه يمهد الطريق إلى تسليم اي شخص شارك في الحرب في دارفور، والمعروف أن المكون العسكري شارك في هذه الحرب بحكم مناصبهم التي تقلدوها وقتها.
مسألة وقت
ويواجه البشير أمر اعتقال من قبل المحكمة الجنائية التي أصدرت في حقه مذكرة في عام ٢٠٠٩م على خلفية اتهامه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور، وأبدى البشير عقب سقوطه عدم خشيته من تسليمه للمحكمة الجنائية، مؤكداً أنه لا يخشاها، في وقت اعتبرها أفضل مما يعيشه حالياً بحسب ما صرح به أخيراً.
وظلت هيئة الدفاع عن البشير تستنكر أمر تسليمه بدعوى عدم مصادقة السودان على قانون الجنائية، لكن الآن وعقب اجازة القانون أصبح الأمر قانونياً، فكيف ستتعامل الهيئة معه؟
وفي ذلك يرى المحلل السياسي خالد البشير ان هيئة الدفاع عن المعزول لا مناص لها عقب إجازة القانون من الاستنكار. واكد في حديثه أن أمر تسليم البشير بات حتمياً، والمسألة لا تعدو كونها مسألة وقت.
ويذهب خالد في اتجاه آخر، وهو أن المعركة الحتمية ليست الآن في تسليم البشير أم لا لأنه أمر حتمي، لكن المعركة الحقيقية في موافقة المجلس السيادي. واعتبر في ذات الوقت ان الامر تديره جهات خارجية لتنفيذ أجندتها.
وفي ذات السياق يرى المحلل السياسي وهبي السيد في حديثه أن إجازة قانون المحكمة الجنائية أمر عادي وليست فيه غضاضة ولا يخرج عن كونه تقنيناً للتسليم. واعتبر في ذات الوقت ان الامر تأخر كثيراً، ولكن أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي.
المصدر : الانتباهة