عبدالناصر عبدالرحمن يكتب: ولكم في الإنقاذ مثالاً

سودافاكس / لا يوجد أي تخوف يمكن أن ينتاب مجتمعا من المجتمعات طالما ظل هذا المجتمع لا يحاول أن يلعب دور النعامة تجاه المصالح الخاصة بمختلف الفئات الإجتماعية وإن العبء الأكبر للأزمات الوطنية يقع على عاتق الجماعة الحاكمة التي تقاتل بحماقة و غباء ضد مصالح الجماعات الأخرى ، هذا الأمر هو الزناد الذي منه تقدح شرارة تفجير العنف في المجتمع، و هو الذي يجعل الكوارث هي الوسيلة الوحيدة للتغيير. المستنيرون فقط من الحكام الذين يعرفون في التحليل النهائي أن المسئولية عن الإضطرابات و العصيان و الشغب تقع على عاتق ضعف الخيال و التعصب غير المحدود الذي تتمتع به الجماعة الحاكمة.

هنالك دائما هذا ( العمى ) المثير الذي يصيب من بيدهم السلطة عندما يواجهون بالأزمات ، إنهم يقاتلون بشراسة أي محاولة للإصلاح أو لتعديل المسار الذي قد تطالب به الأمة، و يجعلون أمر إزالتهم من السلطة أو الإنقلاب عليهم أمرا لابد من تنفيذه مهما كلف من تضحيات، إنهم هم الذين يحولون تعارض المصالح إلى حرب شرسة بين طبقات المجتمع.

عندما يواجه المتسلطون الطغاة بمطالب الفقراء و المحرومين فإنهم يبدأون أولا بمقاومة هذه المطالب وتسفيهها و خلق الأعذار و التبريرات التي تعارض تنفيذ هذه المطالب،، وإنهم يستسلمون فقط بعد كفاح و نضال و بعد أن يعدو أنفسهم لحالة تعرف ب…. (حالة الحرب حتى الموت ) ،،إذا ظهر بعض المستنيرين بين الجماعة الحاكمة الذين يدركون الحاجة الملحة لحلول حضارية للأزمات المتواصلة، فإن هؤلاء يتعرضون للإحتقار و الإزدراء و البغضاء من أصحاب النفوذ و أغنياء الغفلة ما لا يمكن تصوره،، إن حالة أصحاب النفوذ و أغنياء الغفلة اليوم في السودان لا تقل حماقة و غباءا عن حالة نبلاء فرنسا قبيل الثورة الفرنسية رغم كل هذه القرون الحضارية التي عبرها العالم.

يبدو لي أن الجماعة الحاكمة قد إنحرفت عن مسار الحكمة و الرشد و الحس الحضاري و الوطني بمثلما فعلت عندما أعلنت سياسة البلاء و الأنانية والجشع و حب المال والشهوات ، تلك المسماة

( بالتمكين ) و التي قسمت الشعب السوداني إلى معسكرين :
معسكر الذين يملكون كل شيئ بلا منطق يسند ذلك و معسكر المحرومين من كل شيئ بلا منطق يسند ذلك. وإن المستفيدين من إمتيازات سياسة التمكين قد كسبوا ثلاثين عاما من حرية التمتع بخيرات السودان بلا قيود ولا حدود من
(وازع او ضمير أو مساءلة أو توبة ) ومن مجريات الأحداث يبدو أنهم قد إختاروا التمترس خلف حصون مكاسبهم و امتيازاتهم بنية المضي قدما في ضلالهم القديم.

في مواجهة هؤلاء معسكر الذين حرموا من خيرات بلادهم،، هذا المعسكر الذي بدأ يستيقظ منتفضا بقوة تعادل قوة غبن وحرمان ثلاثين عاما وقد تزبد بفضل المنتسبين إليه من أجيال ما قبل الثلاثين من يونيو 1989 . هذا الحراك الشعبي الشامل للمدن و القرى و الذي رسخ أقدامه في الشارع السوداني يبدو من وقع خطواته الثقة التامة في المضي قدما نحو تحقيق أهدافه مهما كانت العقبات والمصاعب. النزعات التي لا تجد القنوات الصحيحة سالكة للتعبير عن نفسها قد تختفي من السطح لكنها لا تزول، بل تغوص إلى الأعماق و تتفاعل وتتوالد بطاقات جبارة قد تنفجر في ردود أفعال تتخطى كل القيود والحدود،، إن التلكؤ والتشنج و التعصب من جانب الحاكمين في هذا الظرف التاريخي الدقيق قد يؤدي بنا إلى الخروج من ( دارة ) نعرف تاريخها و جغرافيتها إلى (دوائر و إدارات ) لا يعرفها أحد من الذين يعيشون الآن فوق هذا التراب السوداني الأصيل المتسامح.

إن التغييرات العميقة المدبرة بتخطيط ووعي و مسئولية ليست ضرورية فحسب، لكنها مطلوبة بشدة الآن وهي مطلوبة دائما وبصفة مستمرة ،، حتى إذا افترضنا أن الوطن بكامل صحته وعافيته من جميع النواحي، فإن أجياله الجديدة هي أجيال الخلق والإبداع و الإبتكار و الإنتظام مع خطى مسيرة الأفكار و الوسائل والأساليب الجديدة التي تنتظم عالم اليوم لخلق الفرص التي تسعى لزيادة إحتمالات الحياة الحرة الكريمة ،، هذه الإبتكارات و الإختراعات تعني تحولات جذرية في الكيف وليس فقط في الكم. الجماعة الحاكمة في مجال تسويقها لمشروعها الحضاري وتذويقها لقائمة منجزاتها إختارت المسار السطحي الضيق لعملية التطور فاهتمت بالمظهر دون الجوهر فكرست كافة الجهود لمحاصرة ومحاربة الأكثرية في أرزاقها وتطلعاتها رغم كل ما تشارك به هذه الأكثرية من جهود تصب في حصيلة الخير العام ،، كان هذا الحصار وهذه الحرب لصالح أقلية تكسب بلا بذل ولا عطاء إلا بما يعود بالنفع عليىها هي فقط . كانت النتيجة هذا الطغيان للمظهر المادي لعملية التطور الذي غزا العقل السوداني في كافة المجالات ولعل أبرزها هذه الغابات الأسمنتية ذات البنايات الشاهقة الأنيقة و الأسماء الضخمة الفخمة…أنظر إليها فقط ولكن لا تسأل عن مخرجات فكرها وتجليات هذا الفكر في مفردات صراع الحياة اليومية للإنسان السوداني.

إن الشعب المتحرر الواعي يرحب دائما بالإبتكارات و الإختراعات و الإكتشافات في مجال تطوير و ترقية و تهذيب طاقات و قدرات الإنسان لبناء مجتمع إنساني متجانس و متماسك أكثر مما يرغب في إبتكارات و مخترعات ميكانيكية فقط. ما نخشى منه و نحذر منه دائما هو أسلوب

( الصدفة الصلبة ) لمقاومة عملية التغيير ، فهو اسلوب قد يتسبب في عملية تعرف ب..
( التغيير الإنفجاري ) الذي لا نريده ولا نتمناه. نحن لا نريد أبدا الكوارث التي قد تصاحب عملية التغيير لأنها ستكون كوارث على الحاكمين كما هي كوارث على المحكومين. الكوارث لا تحافظ على ما يجب المحافظة عليه و لا تشترط أن يسلك الناس الطريق الصحيح الذي يقودهم إلى ما يسعون للوصول إليه. الكوارث تجيز التشويه لكل ما هو جميل و تؤدي إلى إنحرافات وحشية عن الخطة الأصلية لعملية التغيير. و أحداث التاريخ تعلمنا أن الإنفجار الذي تعقبه عمليات إعادة البناء لا يريح أحدا ولا يربح منه إلا القتلة و المجرمين.

مهمة رجل الدولة الرشيد هي الخروج من
( الصندوق ) لمواجهة تحديات المرحلة قبل أن يشتد أوار تفاعلاتها ، و الشيئ المؤكد ( جدا جدا ) الذي لا يجب أن يفعله رجل الدولة الرشيد هو محاولة وضع السدود والحواجز الترابية أمام تيار التغيير المندفع بقوة حتى لا يتحول إلى سيل جارف يدمر المدن والقرى و يقضي على الأخصر واليابس. قاوم التيار الجارف لمطالب الجماهير الغاضبة لآخر قناة سلطوية و سيأتي الوقت الذي تتمكن فيه هذه الجماهير من الإستيلاء على السلطة كلها و أخذ ما كانت تطالب به…. هذا أبأس خيار يمكن أن يتبعه حاكم من الحكام. إن الوصول إلى السلطة عن طريق عملية ( إنتهاك ) يجعل المنتهك سيدا متعصبا لسلطته و كلما زادت فترة بقائه في السلطة تضاعف مقدار تعصبه و تشبثه بمقعده بعد أن يكون قد نسي تماما الأهداف التي من أجلها سعى للوصول إلى السلطة…… أقول قولى هذا ولكم في ( الإنقاذ ) مثالا يا ( أولي الإنقاذ ) لعلكم تعقلون.

كما إوردت الانتباهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.