سودافاكس ـ تمر على الانسان أحيانا لحظات عصيبة يكابدها نتيجة وقوفه على واقعة فظيعة تنغص عليه حياته، لا يستطيع منها فكاكا أو يغادرها الى غيرها، ولا ينفع معها شيء غير أن تستفتي ضميرك، وتعمل بما يشير به ويمليه عليك، فتنسى وتتجاوز كل الاعتبارات الأخرى، سياسية كانت، قانونية، ثقافية أو اجتماعية، طالما أحسست أن صوت الضمير يجب أن يبقى هو الأعلى، وليحدث بعدها ما يحدث، طالما صرت مرتاح الضمير..
وأمامنا اليوم قضية يستوجب الضمير الإنساني والوطني أن ترفع للرأي العام ولكل احرار العالم ومنظماته الحقوقية والانسانية، وأن يعرفها كل السودانيين بكل فسيفسائهم وكل شرائحهم، من مثقفيه ونخبه حتى درجة المواطنين العاديين وغمارهم من أمثالنا، وفحوى هذه القضية المؤرقة والمحزنة أوردته الزميلة الصحافية الحصيفة سلمى عبد العزيز ونشرته هذه الصحيفة (الجريدة) أمس، تقول سلمى ان والدة محمد الفاتح عصام، أحد المتهمين بقتل العميد شرطة علي بريمة حماد، قالت لها عقب زيارتها لابنها ظهر الأحد في سجن كوبر، إن إبنها البالغ من العمر ٢٠ عاما ليس على ما يرام، وقالت السيدة نجوى سعد موسى في تصريح لـ(الجريدة)، إن ابنها محمد الفاتح طوال فترة جلوسه معها كان يصرخ ويردد إنه لم يقتل أحد ولم ير العميد شرطة علي بريمة بعينه إطلاقا.
وتابعت : كان يصرخ قائلا أنا ما قتلته، وأنا ما بعرفوا ويطالب بإخراجه من السجن، وشددت على ان صحة ابنها النفسية تدهورت كثيرا عن الفترة الماضية، ومضت قائلة سمحوا لي بزيارته سابقا مرتين، لكن لاحظت هذه المرة ان ابني يتحدث كثيرا، وجميع جسمه يرتجف خوفا، ولم يقل أي شئ، سوى أنا ما قتلته، أنا ماشفته، مشيرة الى ان قوة أمنية اقتادت ابنها من المسجد في طريق عودته الى المنزل والصقت به تهمة قتل العميد، واضافت ابني كان في طريقه الى المنزل وركض ناحية المسجد عندما شاهد قوة أمنية تلاحق مجموعة وتم اقتياده وضربه.
ولفتت الى انه كشف لها عن تعرضه للتعذيب اثناء احتجازه لانتزاع اعتراف بارتكابه الجريمة، لكنه أصر على انه لم يلتق بالعميد مطلقا ولا يعرفه ولم يرتكب الجريمة ولو تم شنقه. وقالت السيدة نضال يعقوب والدة المتهم الآخر محمد آدم الشهير ب(توباك) والذي تعرض للتعذيب هو أيضا، ان محمد الفاتح بات يعاني من اضطرابات نفسية نتيجة تكرار تعريضه للصعق الكهربائي مستندا على ألواح من الثلج..
ان هذه القضية المفجعة تكشف الى أي مدى تورطت اجهزة الانقلاب الامنية في ممارسة التعذيب الجسدي والنفسي منذ لحظة الاعتقال، فالاعتقال لا يتم بأن يأتي الشرطي موجهًا لك التهمة بموجب ورقة قانونية تسمح باعتقالك، كما أنه لا يتلو عليك حقوقك مثل من حقك التزام الصمت وتوكيل محامي وما إلى ذلك، بل على العكس لحظة الاعتقال هي لحظة تجريدك من كافة الحقوق القانونية والإنسانية، فيبدؤون في اذلالك بضربك بطريقة مهينة وبوحشية وبشكل عبثي، فالضرب يمكن ان يكون على الرأس وكامل الجسد بالايدي والارجل والعصي وأعقاب البنادق، تتلوها مرحلة التعذيب بمختلف الاساليب ما كان منها ذا طبيعة جسدية مثل الضرب والصدمات الكهربائية، وما كان ذا طبيعة نفسية مثل الاغتصاب أوالحرمان من النوم أو الحبس الانفرادي لفترات طويلة.
الى آخر هذه الاساليب القمعية التي يجيدها الزبانية والجلادون، وكل هذه الاساليب الوحشية اللا اخلاقية يجرمها القانون الدولي ولا يرضاها خلق سوي ولا دين..