وفاة عبدالله بلال .. القيادي بالبطاحين الذي عفى عن قاتل إبنه
انتقل الى رحمة مولاه ، القيادي بقيلة البطاحين السودانية السيد/ عبدالله بلال ، وذلك بمستشفى البراحة بالخرطوم بحري ، انا لله وانا اليه راجعون ، رحمه الله رحمة واسعة.
يذكر ان الفقيد ضرب مثالاً ب” العفو عن المقدرة ” وذلك عندما عفى عن قاتل إبنه في الاشهر القليلة الماضية.
في لفتة بارعة تعد الأولى من نوعها، أثارت دهشة الرأي العام الداخلي والخارجي وباتت حديث الساعة، أن يقدم رجل على مكرمة وإحسان فريد في حق مَن قتل فلذة كبده، بعد أن سدد له طعنات أردته قتيلاً! .. تلك هي قصة عبد الله بلال، زعيم قبيلة البطاحين الذي عفا دم ابنه لحظة حدوث الوفاة، ولم يكتف بالعفو فقط، بل ذهب إلى مقر حبس الجاني في قسم الشرطة، وحمل معه الطعام، وجمع كل الضباط والجنود، وقام بتوزيع الأكل عليهم، ليطمئنوا أنه لم يأتِ ليثأر لابنه بل جاء ليصفح الصفح الجميل.
والد الشاب القتيل طلب أن يشارك قاتل ابنه الأكل في “صحن واحد”، وبالفعل تناول معه الأكل، ولاقت هذه الحادثة استحساناً من جميع أطياف المجتمع، وضرب مثالاً في المكرمة التي قدمها لوجه الله، بحسب حديثه لـ(السوداني)، قائلاً: (لو كنت حضرت الحادث كنت قمت بتهريب الشاب الذي قتل ابني، وأهرب به حتى لا تقبض عليه الشرطة)، بهذا الحديث كفف العم عبد الله بلال دموعه التي نزلت على خده متأثراً بوفاة فلذة كبده، الشاب الذي يبلغ من العمر (٢٤) عاماً، بعد أن أثنى عليه وقال: “ولدي فيه خير وكريم ومؤدب، لكن قدر الله نفذ)، وعند استفساره عن لحظة تلقي نبأ وفاته، أكد بلال أنه لم يكن حاضراً للحادثة، وتابع: “لم أر القاتل وقتها”، ومضى قائلاً: “لو كنت موجوداً لن أدعه ليذهب للحراسة، ولعفوت عنه خاصة أنه من خارج الحي الذي نقطنه، ومن قبيلة أخرى”.
ألم بليغ
وعن لحظة تلقيه النبأ قال: “تلقيته بألم بليغ، وصبرت عليه، وخاصة أن القتل كان بالسكين”، وذكر أنه لم تكن هذه الحادثة هي الأولى له في العفو، وإنما سبق أن قتل ابن له قبل ٣٠ عاماً من قبل ٤ أشخاص، وقال: “عفوت عنهم في لحظتها، لكن حينها لم يكن هناك إعلام يتداول قصته”، وقال مازحاً: “تبقى لي من بين الأبناء عمار” ــ مشيراً إليه بيده وهو يضحك، “لوقتل سأعفو عنه”.
درس مجتمعي
عضو مجلس السيادة الانتقالي محمد الفكي سليمان، الرئيس المناوب للجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو ١٩٨٩م واسترداد الأموال العامة، وصف حادثة مقتل شاب بشرق النيل بالدرس المجتمعي الذي قدمه والد الفقيد زعيم قبيلة البطاحين عبد الله بلال، بعد أن عفا دم ابنه لحظة الحادثة، وذهب بنفسه إلى قسم شرطة الحاج يوسف بشرق النيل، وحمل طعاماً وقدمه للقاتل وشاركه في الأكل، وقال الفكي في زيارته لمنزل الفقيد وتأدية واجب العزاء إن هذا العفو درس من الدروس التي قدمها أحد الفرسان الذي ضغط على نفسه، وعفا دم فلذة كبده، ووصفها بأنها أعلى مراحل الإحسان، داعياً إلى ضرورة تدوين هذه في مقررات المناهج، وتدريسها للطلاب في المراحل الدراسية حتى يتوارثونها جيلاً بعد جيل لكونها تعالج كثيراً من قضايا الاقتتال القبلي الذي أصبحت البلاد موبوءة به بصورة كبيرة، وقال: “إن هذا العفو يجعلنا نتعايش رغم الجراح، ونطوي مرارات الاقتتال لبناء الدولة”، وقال: “لو طلبنا أي دم بدم في ظل المشاكل الكثيرة التي تحدث الآن لما بقي في السودان شخص واحد”، وأثنى على والد القتيل عبد الله بلال لما يحمله من قيم إنسانية تشربها منذ نشأته. وقال: “ما فعله يترك أثراً إيجابياً وقيماً فاضلة للقضاء على العنف القبلي.
العادات السمحة
والي الخرطرم أيمن خالد نمر قال إن العفو من العم عبد الله دليل على تماسك المجتمع، مهما تطاولت محاربة عادات المجتمع السوداني السمحة، وما مارسته الإنقاذ طوال الثلاثين سنة من قتل المروءة، ومن وأد المواطنة والوطنية الصادقة. وقال: “ها هو والدنا عبد الله بلال يؤكد أن المجتمع السوداني ما زال في تماسك وسماحة وإقدام”، وأضاف أن ما عرف عن عبد الله بلال قبل العفو أنه ظل ينفق عبر تكيته في السراء والضراء للمحتاج وغير المحتاج، ولمن يأت به الدرب وللماشي والغاشي، وهو يبلغ أقصى درجات الإيمان بالإحسان بعفوه عن قاتل ابنه، وتابع: “نحن جئنا اليوم لنقف معه في هذا الفقد الجلل، وهذه الفضيلة والمكرمة التي لن تنقطع عن هذه الأرض الطيبة ما دام فيها مثل عبد الله، وهؤلاء السودانيون الذين يؤثرون في كل الأشياء، والذين يعفون لحقن الدماء بالعفو، مضحياً بدم ابنه وبكل مرارته كيلا يفقد الوطن شخصاً آخر ولا يتسع الفقد الاجتماعي الذي حدث بسبب الحروب والضغائن والفتن بين القبائل الذي أحدثته الإنقاذ”.
قيم الثورة
وتابع أن قيم الثورة الحقيقية في العفو، وفي التماسك والتواصل الاجتماعي، وفي الرحمة وفي الود، محيياً أهل المتوفى، وقال: “هذه بادرة باستمرار المكارم وفي فعل لم يسبقه عليه أحد”، متمنياً أن يمضي الناس في ذلك للمحافظة على وحدة المجتمع في هذه الولاية والسودان، وتابع: “وأن تكون القبيلة نبراساً للوحدة والتماسك، ومدخلاً للتوحد، وإثراء التعدد، ووحدة في التنوع”.
غرض الزيارة
وتقدم أحد قادة القبيلة أحمد يوسف أبوحريرة بالشكر لعضو مجلس السيادة ووالي الخرطوم لزيارتهما للعم عبد الله، مشيراً إلى أن هذه الزيارة تخدم غرضين تقديم واجب العزاء، وتثبيت الموقف الذي قام به والد القتيل الذي عفا عن قاتل ولده، بعد مرور ستة أيام فقط على مقتله، بالرغم من أن جرحه ما يزال حياً في فعل وصفه بالخرافي وغير المسبوق، وتابع: “ما في زول في التاريخ أخرج قلبه من ضلوعه”، مردفاً: “هذا غاية الكرم والإحسان الذي يتسم به العم عبد الله خاصة أن مبادراته بالعفو أمر غير موجود”، مثمناً ذلك الموقف الذي يخدم قضايا العفو، وحلّ كثير من المشكلات القبلية، بما يسهم في إعادة اللحمة الوطنية وهي رسالة لكل الناس في التضحية وبناء الوطن، لافتاً إلى أن الزيارة مثلت مصدراً للسعادة، بالرغم من أن الموقف ليس للفرح.
وفي صورة تشكل نوعاً من المواساة والفخر بما قدمه العم عبد الله من أروع الأمثال في الإحسان والعفو، ألقى عثمان محمد المبارك قصيدة تمجد صفات الحاج عبد الله بلال في مآثره وفضائله غير المسبوقة.