سودافاكس ـ شهدت الفترة الماضية ارتفاعاً مخيفاً في أسعار الصرف، ما انعكس مباشرة على زيادة أسعار السلع بصورة كبيرة، الأمر الذي أظهر مضاربات في بعض السلع بالأسواق، وكذلك الحال مع انخفاض أسعار الصرف لم ينعكس ذلك على تراجع الأسعار بالأسواق، ما يطرح تساؤلاً مهماً لماذا لم تتأثر السلع والخدمات بانخفاض سعر الصرف كمان في حالة ارتفاع سعر الصرف؟، يرى خبراء اقتصاديون أن ثقافة المقاطعة غائبة تماماً عن الشعب وكذلك ثقافة استخدام البدائل والتجارة في السودان قائمة على المضاربات، ويبدي البعض خشيته من أن يكون ما يجري هو انخفاض صوري وظرفي نتيجة تكتيك يقوم به البنك المركزي، وذلك بضخ كمية من الدولارات في السوق النقدية بشكل آني، ويرى آخرون أن ارتباط السلع في السوق السودانية بالدولار ارتباط وثيق، لكن درجة التفاعل مع ارتفاع وانخفاض سعر الصرف للجنيه السوداني تختلف من سلعة إلى أخرى.
ثقافة المقاطعة
المحلل الاقتصادي الدكتور ناجي مصطفى يقول: دائماً ما تحدث نكسة في الدولار مجرد ما أن ارتفع سعره زادت الأسعار للسلع والخدمات، لكن في حالة انخفاض أسعار الصرف لا تنخفض الأسعار، ويرى أن الشعب ليست لديه مناعة ضد جشع التجار وضد التضخم (يعني ارتفعت الأسعار بشتري ما ارتفعت بشتري وبالتالي شعب عنيد ويتحدى الأسعار)، وأوضح د. ناجي أن ثقافة المقاطعة غائبة تماماً، وكذلك ثقافة استخدام البدائل، مشيراً إلى ضعف السلوك الاقتصادي وسوء سلوك الاستهلاك، وأبان أن التجارة في السودان قائمة على المضاربات، وأشار إلى أن السلعة يتم تداولها بين مجموعة من التجار سواء كان ذلك في قطاع الأراضي أو السيارات، وقال إن أغلب السلع تتم فيها المضاربات بدءاً من العقارات والعربات وسلع الوارد وبالتالي لا يمكن أن يعملون على أن تنخفض الأسعار حتى لا يتعرضون لخسارة.
صوري وظرفي
يرى الباحث الاقتصادي الدكتور هيثم محمد فتحي ما يبرره التاجر عن عدم انخفاض الأسعار، هو أنّ لديه مخزون لم ينفد بعد، أو أنّ البضائع المدعومة لا يتغيّر سعرها وإن انخفض سعر الدولار في السوق السوداء، ويشير إلى أن هناك عوامل أخرى تؤثر على تسعير السلع، وليس فقط سعر الدولار، مثل أسعار الكهرباء والنقل وأجور العمال، وهذه البنود ترتفع وينتج عنها تلاشٍ لتأثير التراجع في سعر الدولار، مبدياً خشيته من أن يكون ما يجري هو انخفاض صوري وظرفي نتيجة تكتيك يقوم به البنك المركزي، وذلك بضخ كمية من الدولارات في السوق النقدية بشكل آني، ويعتقد أن التاجر هو المؤشر الأساسي في هذا الموضوع وهو لا يزال مقتنعاً بأن الدولار سيرتفع، وأكد د. هيثم: لذلك لا يملك الجرأة لتخفيض سعر سلعة، ولفت إلى أنه من الملاحظ في الآونة الأخيرة عدم استقرار في سوق صرف الدولار، فهو مستمر في التذبذب مع الانخفاض، وأبان أن هذا الانخفاض النسبي يكلف البنك المركزي الكثير من مخزون العملة الأجنبية المتوفر لديه الذي يطرحه في السوق لخفض السعر، وتابع: هذا التذبذب السريع يربك التاجر ولا يساعد على استقرار الأسعار، وقال إن الشركات المستفيدة من انخفاض سعر الدولار خاصة في تقليل تكلفة المواد الخام، لم تتجه لخفض أسعار منتجاتها، وذكر أنه بدلاً عن ذلك ثبتت الأسعار للحفاظ على حجم إيرادات يمكنها من الإنفاق على الحملات الدعائية في ظل المنافسة الشديدة وسط حالة الركود التي أصابت السوق السوداني، وأكد أن الدولة لها يد بشكل نسبي في هذه الأزمة سواء عن طريق رفع أسعار الكهرباء والمياه أو قيمة الضريبة المضافة.
التأثير الإيجابي
وشدد على ضرورة تدخل الدولة لحل المشكلة، عن طريق تغيير بوصلة الاستيراد، عبر استغلال الاتفاقيات الدولية، والاستيراد من دول ذات العملات المنخفضة، وقال: وقتها سيشعر المستهلك بانخفاض الأسعار، ولفت إلى أن انخفاض الدولار يرجع لأسباب بعيدة عن زيادة الإنتاج ويتحدد سعر الصرف في السوق السوداني وفقاً لآلية العرض والطلب، وكلما زاد عرض الدولار وتراجع الطلب عليه انخفض سعره، وعن تأثير تراجع الدولار على السلع في الأسواق لم يظهر لعدة أسباب، منها أن الكثير من السلع المستوردة أو المواد الخام تتأثر أيضاً بالسعر العالمي وليس سعر الدولار، ويتوقع د. هيثم ظهور التأثير الإيجابي لتراجع الدولار على أسعار السلع إذا استمر هبوطه واستقر عند سعر معين.
الاقتصاد المعتل
وبحسب تقديرات المحلل الاقتصادي الدكتور عبدالله الرمادي أن هناك سببين لظاهرة عدم انخفاض أسعار السلع، وحدد أن من ضمن الأسباب الزيادة ناتجة ليس عن أسباب حقيقية وطلب حقيقي لزيادة الدولار وإنما هي نوع من المضاربات والمزايدات لتحقيق أكبر كسب في بيع وشراء الدولار، ومباشرة بعد أن أوقف المضاربون تلك المضاربات وكانت لم تجدِ شيئاً أي لم تحدث تأثيرات في السوق، ويرى أن السبب الأكثر واقعية أن معدلات التضخم رغم انخفاضها إلا أنها تظل عالية، وشبه ذلك بعربة تصعد إلى جبل وإلى طريق مرتفع وهي ماضية في صعودها، لذا ممكن للأسعار أن لا تهبط، وبالتالي ما زال يفقد الجنيه 75% من قيمته نعم تباطأت معدلات التضخم ولكنها لم تنزل لمستويات أقل وما زالت تحدث الأثر الاقتصادي في الأسعار ولكن بوتيرة أقل مما كانت عليه في الماضي، ووصف الوضع الاقتصادي بالمعتل بسبب الالتزام بروشتة صندوق النقد الدولي آملاً في مساعدات قد تأتي ولم يأتِ منها شيئاً حتى الآن ولن يأتي منها شيء حقيقة، لجهة أن إنقاذ الاقتصاد السوداني ليس هو المراد، ويؤكد أن التجار الذين أفرطوا في شراء الدولار هروباً من انخفاض قيمة العملة الوطنية الإفراط هذا بالتأكيد سيكلفهم الكثير وبالتالي سيتم بأسعار أقل من السابق أو التي تم شراؤها به، وهذه تكلفهم بعض الخسائر واعتبارها صعود وهبوط وحسب قدرة التاجر على تقدير المواقف والتوقعات السليمة وعليهم أن يتحملوا الخسائر في هذه الفترة ولا بد أن يحدث تلافٍ للأمر مستقبلاً والبعض يظن أن يرتفع الدولار مرة أخرى ويحتفظ به من لديه القدرة على الصبر ربما يستطيع أن يتلافى بعض الشيء وربما المؤشرات والنتائج على عكس ما كنت أتوقعه.
ارتباط وثيق
يقول المحلل الاقتصادي الدكتور الفاتح عثمان محجوب عبر إفادة إن ارتباط السلع في السوق السودانية بالدولار ارتباط وثيق لكن درجة التفاعل مع ارتفاع وانخفاض سعر الصرف للجنيه السوداني تختلف من سلعة إلى أخرى فمثلاً توجد سلع عالية الحساسية تتأثر بسرعة بالغة بانخفاض سعر الصرف للجنيه السوداني أو ارتفاعه مثل السكر والبن والدقيق ومواد البناء وسلع أخرى ترتفع ببطء وتنخفض ببطء أيضاً مثل الزيوت والصابون والشاي والأرز والعدس والفول وسلع بطيئة جداً في الانخفاض مع أنها سريعة في الزيادة وتشمل بقية السلع مثل الأثاث والإسبيرات وغيرها، ويشير إلى أنه وبشكل عام إذا استمر سعر الصرف للجنيه السوداني في مستوى أقل من 600 جنيه كما هو الآن وبما أن الفترة المتبقية من شهر رمضان يسود فيها الركود عدا آخر ثلاثة أيام قبل العيد فإن المواطنين موعودون بانخفاض كبير في مختلف أنواع السلع لأن قلة الطلب مقارنة بالعرض ستجبر الشركات على تخفيض الأسعار.
علاقة وثيقة
المحلل الاقتصادي الدكتور وائل فهمي بدوي يقول إنه رغم علمنا أن أكثر من 90% من الكتلة النقدية هي خارج الجهاز المصرفي، وتابع: إلا أنه من المعروف أن سعر الصرف له علاقة وثيقة بأسعار الفائدة التي تؤثر بدرجات مختلفة في ظروف مختلفة في عرض النقود المتاحة بالاقتصاد (ومن ثم الأسعار)، ويعتقد أن المستوى العام للأسعار عادة ما يستجيب بسرعة جداً لارتفاع أسعار العملات الأجنبية ولكن العكس ليس صحيحاً – أي عندما تنخفض أسعار العملات الأجنبية فليس بالضرورة أن ينخفض المستوى العام للأسعار بذات السرعة التي صعدت بها.
حسابات التجار
وبحسب د. وائل عبر حديثه أن هناك أسباب كثيرة لا تساعد التجار على تخفيض الأسعار لمختلف السلع عندما تنخفص أسعار العملات الأجنبية، ويشير إلى من بين أهمها فقدان الثقة في قدرات البنك المركزي على ضمان استمرار تخفيض الأسعار في المدى المتوسط والطويل من واقع التجارب المريرة السابقة التي تسببت فيها قرارات البنك المركزي بالتخفيض السنوي للجنيه السوداني لتمويل الخزينة العامة (فتخفيض سعر الصرف هو في الواقع ضريبة مالية في نهاية المطاف)، ويتابع قائلاً: بمعنى أن التوقعات بعودة ظاهرة تدهور سعر صرف الجنيه السوداني واردة في حسابات التجار خاصة إذا ما كانت مصادر البنك المركزي للتدخل بها قصيرة الأجل (كوصول أموال سعودية وإماراتية وكذلك دفع جمهورية جنوب السودان لمبلغ ٣ مليار)، ويعتقد أن الزيادة في عرض النقود خاصة عبر طباعة النقود كما يقول به مؤشر معدل التضخم الجامح الانكماشي في الشهر السابق الذي بلغ ٢٥٩%، فهذا المعدل يقول إن أسعار السلع والخدمات ما زالت مستمرة في الارتفاع، وأضاف: كما يعرف الاقتصاديون أن هذه الأسعار تدخل كتكاليف إنتاج لبعضها البعض بما يحافظ على استمرار أسعار السلع والخدمات في الارتفاع وإن كان بمعدلات متفاوتة لكل منها.
التخفيض الوهمي
ويعتقد أن انخفاص أسعار العملات ليس بالضرورة أن يؤدي إلى انخفاض لأسعار السلع والخدمات وإن كان من الممكن أن يساهم جزئياً في تخفيض معدلات الارتفاع في المستوى العام للأسعار (أي معدلات التضخم) التي ما زالت مستمرة، ويضيف: في هذه الحالة يعتبر انخفاص أسعار العملات أرباح إضافية لهم قد تشجعهم مستقبلاً على زيادة المعروض من السلع والخدمات ما استمر انخفاض أسعار العملات في الانخفاض إلى حدود الاستقرار، وأوضح من الصعب جداً توقع انخفاض أسعار السلع والخدمات في المستقبل ما لم تتغير العملة بالطبع للتخفيض الوهمي، ولفت إلى استمرار الاختلالات الهيكلية الكلية بالاقتصاد السوداني وهي تغذي كما تتغذى بالتضخم، فاستمرارها لا يساعد بالإسراع في تخفيض أسعار السلع والخدمات في الداخل ما لم يتم القضاء على مغذيات الاختلالات الهيكلية الكلية بالداخل، وقال: المعالجات بالاقتراض والمنح يعطي إشارة واضحة لخبراء الأسواق بأن المعالجات هي معالجات مؤقتة وليست طويلة المدى في اعتمادها على الموارد الذاتية المتجددة والمستمرة.
تقرير – علي وقيع الله
اليوم التالي