الراهن الاقتصادي… سيناريوهات مخيفة ..!!
أقرت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي بوجود إشكالات تواجه بند الدعم في الموازنة، واعترف وكيل الوزارة عبدالله إبراهيم بتأثير تمويل عجز الموازنة بالاستدانة من الجهاز المصرفي على كل مؤشرات الاقتصاد السوداني كاشفاً عن زيادة الأجور بنسبة ٦٠٠٪ في عام ٢٠٢٠م، في ظل عدم وجود موارد كافية لتغطيتها، مما أدى للجوء الى الاستدانة من قبل البنك المركزي، مقراً خلال حلقة للنقاش والتشاور بعنوان الوضع الاقتصادي الراهن «امس « بان عجز الموازنة حالياً كبير، لان تعويضات العاملين تمثل ٣٠٪ من حجم الإيرادات، ودعم المحروقات يأتي بنحو ٣٠٪، كذلك دعم الولايات بحوالي ٣٠٪، مما يعني ان ٩٠٪ من حجم العجز يكون في ثلاثة محاور فقط.
مردفاً وتسبب ذلك في ارتفاع معدلات التضخم لثلاثة أرقام ( ولاتزال هنالك مشكلة في كيفية تمويل العجز)، مبيناً ان سياسة الاستدانة من الجهاز المصرفي تكون ايجابية، حال تم صرفها في مشروعات انتاجية، وتبرز سلبيتها عند استغلالها في الصرف الجاري،لافتاً الى ان المالية تتحمل ٩٦٪ من تكلفة تشغيل الكهرباء، مما أثر على موازنة الدولة، في عدم الايفاء بالصرف على قطاعات مهمة أخرى كالصحة والتعليم. واكد ان قطوعات الكهرباء في العام الماضي بسبب التقصير في دفع المبالغ المطلوبة لتخليص بواخر الفيرنس، مما نتج عنه عدم استقرار التيار الكهربائي بالبلاد، وزاد هذا الامر دفع للبحث عن إيرادات للكهرباء، وزيادة تعرفة الكهرباء، ورغم ذلك لا تزال المالية تتحمل٦٩٪ لدعم الوقود، بما يعادل حوالي ٧٣٥ مليار جنيه في الموازنة للوقود. وتوقع زيادتها بسبب احداث أوكرانيا، خاصة ان سعر برميل الوقود اليوم ١١٠ دولارات.
وجزم الوكيل بان هنالك عوامل كثيرة، تسببت في حدوث القفزة العالية للدولار في السوق السوداء، رغم ان توحيد سعره خلال فبراير ٢٠٢١م، الا ان السوق السوداءلا تزال مستمرة.
ودعا الى أهمية انشاء مفوضية قومية للتخطيط الاقتصادي، تكون المسؤول الأول، ومن ابرز مهامها التحكم في صرف اموال العون الخارجي،واستدرك قائلاً « إن الوزارة ظلت تضع برامج جيدة، الا انها تصطدم في التنفيذ على الواقع « مشيراً الى وجود برنامج مع صندوق النقد الدولي يستمر لفترة ٣٩ شهراً، وبموجبه تم إعفاء جزء من الديون وحال إنجازه بصورة جيدة، يحصل السودان، على إلغاء جزء كبير من الديون.
واجمل وكيل وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، عبدالله ابراهيم، مشكلات الاقتصاد في عدم زيادة الإنتاج والإنتاجية، داعياًلانتاج سلع ذات ميزة نسبية ولديها سوق عالمية، وربط نجاح مشروع الجزيرة، لوجود سوق للاقطان، كذلك غياب الإنتاج من أجل الصادر، وهي تحتاج تهيئة البنى التحتية ووسائل التخزين، وزاد اهم شيء في الصادر الاستدامة، لان المستورد محكوم بمواقيت، وقال إن هنالك ازدواجية بين القطاعين الاقتصادي التقليدي والحديث، وان القطاع الحديث يجد الاهتمام فيما يتعلق بالإجراءات والسياسات والتمويل، ومع ذلك للأسف يعمل بالخسارة، بينما الاقتصاد التقليدي هو الداعم الاقتصادي حالياً، لان التكلفة فيه صفر، وتابع ان قطاع «منسي ومهمل»، رغم ان معظم الصادرات تأتي من التقليدي واقر ابراهيم، بوجود مشكلة في الشمول المالي، ليس بسبب وجود مشكلة في البنوك او الاتصالات، انما نتيجة للتعامل مع التكنولوجيا، واضاف : احدى المشاكل توسع القطاع غير الرسمي، الذي صار له مداخيل عالية عكس القطاع المنظم، وبموجبه يقوم جزء يسير بسداد الضرائب، كذلك توجد مشكلة في رسم السياسات، رغم مساعي المالية لاشراك اكبر عدد من القطاعات لدى وضع السياسات، حول سياسات الإيرادات والانفاق، الا انه عند التنفيذ تضع سياسة» منفردة»، مستدلاً بما قام به بنك السودان في عدم إشراك منتجي الذهب في سياساته، وفي حال اشراكهم منذ البداية، لتفادى المشكلة الماثلة حالياً.
وذكر، ان وزارة المالية مسؤولة عن إدارة الاقتصاد القومي، الا انها فقدت ذلك لاسباب عدة، وصارت ليس لديها الهيمنة على إدارة الاقتصاد، الى جانب عدم قدرتها على الولاية على المال العام، مما جعلها تفقد القدرة في السيطرة على الاقتصاد، لذلك نجد هنالك مشكلة كبيرة في إدارة الاقتصاد، مشدداً على قيام وزارة المالية بدورها.
خارطة طريق ..
من جانبه أشار الأمين العام للمركز الافريقي لدراسات الحوكمة والسلام والتحول محمود زين العابدين الى ان الجلسه الافتتاحية هدفت الى وضع خارطة طريق للخروج من الازمة الراهنة ومناقشة التحديات وافاق النجاح، وقال إن المركز نظم عدداً من الحلقات المتتالية في اطار إيجاد الحلول المطلوبة لعدة قضايا والمساهمة في وضع رؤى تفيد في وضع خارطة طريق واضحة المسارات .
وفي السياق ذاته اقرت المديرة العامة للسياسات والتخطيط الاقتصادي بوزارة المالية فاتن محمد فضل باختلال التوازن العام في الميزان الخارجي وارتفاع حجم الاستيراد مما يحدث عجزاً في ميزان المدفوعات. ونوهت الى عدم توازن العرض للنقود وتشوهات سعر الصرف ، واشارت ان حلقه النقاش قامت استناداً على الحوار والنقاش العلمي للخروج من الازمه الراهنة ومناقشةالتحديات ورصد الاتجاهات السياسةالرشيدة لتحقيق التنميةالمستدامة .
فيما أكد العضو المنتدب لشركة المورد للاستشارات د. انس حسن حامد اهمية الدراسات الاقتصادية والاستراتيجية لإحداث نمو اقتصادي مرتفع ومستدام للسودان ،مشيراًلاهمية استصحاب الوضع الاقتصادي الراهن. وصولاً الى الوضع المنشود وكيفية الخروج الآمن واعترف انس في ورقته بأن الوضع الراهن يتسم بضعف السياسات ونسبة بطالة عالية في وسط الشباب وانعدام سوق العمل بجانب تدهور العملةوعدم استقرارها،ولفت الى فشل السودان ومنذ السبعينات في تحقيق استقرار، منادياً بسياسات محكمة لتحقيق الاستقرار واصلاحات مالية ونقدية، واردف ان معدلات التضخم العالية تعيق الادخار والاستثمار وتحول دون عجلة النمو مما أدى إلى تحول النشاط الاقتصادي الى المضاربات وتسبب أيضاً معدلات التضخم العالية في توزيع عشوائي للثروة .
وقال انس ان تحقيق معدلات نمو عالية ومستمرة لفترة طويلة وفقاًلادبيات التنمية ان الدول التي نجحت في تقليل نسب الفقر وتجاوز الضعف الاقتصادي هي التي نجحت في وضع استراتيجية عادلة لتحقيق النمو الاقتصادي العالي و المستمر وأضاف ماعاد لدينا وقت لاضاعته ولا مجال لارتكاب أخطاء فالسودان يحتاج لنمط تفكير جديد وإن تحقيق معدلات نمو عالية تفوق ٧ ٪يتطلب استراتيجية شاملة تتضمن السياسات التي تكفل استقرار الاقتصاد الكلى والجزئي ومستويات الاستثمار وسياسة التجارة الخارجية ونقل التكنولوجيا والنظام الإلكتروني والابتكار والتوزيع المنصف للدخل لتحقيق النمو الشامل التنمية الحضرية .
عجز كبير
وأقر انس بأن الحكومة تعاني من عجز كبير ومستمر في ميزانية الدولة وضعف الإيرادات بسبب ضعف القدرة الضريبية للدولة إذ تشكل الضرائب حوالي ٦٪ من إجمالي الناتج المحلي ووصف ضعف القدرة الضريبية بالقصور الكبير ولتلافي هذا القصور لابد من نظام ضريبي فعال وعادل وهي مهام اساسية لأي حكومة راشدة، بجانب معالجة ضعف الإنفاق العام للدولة.
اختلال
ودعا انس الى اهمية دراسة العوامل المختلفة التي أدت الى زيادة الاستهلاك القومي وعدم تناسق الإنفاق العام واختلال قطاعات النمو، بالإضافة إلى عدم التناسب في كمية النمو والعرض الحقيقي للسلع والخدمات،وأشار إلى ضرورة الخروج والتعافي من هذه الاختلالات ،وعزا غياب السياسة النقدية الى هيمنة السياسة المالية والتي حولت بنك السودان المركزي الى ممول وطالب بمنع البنك المركزي من تمويل عجز الموازنة بطباعة النقود، ووصفه بممارسة سمة اقتصادية ضارة، وزاد قائلاً لعل سهولة تمويل عجز الموازنة بطباعة النقود هي التي أدت الى تقاعس الدولة عن تقوية قوتها الضريبية واعتبرها سياسة غير اخلاقية.
تشديد الرقابة..
وأشار الى ان كفاءة الأسواق والسعر المبنى وتخصيص الموارد والمنافسة والتغيير الهيكلي وكفاءة الأسواق بكل انواعها مالية وسلع وخدمات مهمة للنمو الاقتصادي المستدام وعلى الحكومة بمستوياتها المختلفة ان تشدد الرقابة والتنظيم ، وشدد على أن الاستثمار العام والبنية التحتية المتطورة شرط لازم لتحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفعة ومستدامة لتعزيز تنافسية الاقتصاد السوداني بالاستثمار الخاص والمحلي والأجنبي المباشر،وكشف عن تدني الادخار في السودان بسبب معدلات التضخم العالية والمستمرة ولذلك تهرب المدخرات الخاصة الى خارج البلاد الى دول مثل مصر و الإمارات وإثيوبيا وأضاف انس في ورقته أن رأس المال البشري يتضمن التعليم والرعاية الصحية وسوق العمل والذي نواجه فيه اشكالية كبيرة،منادياً بضرورة إصلاح سوق العمل وجعله مرناً لتحقيق معدلات نمو مرتفعة ومستمرة.
سياسه التجارة الخارجية
اعتبر انس ان سياسة التجارة الخارجية احد اهم العناصر المهمة وجزم باهميتها وقال حال أخطأنا فيها سوف نفشل في تحقيق النمو المطلوب،ورأى ان السودان حال وضع سياسة نمو يجب أن تبنى على التصدير مما يعني توجيه الموارد نحو القطاعات ذات الميزة النسبية في الإنتاج مما يؤدي إلى زيادة الإنتاج والانتاجية ورفع الكفاءة في استغلال الموارد والمنافسة العالية لتحقيق جودة المنتج،وقطع بأن الاستثمار في إحلال الواردات مكلف ويتم في اطار الحماية مثل الرسوم الجمركية المرتفعة وهذا لا يحقق كفاءة في الإنتاج تسهم في استدامة النمو .
وأقر انس بمواجهة الاقتصاد مشكلة كبيرة في سعر الصرف حيث يتم الهروب من الجنيه الى الدولار كمخزن للقيمة ووحدة حساب، ولفت الى أن سعر الدولار في السوق الموازية لصبح مؤشراً لحالة الاقتصاد ،وقال إن اي دولة تريد الحفاظ على النمو المستدام لابد لها من مراكز البحوث الزراعية والبيطرية والطاقة والمعلومات والاتصال وتطبيقها في مجالات الإنتاج والادارة، فضلاً عن ان استدامة النمو تعتمد على نوعية النمو على المدى الطويل وقال دور الحكومة محوري واساسي في تحقيق التنمية واردف إن حكومة السودان هي المسؤول الرئيس عن اخفاق التنميةفي السودان ،منوهاً الى هيمنة القطاع العام على الاقتصاد واضحت الحكومة مسؤولة عن توفير مشتقات النفط والقمح والسكر والكهرباء والماءوغيرها من السلع والخدمات، مبيناً أن الحكومة دورها تنظيمي فقط ويجب أن تعاون الناس وليس التحكم في حياتهم جراء تحملها مسؤوليات كبيرة مما يجبرها على التنازل وأشار الى انه يمكن تحقيق خطوات كبيرة بوضع أسس وسياسات محكمة واستراتيجية للنمو الاقتصادي ودعا الى انشاء مفوضية قومية للتخطيط الاقتصادي تهدف الى حشد الموارد البشرية والمالية واستنهاضها لإحداث أقصى نمو وتجنب هدر الموارد وتحديد أولويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية .
الصدمة ..
واشار عميد اقتصاد جامعة ام درمان الإسلامية السابق، بروفسير محمد خير حسن ، لبناء احتياطي من النقد الاجنبي والاعفاءات الإيجابية، ثم الاختراق في ملف الاعفاءات من الديون، بجانب الإنتاج، بالمثلث الجهنمي قاطعاً في حال حدوث اختراق في هذا المثلث من شأنه تطور القطاع الاقتصادي .
وطالب محمد خير، بضرورة توفير الاستقرار السياسي والأمني، مبيناً ان الاستقرار مهم لجذب الاستثمارات الاجنبية والوطنية. واعتبر الاتفاق الحكومي (كارثة) رافضاً التمويل من البنك المركزي، مستحسناً في الوقت ذاته ان يتم توجيه التمويل للإنتاج والبرامج التنموية، منتقداً الحكومة لاتخاذها الحلول السهلة برفع الدعم وزيادة الضرائب وعدم اتخاذها الحلول الصعبة.
وقال» انا مؤمن بسياسة الصدمة» مطالباً بضرورة مقاربة سعر الصرف بين السوق الموازيةوالتأشيري، لضمان جذب مدخرات العاملين بالخارج،مطالباً بأهمية تبني سياسات لبناء احتياطي من النقد الاجنبي ، وتابع ( نحن نحلم وليست لنا بنيات لتحقيق الحلم) ، -على حد تعبيره- .
وطالب محمد خير بإغلاق تام للاستيراد باستثناء السلع الاستراتيجية لإحداث الاستقرار كما حدث في كثير من الدول، منوهاً لهيمنة السياسة المالية على النقديةبحقيقة غاية الحساسية داعياً لاستغلالية بنك السودان، مشيراًلاهمية سياسات تدعم الإنتاجية مشدداً على ضرورة احكام العلاقة بين بنك السودان ووزارة المالية، مؤكداً أن اكبر معوق لتمويل الإنتاجية ان هامش الربح٢٤%، واقر محمد خير بان أزمة السودان ( أخلاقية وطنية وإهدار للوقت)، ودعا لإنشاء مفوضية لضبط التخطيط.
أنشطة هامشية ..
دقت موظفة بادارة السياسات بوزارة المالية عائشة الهادي، ناقوس الخطر نحو الوضع الاقتصادي الراهن، وهاجمت الأنشطة غير المنظمة (الهامشية )، لانها غير منتجة وتعاني من «فوضى عارمة، ويتم فيها تداول اموال ضخمة، واعتبرتها مهدداً وتدمر الاقتصاد الوطني، وقالت ان القطاعات الهامشية أثرت مباشرة على الاقتصاد الكلي، واضافت : القوانين والتشريعات المختصة بهذا الشأن» ضعيفة»، لعدم وجود قانون رادع.
الخرطوم : هنادي النور
المصدر: صحيفة الانتباهة