واشنطن تبحث عن “السراب” في فنزويلا.. هل يساعد استقطاب كاراكاس في حل أزمة النفط العالمية؟
سودافاكس /
كان لقرار الرياض تجاه إنتاج النفط وسط الحرب الروسية الأوكرانية، تَبِعات تاريخية؛ فتعهد المملكة بالوفاء بالتزاماتها مع دول” أوبك بلس”؛ لم يكن تحركًا هينًا؛ إذ صدم واشنطن وجعلها تلجأ لاستقطاب فنزويلا، أحد الأعداء القدامى لواشنطن في أمريكا اللاتينية.
وضع فنزويلا الاقتصادي
ضربت فنزويلا مثلًا اقتصاديًّا سلبيًّا؛ إذ شهدت تضخمًا جامحًا لسنوات؛ إذ يسجل البوليفار الفنزويلي انخفاضًا وتناقصًا في القيمة الشرائية منذ 2017، بشكل متسارع لم يسبق لأي عملة أن شهدته.
وفي بداية الأزمة عام 2017، سجل التضخم الشهري ارتفاعًا؛ إذ قُدّر بـ56.7٪، والتضخم السنوي 862.6٪؛ وفقًا للمصرف المركزي الفنزويلي.
وذكرت دراسة أعدها المجلس الوطني، المعروف بتبعيته للمعارضة الفنزويلية، أن نسبة التضخم السنوي وصلت إلى 1.300.000% بحلول نوفمبر 2018؛ وفق ما نشرته هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.
وسجلت كاراكاس في العام الماضي 2021، تضخمًا تراكميًّا بنسبة 686.4% بحسب المصرف المركزي؛ مما يعني خروج البلاد من مرحلة التضخم الجامح.
وفي يناير الماضي، أعلن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، في رسالته السنوية إلى الأمة، انتهاء فترة التضخم الجامح، التي استمرت أربعة أعوام.
وقال “مادورو” إن هناك نموًّا سنويًّا للعام 2021 يُقَدر بأكثر من 4%؛ لافتًا إلى نمو بلغت نسبته 7% في الربع الثالث من العام ذاته.
وأنهى حديثه قائلًا: إن 2022 ستكون سنة الانطلاق؛ مؤكدًا التوسع في الاستثمار بالبلاد رغم الحرب الاقتصادية الأمريكية التي تستهدف كاراكاس.
ورغم الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي ضربت كاراكاس؛ إلا أنها ما زالت تملك قوة “نفطية” تمثل مطمعًا أمريكيًّا؛ إذ تُقَدر احتياطات فنزويلا بأكثر من 303 مليارات برميل من النفط؛ وهو ما يمثل نحو 18% من حجم الاحتياطي العالمي.
العقوبة النفطية
وبحسب موقع “شير أمريكا” التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، تفرض واشنطن عقوبات تستهدف الأشخاص والشركات التجارية والكيانات النفطية المرتبطة بنظام “مادورو”، داخل البلاد وخارجها.
وكان من أهم العقوبات؛ حظر بيع النفط الفنزويلي، بقرار أمريكي بدءًا من 28 أبريل 2019، في خطوة للضغط على الرئيس مادورو للخروج من السلطة.
واتخذت واشنطن هذا الإجراء، في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب؛ للإطاحة بحكومة مادورو لصالح معارضه خوان جوايدو.
واشنطن تراجع نفسها
للحرب حسابات أخرى؛ إذ تخشى واشنطن الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا، التي وضعت منذ أسابيع قدمًا في أوكرانيا على عتبة أوروبا (الحليف الأهم للولايات المتحدة)، فاختارت الحرب الاقتصادية للمواجهة؛ إذ تخطط لحظر بيع النفط الروسي، للضغط على موسكو، وظنت الولايات المتحدة أن بإمكانها إدارة سوق النفط بما يخدم مصالحها؛ إلا أن دول “أوبك بلس” بقيادة الرياض؛ كان لها رأي آخر لم يلقَ استحسان الغرب.
المملكة أكدت منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية حرصها على استقرار وتوازن أسواق البترول والتزامها باتفاق (أوبك بلس)، الذي يقضي بضخ زيادة طفيفة في الإنتاج بواقع 400 ألف برميل يوميًّا بداية مارس الجاري، وهي نفس الكمية التي كانت في الأشهر السابقة.
قرار المملكة المستقل دَفَع واشنطن للبحث عن بديل يعوض النفط الروسي حتى لا يقع العالم بأكمله في ورطة طاقة تعطل كل الخدمات؛ فلم تجد إلا خصمها اللاتيني في كاراكاس، فبدأت في التخطيط لإبرام الصفقة.
خطوة نحو كاراكاس
تحركت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن نحور كاراكاس؛ إذ أفصحت عن نوايا لتخفيف الضغط الاقتصادي على كاراكاس، عبر تصريحات مسؤول من وزارة الخارجية الأمريكية، الذي قال إن تلك الخطوة ستتوقف على تقدم المحادثات المقبلة المقررة بين الرئيس نيكولاس مادورو والمعارضة.
وتأتي الخطوة رغم عدم اعتراف واشنطن بشرعية “مادورو”؛ إذ قطعت العلاقات الدبلوماسية مع حكومته في عام 2019 واعترفت بزعيم المعارضة خوان جوايدو زعيمًا شرعيًّا لفنزويلا.
التحرك الأمريكي، في ظاهره يبدو أنه ساعٍ نحو المساعدة في إرساء قيم الديمقراطية في الدولة اللاتينية؛ لكن الحقيقة هي محاولة البحث عن طوق نجاة من أزمة نفط عالمية محتملة؛ فالبترول الفنزويلي سيكون العِوَض المناسب عن مثيله الروسي الذي تنوي واشنطن حظره.
واستكمالًا للمشهد، ربط المسؤول الأمريكي السماح لفنزويلا زيادة صادرات النفط إلى الولايات المتحدة، في ظل أزمة نفطية قد تعصف بأسواق الطاقة، بإحراز تقدم فيما يتعلق باستعادة الحكم الديمقراطي في البلاد.
من جهتها أرادت كاراكاس -الغارقة في أزمتها الاقتصادية- اغتنام الفرصة الأمريكية، فبادرت بإطلاق سراح أمريكييْن اثنين محتجزيْن لديها؛ لإظهار النية الحسنة للولايات المتحدة، بعد أول محادثات دبلوماسية بين البلدين منذ ما لا يقل عن ثلاث سنوات.
تسويق النفط الفنزويلي
واشنطن لم تنتظر طويلًا حتى تظهر نواياها الحقيقية؛ بل واستعدادها الآنيّ في بدء استغلال النفط الفنزويلي؛ إذ أفادت مصادر مطلعة -بحسب وكالة الأنباء الألمانية- بأن شركة “شيفرون” النفطية الأمريكية، تستعد لإدارة مشاريعها البترولية المشتركة في فنزويلا.
وكخطوة أولى لاستعادة الإنتاج النفطي والصادرات، طالبت الشركة الحكومة الأمريكية الموافقة على رخصة شاملة لمشاريعها في فنزويلا.
جدوى النفط الفنزويلي
الخطوات الأمريكية المتسارعة تستوجب الإجابة على سؤال هام: هل يستطيع النفط الفنزويلي تعويض نظيره الروسي؟ أم أن الخطة مجرد حلم أمريكي ستبدده صدمات الحرب الروسية الأوكرانية.
يجيب عن السؤال إيغور هيرنانديز، المتخصص في قطاع الطاقة الفنزويلي في معهد بيكر بجامعة رايس في هيوستن، الذي قال في تصريحات لـ”فرانس 24″: إن الأمر نظريًّا قد يكون معقولًا؛ إذ إن واشنطن استوردت نحو 650 ألف برميل من النفط الروسي يوميًّا، وهو ما يقارب ما تستورده من فنزويلا قبل فرض العقوبات عام 2019.
أما فعليًّا فيقول “هيرنانديز”: إن قدرة كاراكاس على الاستجابة للطلب المتزايد على النفط ستكون محدودة وغير سريعة؛ مبررًا ذلك بأن العقوبات الأمريكية ضد قطاع النفط الفنزويلي -علاوة على الأزمة الاقتصادية- أسفرت عن تهالك البنية التحتية للبلاد.
وأوضح أن الحل أمام واشنطن هو المساعدة في إعادة بناء قطاع النفط الفنزويلي، واصفًا إياها بأنها مغامرة محفوفة بالمخاطر السياسية لـ”بايدن”؛ إذ لا يلقى الرئيس الفنزويلي مادورو ثقة في الولايات المتحدة؛ سواء لدى الجمهوريين أو معظم الديموقراطيين.
تكلفة باهظة
تستخدم واشنطن المعارضة الفنزويلية، منذ 2019، لفرض عقوبات على نظام مادورو، لكن هذه المرة أدرك الفصيل السياسي المناهض للنظام القائم بكاراكاس، أن الديمقراطية مجرد ورقة أمريكا لتطويق الدولة اللاتينية، التي يحكمها صديق مقرب من روسيا؛ إذ قال ثلاثة أشخاص شاركوا في محادثات رفيعة المستوى بين الولايات المتحدة وفنزويلا: إن المعارضة تضغط على واشنطن لعدم تقديم أي تنازلات سياسية مقابل النفط؛ مما يضيف عقبات جديدة أمام شركات النفط التي تأمل في استئناف العمليات؛ بحسب “فوكس نيوز”.
وحث السيناتور الديمقراطي بوب مينينديز، الرئيس بايدن على عدم بث الروح فيما أسماه “عهد مادورو للتعذيب والقتل” من خلال تخفيف العقوبات المفروضة على النفط.
وقال مصدر في المناقشات الأمريكية الفنزويلية: إن إدارة بايدن أدركت أن اللعب بالبراميل الفنزويلية تكلفته باهظة.
روسيا تتحرك
محاولات واشنطن الحثيثة لم تُثنِ “مادورو” عن التواصل مع روسيا؛ إذ إن موسكو كانت تراقب الوضع لتتدخل بدعوة إلى الرئيس الفنزويلي لزيارة رسمية.
وأعلن سفير روسيا لدى كاراكاس، سيرغي ميليك باغداساروف، عن تلقي الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، دعوة لزيارة رسمية إلى روسيا؛ بحسب “روسيا اليوم”.
ويتلخص الموقف اليوم، في أن واشنطن متخبطة وتتأرجح بين الشرق والغرب، في محاولة لحظر النفط الروسي، وبعد أن فشلت في الضغط على المملكة التي تقود قطاع النفط بالعالم، ظهرت في موقف بائس وهي تبحث عن السراب في فنزويلا؛ حيث يوجد نظام عانى من الضغط الأمريكي لسنوات؛ لتجني ما زرعته على مدى عقود.
وفق ما أوردت سبق الالكترونية