جعفر عباس : لماذا راحت على جيليان

سودافاكس ـ صار‭ ‬الغربيون‭ ‬يلعبون‭ ‬على‭ ‬المكشوف‭ ‬عند‭ ‬الزواج‭ ‬فيوقعون‭ ‬على‭ ‬عقد‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الاقتران‭ ‬prenup‭ ‬يحصر‭ ‬فيه‭ ‬الطرفان‭ ‬أملاكهما‭ ‬وأموالهما‭ ‬السائلة،‭ ‬ثم‭ ‬يحددان‭ ‬حصة‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الطلاق‭ (‬وبهذا‭ ‬يمكن‭ ‬تسمية‭ ‬العلاقة‭ ‬بينهما‭ ‬زواج‭ ‬بنية‭ ‬الطلاق‭)‬،‭ ‬وفي‭ ‬أواخر‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬وقفت‭ ‬البريطانية‭ ‬جيليان‭ ‬هدسون‭ ‬أمام‭ ‬القاضي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬ينظر‭ ‬في‭ ‬دعوى‭ ‬قدمتها‭ ‬لطلاق‭ ‬زوجها‭ ‬روبرت‭ ‬لاي،‭ ‬وكادت‭ ‬تصاب‭ ‬بانهيار‭ ‬عصبي‭ ‬عندما‭ ‬قال‭ ‬لها‭ ‬القاضي‭: ‬مفيش‭ ‬طلاق،‭ ‬وبلاش‭ ‬حركات‭ ‬قرعة،‭ ‬وأنا‭ ‬فاهم‭ ‬أنك‭ ‬تطلبين‭ ‬الطلاق‭ ‬تمهيدا‭ ‬لرفع‭ ‬دعوى‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬قسط‭ ‬من‭ ‬ثروة‭ ‬روبرت،‭ ‬وبالتالي‭ ‬‮«‬إنسي‮»‬‭ ‬موضوع‭ ‬الفلوس‭ ‬نهائيا‭.‬

روبرت‭ ‬وجيليان‭ ‬عاشا‭ ‬كشريكين‭ ‬زهاء‭ ‬عشر‭ ‬سنوات،‭ ‬والخواجات‭ ‬أي‭ ‬الغربيون‭ ‬ليسوا‭ ‬مثلنا‭ ‬‮«‬تريد‭ ‬البنت‭ ‬تعال‭ ‬من‭ ‬الباب‮»‬،‭ ‬فكما‭ ‬أنهم‭ ‬ابتدعوا‭ ‬مسألة‭ ‬فترة‭ ‬الاختبار‭ ‬للموظف‭ ‬الجديد‭ ‬قبل‭ ‬البت‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬تثبيته‭ ‬في‭ ‬الخدمة،‭ ‬فقد‭ ‬ابتكروا‭ ‬مؤخرا‭ ‬حكاية‭ ‬الشراكة‭: ‬يعيش‭ ‬رجل‭ ‬وامرأة‭ ‬تحت‭ ‬سقف‭ ‬واحد‭ ‬خمس‭ ‬او‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬أو‭ ‬أقل‭ ‬ثم‭ ‬يقترح‭ ‬أحدهم‭: ‬ما‭ ‬رأيك‭ ‬ان‭ ‬نتزوج؟‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬رد‭ ‬الطرف‭ ‬الثاني‭: ‬وما‭ ‬الذي‭ ‬ينقصنا‭ ‬كي‭ ‬نتزوج‭ ‬وما‭ ‬الذي‭ ‬سيضيفه‭ ‬الينا‭ ‬الوقوف‭ ‬أمام‭ ‬قسيس؟‭ ‬خلينا‭ ‬على‭ ‬حالنا‭ ‬الراهن‭ ‬حلوين،‭ ‬فقد‭ ‬يقول‭ ‬صاحب‭ ‬الاقتراح‭: ‬على‭ ‬رأيك‭. ‬بلا‭ ‬زواج‭ ‬بلا‭ ‬دوشة،‭ ‬المهم‭ ‬ان‭ ‬جيليان‭ ‬هاجرت‭ ‬الى‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬ولم‭ ‬يطق‭ ‬صديقها‭ ‬وشريك‭ ‬حياتها‭ ‬‮«‬بدون‭ ‬رسميات‮»‬‭ ‬روبرت‭ ‬فراقها‭ ‬ولحق‭ ‬بها‭ ‬بعد‭ ‬انقطاع‭ ‬وصل‭ ‬بينهما‭ ‬دام‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات،‭ ‬وعرض‭ ‬عليها‭ ‬الزواج‭ ‬فقبلت‭ ‬وأقاما‭ ‬حفلا‭ ‬مهولا‭ ‬حضره‭ ‬المئات‭ ‬وجاء‭ ‬القسيس‭ ‬وزوّجهما‭.‬

نسيت‭ ‬ان‭ ‬اقول‭ ‬لكم‭ ‬لماذا‭ ‬رفض‭ ‬القاضي‭ ‬تطليقها،‭ ‬رغم‭ ‬أنهما‭ ‬ليسا‭ ‬من‭ ‬الكاثوليك‭ ‬حيث‭ ‬الزواج‭ ‬‮«‬سيك‭ ‬سيك‭ ‬معلق‭ ‬فيك‮»‬‭ ‬كما‭ ‬نقول‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬عن‭ ‬الوضع‭/‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬فكاك‭ ‬منه‭. ‬عندما‭ ‬سألت‭ ‬جيليان‭ ‬القاضي‭ ‬عن‭ ‬مبرراته‭ ‬لرفض‭ ‬دعواها‭ ‬للطلاق‭ ‬قال‭ ‬لها‭: ‬مش‭ ‬تتجوزي‭ ‬الأول‭! (‬ولا‭ ‬تسألني‭ ‬كيف‭ ‬قالها‭ ‬القاضي‭ ‬بالإنجليزية‭ ‬بلهجة‭ ‬مصرية‭).. ‬قالت‭ ‬له‭: ‬يا‭ ‬حضرة‭ ‬القاضي‭ ‬أنت‭ ‬شاهدت‭ ‬شريط‭ ‬الفيديو‭ ‬لمراسيم‭ ‬زواجنا‭ ‬ورأيت‭ ‬القسيس‭ ‬يزوجنا‭. ‬كان‭ ‬رد‭ ‬القاضي‭: ‬عشان‭ ‬كده‭ ‬يا‭ ‬بنتي‭ ‬أنا‭ ‬رفضت‭ ‬دعوى‭ ‬الطلاق،‭ ‬لأنه‭ ‬مفيش‭ ‬طلاق‭ ‬بدون‭ ‬زواج‭. ‬ده‭ ‬كان‭ ‬فيلم‭ ‬هندي‭ ‬وكل‭ ‬شيء‭ ‬فيه‭ ‬بمن‭ ‬فيه‭ ‬القسيس‭ ‬مفبرك‭.‬

الخواجات‭ ‬من‭ ‬حقهم‭ ‬ان‭ ‬يختاروا‭ ‬بين‭ ‬الزواج‭ ‬المدني‭ ‬الذي‭ ‬يتم‭ ‬في‭ ‬مكتب‭ ‬‮«‬حكومي‮»‬‭ ‬أو‭ ‬الديني‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬قسيس،‭ ‬ولكل‭ ‬منهما‭ ‬طقوس‭ ‬وصيغ‭ ‬محددة‭ ‬يعترف‭ ‬بها‭ ‬القانون،‭ ‬وفي‭ ‬الدول‭ ‬المسيحية‭ ‬الناطقة‭ ‬بالإنجليزية،‭ ‬وبعد‭ ‬ان‭ ‬يقول‭ ‬المأذون‭ ‬الإفرنجي‭ ‬بضع‭ ‬كليشيهات‭ ‬محفوظة‭ ‬يسأل‭ ‬الرجل‭ ‬والمرأة‭ ‬بالتناوب‭: ‬هل‭ ‬تقبل‭ ‬بفلانة‭/‬فلان‭ ‬كزوج‭/‬ة‭ ‬أمام‭ ‬القانونlawful‭ ‬husband‭/‬wife‭!! ‬نبه‭ ‬القاضي‭ ‬جيليان‭ ‬الى‭ ‬ان‭ ‬القس‭ ‬الذي‭ ‬أشرف‭ ‬على‭ ‬زواجها‭ ‬بروبرت‭ ‬لاي‭ ‬لم‭ ‬يوجه‭ ‬السؤالين‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منهما‭ ‬على‭ ‬حدة،‭ ‬وأنه‭ ‬أسقط‭ ‬عدة‭ ‬فقرات‭ ‬من‭ ‬تعهد‭ ‬الزواج‭ ‬المعتاد،‭ ‬وطالما‭ ‬لم‭ ‬تتم‭ ‬استشارة‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬الطرفين‭ ‬حول‭ ‬قبول‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬زوجا‭/‬زوجة‭ ‬فالزواج‭ ‬غير‭ ‬قائم،‭ ‬وهكذا‭ ‬صاح‭ ‬روبرت‭: ‬يحيا‭ ‬العدل‭. ‬يحيى‭ ‬الفخراني،‭ ‬لأن‭ ‬جيليان‭ ‬لن‭ ‬تنال‭ ‬من‭ ‬ثروته‭ ‬مليما‭ ‬أحمر‭.‬

‮«‬العائلة‮»‬‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬الى‭ ‬الانقراض‭ ‬كمؤسسة‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭ ‬الغربية،‭ ‬حتى‭ ‬صارت‭ ‬كافة‭ ‬الأوراق‭ ‬الرسمية‭ (‬طلبات‭ ‬تأشيرات‭ ‬السفر‭ ‬والجنسية‭.. ‬إلخ‭) ‬خالية‭ ‬من‭ ‬ذكر‭ ‬الزوج‭ ‬او‭ ‬الزوجة‭ ‬وتضع‭ ‬عوضا‭ ‬عنهما‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬بارتنر‭ ‬partner‮»‬‭ ‬أي‭ ‬‮«‬الشريك‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬نيوزيلندا‭ ‬مثلا‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬إقامة‭ ‬دائمة‭ ‬إذا‭ ‬تزوجت‭ ‬بنيوزيلندية‭ ‬أو‭ ‬صادقت‭ ‬نيوزيلندية‭ ‬ستة‭ ‬أشهر‭ ‬متصلة،‭ ‬وبعدها‭ ‬بسنة‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬الجنسية‭ (‬هلموا‭ ‬أيها‭ ‬الباحثون‭ ‬عن‭ ‬أوطان‭ ‬بديلة‭)‬،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬تحايل‭ ‬على‭ ‬مسؤولية‭ ‬الزواج‭ ‬وبيت‭ ‬الزوجية‭ ‬مهما‭ ‬ادعى‭ ‬الخواجات‭ ‬أنهم‭ ‬يفعلون‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬كفالة‭ ‬الحرية‭ ‬لطرفي‭ ‬العلاقة‭!‬

‭ ‬ولو‭ ‬أردنا‭ ‬للعائلة‭ ‬عندنا‭ ‬ان‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬تماسكها‭ ‬الذي‭ ‬يستمد‭ ‬منه‭ ‬المجتمع‭ ‬تماسكه‭ ‬فإنني‭ ‬أناشد‭ ‬فقهاءنا‭ ‬وعلماءنا‭ ‬ان‭ ‬يسدوا‭ ‬الذرائع‭ ‬بالكف‭ ‬عن‭ ‬‮«‬تحليل‮»‬‭ ‬زواج‭ ‬السمسار‭ ‬والفرفار‭ ‬والمزمار‭ ‬والهزار‭!! ‬هل‭ ‬كان‭ ‬العلماء‭ ‬غافلين‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬الزيجات‭ ‬قبل‭ ‬300‭ ‬سنة‭ ‬و1000‭ ‬سنة؟‭ ‬إطلاق‭ ‬أسماء‭ ‬رنانة‭ ‬على‭ ‬‮«‬الزواج‭ ‬الترانزيت‮»‬‭ ‬يعطي‭ ‬الرخصة‭ ‬لأنصار‭ ‬الزواج‭ ‬العرفي‭ ‬الذي‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬حيلة‭ ‬من‭ ‬رجل‭ ‬قوي‭ ‬للفتك‭ ‬بفتاة‭ ‬ضعيفة‭ ‬يأكل‭ ‬لحمها‭ ‬ثم‭ ‬يرمي‭ ‬بها‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬تتحول‭ ‬الى‭ ‬كوم‭ ‬من‭ ‬عظام‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.