سودافاكس ـ انطوت نهاية الأسبوع المنصرم، صفحة سوداء في تاريخ السودان بإغلاق وبشكل نهائي ملف تفجيرات سفارتي الولايات المتحدة في كل من نيروبي و دار السلام بعد ان ظل الاتهام بتفجير المدمرة كول يلاحق الحكومة البائدة، و دفع الشعب السوداني ثمن جرم التهمتين سنيناً طويلة عزلة وحصارا اقتصاديا و حرماناً من كل المكتسبات و المساعدات الإنسانية التي كان يمكن ان يحصل عليها من قبل المجتمع الدولي، وكانت حكومة الثورة الانتقالية برئاسة رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك و ضعت فور تسلمها المهام، ملف رفع اسم السودان من قائمة الدول السوداء فك العزلة الدولية، وهو الاتهام الذي بات أمراً واقعاً واولوية، حيث قامت بتحركات مكثفة عبر فريق محترف توصل في خاتمة المطاف للاتفاق على تسوية مالية كان نتيجتها رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ومن ثم رفع العقوبات الاقتصادية.
إسدال الستار
أمس الأول، أعلنت المحكمة الفيدرالية الأمريكية رسمياً إلغاء أحكام التعويضات التي صدرت ضد جمهورية السودان.
وأكدت المحكمة أنه بموجب هذا الإعلان من قبلها، فإن قضية تفجير سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا قد أغلقت نهائياً بالنسبة للسودان، وهذا الامر في الأساس يعني قطع الطريق امام أي محاولات جديدة أخرى من قبل اسر الضحايا لاستئناف القضية مرة أخرى، وهو امر اعتبره مراقبون مكسبا كبيرا للسودان، باعتباره أنهى واحدة من التركات المُثقلة التي ورثتها حكومة ثورة ديسمبر من النظام السابق، رغم أن الأوضاع التي يمر بها السودان حالياً تعد الأكثر تعقيداً بعد قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر، أدخلت البلاد في حسابات أخرى بالنسبة للمجتمع الدولي، الا ان ما أنجزته الحكومة الانتقالية في هذا الملف افضى في خاتمة المطاف لإغلاق ملف التفجيرات نهائياً من قبل واشنطن، و كانت حكومة الدكتور عبد الله حمدوك فور تسلمها مقاليد الأمور توصّلت لتسوية دفعت بموجبها 335 مليون دولار كتعويض ضحايا حادثتي تفجير سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام عاصمتي كينيا وتنزانيا في العام 1998، وتفجير البارجة الأمريكية يو إس إس كول قرب شواطئ اليمن في العام 2000، والتي تتهم الإدارة الأمريكية نظام المعزول عمر البشير بالضلوع فيهما، حيث وضعت الحكومة حينها جهود شطب السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب في مقدمة أولوياتها، وأبدت تعاوناً كبيراً في مفاوضاتها مع الجانب الأمريكي، لكنها ظلت تشدد على أن واشنطن تعاقب الشعب السوداني بجريرة النظام السابق الذي طالما اتهم بإيواء متشددين وإرهابيين من دول عربية مختلفة. ووجدت تحركات الحكومة دعماً ومساندة من عدد كبير من المسؤولين الامريكان والمجتمع الدولي المساند للثورة بالضغط على الممانعين في حكومة ترمب السابقة، وقاد وزير الخارجية السابق مايك بومبيو تحركات داخل الكونغرس، مؤكداً ان شطب اسم السودان من القائمة يعد دعماً للحكومة الانتقالية التي يقودها مدنيون.
وتوصلت إدارة ترمب إلى اتفاق مبدئي مع الحكومة السودانية يقضي بأن تدفع الخرطوم تعويضات بقيمة 335 مليون دولار لأسر ضحايا التفجيرات. وهو ما طوت بموجبه المحكمة الفدرالية الملف نهائياً.
أصل الحكاية
وكان أكثر من 200 شخص قُتلوا في الهجومين المتزامنين على سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا في العام 98 اللذين نفذهما تنظيم القاعدة وأصيب الآلاف وأصدرت المحكمة العليا الأمريكية حينها حكماً يقضي بأن يدفع السودان تعويضات تأديبية لذوي ضحايا تفجير سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا في عام 1998، وواجه السودان الاتهام بإمداد تنظيم القاعدة، وزعيمه آنذاك أسامة بن لادن بالدعم المادي والتقني.
جزرة واشنطن
بعض المراقبين اعتبر شطب المحكمة الفدرالية لملف قضية تفجيرات سفارتي واشنطن في كل من نيروبي ودار السلام بمثابة الجزرة الأمريكية التي تحسب لصالح الحكومة الحالية، واعتبر السفير والخبير جمال محمد إبراهيم شطب الملف من الجانب الأمريكي جزرة مجاملة، لافتاً الى أن واشنطن باتت تمسك (العصا من النصف) بدعم نظام عسكري مدني، لكنه لم يستبعد التلويح بالعصا وهو ما يُعرف بسياسة الجزرة والعصا للولايات المتحدة، مضيفاً أن الإدارة الأمريكية ربما تضغط باتجاه العودة للحكم المدني، لافتاً إلى أن إنجاز ملف قضية التفجيرات يُحسب لصالح حكومة الدكتور حمدوك التي تحركت فيه بإيجابية، لكن السفير إبراهيم أشار في حديثه لـ(الصيحة) الى دور ومساهمة للعسكر حتى وإن كان من جانب الموافقة على دفع التعويضات، ولم يستبعد أن تعقب جزرة قفل التفجيرات بعصا أخرى تتمثل في ممارسة ضغوط على الحكومة الحالية، لافتا الى ان الهجوم والانتقادات التي وجّهها رئيس مجلس السيادة لرئيس بعثة يونيتامس وان كانت البعثة تخص الأمم المتحدة ومجلس الأمن لن ترضي الولايات المتحدة بأي شكل من الأشكال.
إجراءات حمدوك صحيحة
قرار المحكمة العليا الأمريكية بقفل قضية تفجير سفارتي واشنطن في نيروبي ودار السلام تعد آخر مراحل التقاضي الأمريكي، وجاءت لصالح الاتفاق الذي تم بين حكومة الدكتور عبد الله حمدوك والحكومة الامريكية بدفع التعويضات وإغلاق الملف من قبل الحكومة الأمريكية. ويضيف الدكتور والخبير الدبلوماسي علي يوسف في حديثه لـ(الصيحة) أن الإجراء يعد تأكيداً على ان أمريكا دولة مؤسسات و ان القضاء فيها مستقل، ويتخذ من القرارات ما يراه مناسباً مع كل قضية، ولفت السفير يوسف الى أن قفل ملف القضية يؤكد أن الخطوات والمعالجات التي تمت في الحكومة الانتقالية التي كان يرأسها الدكتور عبد الله حمدوك كانت صحيحة، واكد انه دون اتخاذ خطوة إغلاق الملف من قبل الجانب الأمريكي كان سيظل سيفاً مسلطاً على رقاب السودان وشعبه، وزاد(الحمد لله تمت التسويات في ذلك الوقت والآن أغلقت المحكمة الملف نهائياً).