جعفر عباس : عن مخاطر نقود البلاستيك

سودافاكس ـ حدثتكم مؤخراً عن تلك العصابة متعددة الجنسيات المتخصصة في سرقة تفاصيل بطاقات الائتمان لشفط مئات الملايين من حسابات الناس من مختلف البلدان، فليس من العسير على من يتقن استخدام الكمبيوتر وتكنولوجيا المعلومات ابتكار حيل لاختراق حسابات الناس، خصوصا أولئك الذين يستخدمون الانترنت لعمليات دفع نقدي، كما أن أجهزة الصرف الآلي في الدول الغربية كثيرا ما تكون شراكا تصطاد بها العصابات تفاصيل بطاقات من يستخدمونها.

ثم وقبل أيام قليلة اكتشفت أن بطاقة الائتمان الخاصة بي والصادرة عن فيزا ضاعت مني، ولأن ذاكرتي غربال/ منخل، وتسرب معظم المعلومات التي تدخل فيها، فإنني لم أسارع باتهام أفراد عائلتي بالتسبب في إضاعتها، فخلال فترة الانحباس بسبب الكورونا كنا نطلب مواد تموينية وطعاما جاهزا بنظام التوصيل الى البيت من مختلف الأطراف ولتلك الغاية كان استخدام بطاقتي الائتمانية متاحا للجميع، ولم أجد في نفسي الشجاعة لاتهام أفراد الأسرة بإضاعة تلك البطاقة، رغم أن الكثير من البيوت تشهد معارك بسبب ضياع الأشياء، وما أن يضيع شيء حتى يتبادل الزوج والزوجة والعيال الاتهام بالإهمال وعدم وضع الأشياء في الأماكن المخصصة لها.
وقد أوقعني توزيع الاتهامات جزافا على أفراد عائلتي في حرج بالغ عدة مرات: مين اللي شال الكتاب من هنا؟ دا بيت غير طبيعي. أكيد مسكون!! مش ممكن تترك شيء في مكانه إلا واختفى.. وبعدها بيومين أجد الكتاب على مكتبي. المهم تكتمت على أمر ضياع بطاقة الائتمان، ولكنني اتصلت فورا بالبنك مطالبا بتعطيلها، وكانت المفاجأة أن شخصا ما استخدمها لمرة واحدة فقط لشراء أدوية قيمتها ما يعادل 30 دولارا، (والى يوم الناس هذا لا أعرف كيف ومن فعلها). وسألني البنك إن كنت أود تسجيل شكوى تنتهي بتعويضي ذلك المبلغ فقلت لهم: جات سليمة.. ومن عثر على البطاقة مارس لصوصية في حدها الأدنى إذ اكتفى باستخدامها لشراء أدوية وهي من ضروريات الحياة، ولو كان لصا محترفا، ولو لم يكن عنده بقية من ضمير لـ«خرب بيتي» بشراء بضائع غالية الثمن، واستنزف أرصدتي البنكية الافتراضية في سويسرا.

بين الحين والآخر يتصل بي البنك ليتغزل بمحاسني: بما أنك عميل مثالي وابن ناس ومن عائلة محافظة و«مش سهل» وتحتاج إلى تعاملات مالية كبيرة (أعلى هامان يا فرعون؟)، فقد رفعنا سقف الائتمان على بطاقاتك إلى 50 ألفاً.. عندنا كم أبو جعافر.. خليها مائة ألف، وفي كل مرة أقول لهم: شكر الله سعيكم وأنا شخص أعرف قدر نفسي وأريد أدنى سقف ائتمان ممكن. فكلما كان سقف الائتمان الخاص بك محدودا قلَّت خسائرك عند سرقة أو ضياع البطاقة، وسهل على البنك اكتشاف إساءة استخدامها لأن من يسرقها قد يشطح ويشتري بها بضائع تفوق سقفها الائتماني فيدرك البنك أن حامل البطاقة لا يعرف بأمر ذلك السقف، وبالتالي فهو ليس صاحبها الأصلي فيقوم بتعطيل المعاملة والاتصال بك للاستفسار عن البطاقة، وما إذا كنت قد استخدمتها في متجر معين (هذا بالطبع إذا كنت تتعامل مع بنك لا ينتمي الى العصور المظلمة.. ولدينا منها الكثير: افتح حسابا عندنا وادخل في سحب شهري لتفوز بمائة سندويتش بيرغر وبرميل آيسكريم).

وبعكس ما يتصور الكثيرون، فإن مخاطر استخدام بطاقات الائتمان في بلداننا قليلة، لأن المجرمين عندنا تعساء ولا يتورطون في جرائم سرقات تتطلب التكتيك والتخطيط.. لماذا «أغلّب حالي» وأسطو على أرقام البطاقات بينما بإمكاني خطف حقيبة يد من سيدة او جوال من يد ولد صغير؟ أو اقتحم بيتا وأسرق الكمبيوتر وماكينة الخياطة؟

على كل حال، ما زلت سيئ الظن بمعظم مبتكرات العصر الحديث، وأستخدم بطاقات الائتمان على أضيق نطاق وعندي بطاقة للشراء عبر الانترنت سقفها الائتماني 150 دولاراً فقط، استخدمها لشراء الكتب من موقع أمازون.. ولو ضاعت فإن من سيستخدمها زورا لن يتمكن من تجريدي من اكثر من 1500 دولار في عشرة أيام، إذا ظللت أنا غافلا طوال تلك المدة؛ وقدر أخف من قدر.

 

Exit mobile version