نعمة النسيان الطبيعي ضرورية لسلامة دماغك.. إليك 7 من فوائده

في عالم مُتخم بالمعلومات، تسوده ثقافة تضغط علينا لتعزيز مهاراتنا المعرفية، وتدريب أدمغتنا على الاحتفاظ بأكبر قدر من المعلومات؛ وتنظر إلى النسيان على أنه أمر مزعج وعملية سلبية لا تخدم أي هدف أو مقدمة لفقدان الذاكرة أو ألزهايمر؛ يُصبح من الضروري أن نكون قادرين على خفض الضوضاء في رؤوسنا، عبر تجاهل التفاصيل غير المفيدة، كي لا تؤثر على محاولاتنا للتعلم واكتساب الأفكار الجديدة. وفي هذه الحالة “لا يعتبر بعض النسيان الروتيني أو هفوات الذاكرة أمرا طبيعيا فحسب، ولكنه ضروري لعمل الدماغ السليم، بل لا يقل أهمية عن القدرة على التذكر”.

تلك هي خلاصة كتاب جديد بعنوان “النسيان: فوائد عدم التذكر”، من تأليف الدكتور سكوت سمول، مدير مركز أبحاث مرض ألزهايمر في جامعة كولومبيا الأميركية.

وهي الخلاصة التي أكدتها دراسة حديثة أجراها عالما الأعصاب توماس رايان من كلية ترينيتي في دبلن، وبول فرانكلاند من جامعة تورنتو؛ وخلصت إلى أن النسيان هو “آلية طبيعية وميزة مخفية في الدماغ، بدونها يُصبح من المستحيل ممارسة حياتنا بشكل طبيعي؛ كما أنه يساعد عقولنا للوصول إلى المعلومات الأكثر أهمية، عندما نتعرض لمحفزات فوق طاقتنا؛ فيحفظ ذاكرتنا من التلف بمرور الوقت”.

أدمغتنا تخبئ الذكريات ولا تضيعها

فالمعلومات المنسية لا تضيع، ولكن أحيانا يكون الوصول إليها صعبا؛ حيث يتم تخزينها في مجموعة من الخلايا العصبية تُسمى “إنغرام” (engram)، والتي تعمل باستمرار – وخاصة أثناء النوم- على فرز الذكريات التي يجب الاحتفاظ بها، وتلك التي يمكن نسيانها، “من أجل منحنا المرونة الكافية للتصرف بشكل أفضل، بدلا من محاولة استرجاع ذكريات قد لا تُفيد”.

يقول الدكتور رايان إن “الذكريات تظل موجودة ولا تُفقد أبدا، ولكن النسيان يحدث عندما يصعب تحفيز خلايا إنغرام؛ فتبدو ذكرياتنا كخزنة مُقفلة، لا يمكننا تذكر الرموز اللازمة لفتحها”.

فحتى أصحاب “ذاكرة السيرة الذاتية الفائقة” (HSAM) الذين يستطيعون تذكر الكثير من تجارب الحياة بتفاصيلها؛ قد لا يمكنهم تذكر أرقام الهواتف أو مكان المفاتيح.

ما سبق يتعلق بالنسيان “الطبيعي”، لكن الباحثَين يعتقدان أنه “في حالات مثل الإصابة بمرض ألزهايمر؛ يحدث انخفاض كبير في إمكانية الوصول إلى خلايا إنغرام، مما قد يتسبب في النسيان (المَرضي)”.

لماذا ننسى؟

يكشف لنا الدكتور مارك ليري أستاذ علم النفس بجامعة ديوك الأميركية عن 3 أسباب مهمة، هي:

إخفاق التخزين: فعندما تجد صعوبة في تذكر اسم شخص بعد دقائق قليلة من مقابلتك له، فهذا لا يُعد نسيانا؛ ولكن ما حدث أنك “لم تكن خزنت اسمه في ذاكرتك أصلا، لكي تتذكره مرة أخرى”؛ فإذا لم يتم تخزين المعلومات في الدماغ بشكل صحيح، “يُصبح استرجاعها من الذاكرة ضعيفا، أو ربما لا يتم تثبيتها على الإطلاق”.

التداخل: حيث يمكن للذكريات أن تتنافس وتتداخل مع بعضها البعض، وتعيق قدرتنا على استرداد المعلومات؛ خصوصا عندما يتشابه حدثان أو أكثر، أو عندما يتم تخزين معلومات جديدة في الدماغ، فتتداخل مع معلومات قديمة. كأن تستخدم كلمات مرور مختلفة لحساباتك، فتتداخل إحداها في الذاكرة مع كلمات أخرى، وتؤثر على قدرتك على استعادتها.

غياب الإشارات: فأحيانا لا يمكننا استرجاع الذكريات تلقائيا، بدون إشارات أو (أمارات) تكون قد حدثت ساعة تخزينها. فقد تشكل رؤية المنزل والشارع الذي شهد طفولتك فرصة قوية لتغمرك الذكريات، بمجرد توافر الإشارات التحفيزية؛ على الرغم من أنك لم تفكر في ذلك لسنوات عديدة.

فوائد النسيان الطبيعي

معظم الناس يحرصون على تقوية ذاكرتهم لأقصى حد، لكن الأبحاث الحديثة تشير إلى أن النسيان ضروري في عالم صاخب ونابض بالحياة ومعقد ومزعج أحيانا؛ لما يحققه من الفوائد التالية:

التفكير الإبداعي: حيث وجد الباحثون أن “النسيان قد يعزز القدرة على التفكير الإبداعي، من خلال عرقلة استرجاع المعلومات غير المفيدة، للسماح للمعلومات أو الأفكار الجديدة بالمرور”.

وبالتالي يساعدنا النسيان على تحديد الأولويات، واتخاذ القرارات بشكل أفضل، “عبر منحنا المرونة اللازمة لاستخلاص الأفكار، من بين تلال المعلومات المُخزنة”؛ بحسب الدكتور سمول.

التحرر من سجن الألم: فالنسيان يساعدنا في إدارة حياتنا المعقدة، “من خلال تشجيعنا على تجاوز معظم الأشياء غير السارة في حياتنا اليومية، ودمجنا في الواقع بشكل يجعلنا إيجابيين”؛ كما يقول البروفسور روبرت كرافت.

وفي المقابل، قد يُشكل عدم نسيان الأذى والاستياء البسيط والتجارب الصادمة، عبئا على حياتنا، ويجعلنا عالقين في أسر الألم.

التذكر الدقيق والانتقائي: فالاكتفاء باستعادة ذكرى واحدة، ونسيان الذكريات الأخرى؛ يعزز من قدرتنا على استبعاد ما هو غير مهم، “فتقليم الأحداث غير المهمة، يجعلنا أكثر قدرة على تذكر الأحداث المهمة”؛ وفق البروفسير كرافت.

تهدئة الدماغ المشتعل: فالنسيان يسمح لنا بنسيان غضب وآلام الماضي من خلال تخفيف أعراض اضطراب كرب ما بعد الصدمة، “التي تجعل الذكريات المؤلمة أو المرعبة مغروسة في العقل مثل الشظايا، مما يعيق التعافي الطبيعي للدماغ”، وفق الدكتور سمول.

عندما لا يفيد التذكر: يتساءل البروفيسور كرافت، قائلا “بماذا يفيدنا تذكر كلمة مرور قديمة لم نعد نستخدمها، أو إهانة صديق غير مقصودة، مثلا؟ بالتأكيد سيكون النسيان أفضل؛ فهو يساعدنا على المضي قدما نحو المستقبل، وترك الماضي وراءنا”.

التركيز: يخبرنا البروفيسور كرافت أننا لكي نتذكر الأفكار والصور المهمة، نحتاج أن ننسى بسرعة تلك غير المهمة؛ وهنا يأتي دور النسيان الذي يسمح لنا بالتركيز، عبر منع صور وأفكار الذاكرة المتطفلة التي تشتت انتباهنا؛ مثل: ما الذي سأعده للعشاء، أو ما المشهد المضحك من فيلم الليلة الماضية، وما شابه؛ من البقاء لفترة طويلة في الوعي.

الحماية: حيث يعتقد بعض الباحثين أن النسيان مرتبط بالأخلاق؛ فاستمرار الأفكار الخاطئة في الذهن، قد يؤدي إلى أفعال غير أخلاقية؛ وهنا يساعدنا النسيان للتخلص من هذا النوع من الأفكار.

الجزيرة


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.