الطاهر ساتي : عقبات وحماقات..!!

: يوم الأحد الفائت، مع تدشين حصاد القمح، يتعهد والي الشمالية الباقر أحمد علي بتذليل الصعاب وتسهيل الاستثمار بالولاية، وكشف الباقر عن وجود خارطة جاهزة للاستثمار، وأعلن عن توحيد نافذة للاستثمار حتى لا تطيل الإجراءات.. لم يتحدث الباقر عن أكبر عقبات الاستثمار، ليس بالشمالية فحسب، بل بالسودان، وهما عقبتا الاضطراب السياسي ثم الأرض.. وعقبة الاضطراب السياسي – عاجلاً أو آجلاً – قد تجد حلاً، ولكن عقبة الأرض هي الكبرى..!!

:: فالأرض في بلادنا ليست ملكاً للدولة، كما تنص دساتير الدول العالم، بل تملكها فئات من المجتمع باسم (الأهالي).. سطوة القبائل والمجتمعات أكبر معيقات الاستثمار.. لقد طورت الدول علاقة الإنسان بالأرض، ثم نظمت العلاقة بالقوانين التي لا تظلم المجتمعات ولا تعطل الاستثمارات.. ولكن نحن في السودان، منذ الاستقلال وإلى يوم طرد الراجحي، لم نفكر في تطوير علاقة الإنسان بالأرض، بحيث تكون الأرض للدولة ومصالح شعبها، وليست للقبائل بلا أي إنتاج أو جدوى..!!

:: بالشمالية طردوا الراجحي رغم أن مشروعه (وقف لوجه الله)، ورغم أنه ورد كل إنتاج الموسم في مخزون البلد الاستراتيجي، ورغم أنه حقق أعلى إنتاجية في العقود الأخيرة .. نعم، حرموه مياه النيل ثم شتموه وطردوه، ولم يمهلوه حتى ينفذ خطنه التي كادت تنتج (280.000 طن)، خلال ثلاث سنوات فقط لا غير.. وكل هذا حدث باسم (الأهالي).. وعليه، ما لم تتجاوز علاقة المجتمعات بالأرض هذه العلاقة المتخلفة، فلن تهنأ البلاد بالاستثمار حتى ولو استقبلت كل شركات العالم..!!

:: ثم النافذة الواحدة التي تحدث عنها والي الشمالية، فهي مهمة للغاية.. وهي أحدث النُّظم الإدارية المتبعة (عالمياً)، ما عدا في بلادنا التي تُدار فيها الأمور بالرشاوي و(زولي وزولك).. فالهدف من نظام النافذة الواحدة هو اختصار الوقت والجهد – لرجال الأعمال.. أغلى ما لرجال الأعمال ليس فقط أموالهم، بل أوقاتهم أيضاً.. ونظام النافذة الواحدة لتوفير أوقاتهم (الغالية جداً)..!!

:: ثم أين الخارطة الاستثمارية، وهذه غير جاهزة إلا بولايتي الشمالية والبحر الأحمر.. على السلطات المركزية والولائية إعداد الخارطة الاستثمارية، وذلك بإجراء الدراسات، بحيث هنا تصلح الزراعة، وهنا الصناعة وهنا السياحة و.. و.. هكذا، بحيث تكون كل المشاريع جاهزة للمستثمر.. فالخارطة الاستثمارية الراسخة في بلادنا هي أن تصدق السلطات للمستثمر بأرض المشروع، لتطارده سلطات أخرى أو الأهالي بالمحاكم والشتائم حتى يهرب بجلده، كما فعل الراجحي وآخرون..!!

:: ثم أن رأس المال جبان، وبحاجة إلى ملاذ آمن، ومع ذلك أرهبوه و شردّوه.. نعم، ليس هناك أبشع ترهيباً مما ارتكب باسم العدالة في حق المستثمرين، وهو التشهير بهم، وحظر حساباتهم المصرفية وحظرهم من السفر، ليس بالأحكام القضائية، ولكن بواسطة (لجنة سياسية).. كان عليهم أن يتعاملوا مع الساسة باللجان السياسية، ولكن التعامل مع المستثمرين كان يجب أن يتم بدولة المؤسسات التي أهم أركانها (المحاكم)، وليست اللجان السياسية.. نصحناهم كثيراً، ولم يستبينوا النصح حتى فقدوا السلطة وشردوا المستثمرين.. حالهم كالأحمق الذي أخصى نفسه، لينتقم من زوجته..!!

 

Exit mobile version