– صورة صديق يوسف وجهاً لوجه أمام حميدتي شاهدة على أن الشيوعي كان طرفاً!
– المطالبة باعتذار الحرية والتغيير كلمة حق أريد بها باطل! –
قحت ما تزال هي الجسم ذو الوزن السياسي والجماهيري الأكبر!
– العساكر لم يكونوا أمينين على الوثيقة الدستورية ولا الفترة الانتقالية !
– المبادرة الأممية هي المنصة المتاحة الآن للوصول لأفق سياسي جديد! – عندما شرعنا في تسلم منظومة الصناعات الدفاعية تدخل وزير الدفاع متعللاً بأن القائد العام يحتاج لوقت! – مبادرة فولكر يمكن أن تخرج البلاد من مأزقها الحالي! في حوار الصراحة والشفافية، كشف وزير الصناعة السابق والقيادي في قوى الحرية والتغيير، إبراهيم الشيخ عن الموقف الحاسم لقوى الحرية والتغيير من أي عملية سياسية قادمة، وقطع الشيخ بأن المنصة الوحيدة المتاحة حالياً للوصول إلى أفق سياسي جديد هي المبادرة الأممية المدعومة إفريقياً، ونفى إبراهيم الشيخ في حواره مع “الجريدة” عن أي لقاءات بينهم والمكون العسكري، لا في الضوء ولا في الظلام.
موضحاً بأن الثقة بينهم والمكون العسكري غير متوفرة، وأكد الشيخ بأنه في حال توفرت المطلوبات لتهيئة المناخ باطلاق سراح المعتقلين وإلغاء حالة الطوارئ ووقف العنف ضد المتظاهرين وتشكيل لجنة تحقيق لمحاكمة مرتكبي الانتهاكات والقتل بحق الشباب السلميين، سيمضون للخطوة التالية من العملية السياسية، والتي يكشف الشيخ عن تفاصيلها في حوار “الجريدة” أدناه:
أولاً: كيف تقرأ الواقع السياسي الراهن؟ – الواقع السياسي به تعقيدات كثيرة بعد انقلاب 25 أكتوبر. مجموعة اللاعبين الأساسيين في الملعب السياسي متباينة سواء كان ذلك في جبهة المكون العسكري أو القوى السياسية والمدنية. المكون العسكري متعدد التركيب والأصوات، جيش ودعم سريع وحركات مسلحة، وواضح جداً هذه التباينات في مجلس السيادة. هناك مجموعة الجبهة الثورية المنقسمة على نفسها، مجموعة مالك عقار والهادي إدريس والطاهر حجر، ومجموعة أخرى بها مني أركو مناوي وجبريل إبراهيم وخميس أبكر وآخرين. المكون العسكري به أكثر من لسان، وهناك صراع خفي داخله. الدعم السريع لديه تحركاته المستقلة تماماً ومساعيه الحثيثة لاجندة كثيرة مستبطنة. – الكتلة المدنية نفسها هي مجموعة عناصر مختلفة، تجمع المهنيين منقسم بين المجموعة الموالية للمجلس المركزي والمجموعة الأخرى الموالية للحزب الشيوعي.
والمجلس المركزي للحرية والتغيير خرجت من رحمه أكثر من جسم، المجموعة المدنية التي أطلقت على نفسها الوفاق الوطني، والقوى الوطنية مجموعة يوسف محمد زين وحيدر الصافي، والمجلس المركزي نفسه، والمجتمع المدني أيضاً منقسم على نفسه ومجموعة منه خرجت من الحرية والتغيير ومجموعة باقية داخل الحرية والتغيير، وهناك أيضاً لجان المقاومة، ولا نستطيع القول بأنها كلها على قلب رجل واحد، بها تباينات وتنسيقيات مختلفة، وهناك مجموعات على قطيعة تامة مع الحرية والتغيير ومع الأحزاب السياسية، وهناك مجموعات بدأت تقترب أكثر من الحرية والتغيير والكيانات السياسية، مجموعة أخرى متزمتة ومتطرفة جداً وتعتقد أن الأحزاب خراب وعذاب، وأنها واحدة من موبقات الدنيا. هذا كله ألقى بظلاله على المشهد السياسي وخلق مسافة حالت دون التوصل لتوافق رغم الجهود الكبيرة التي بذلت لتقريب المسافات وصناعة جبهة موحدة لمواجهة الانقلاب، لكن أعتقد أن الخطوات ما تزال متعسرة، لكن حالة الوعي بأهمية الجبهة الموحدة متمددة وهناك استشعار أعمق بضرورتها، والمنصة الواحدة هي من أحدثت الثورة في ديسمبر 2018 وفي أبريل 2019 وعندما كان الناس مصطفين في أكثر من تحالف في نداء السودان والاجماع الوطني والجبهة الثورية وكل منهم يعمل بشكل مستقل لم يستطيعوا لفترة طويلة اسقاط النظام حتى اتحدوا في قوى الحرية والتغيير وعملوا كيان واحد وإعلان سياسي واحد استطاعوا التخلص من نظام البشير والآن أن هذا التحدي يجابه كل القوى المدنية التي تتطلع لدولة مدنية، والدولة المدنية تحقيقها واسقاط الانقلاب يقتضي وجود حد أدنى من التوافق والاتفاق والتواثق على ميثاق واحد، والآن من أكبر ملامح المشهد الراهن تعدد المواثيق، وهناك أكثر من جهة طرحت ميثاق ومبادرة وبالتالي هذا الواقع يشئ بأن الانقسام ما يزال كبيراً داخل الكيانات المختلفة، وكلما استمر هذا الانقسام كانت المسافة من الهدف أبعد. + القوى الأساسية في الشارع ترى بأن هناك شروط للوحدة لازاحة النظام الحالي، وطلبت من قوى الحرية والتغيير الاعتذار كتابة لتشكيل الجبهة الموحدة؟ – المطالبة بالاعتذار صدرت من وقت باكر، لكن لا أتصور أن قوى الحرية والتغيير ارتكبت خطيئة، كل المجموعات التي تطالب الحرية والتغيير بالاعتذار كانت شاهدة على الوثيقة الدستورية والمفاوضات التي جرت مع المكون العسكري وعلى إعلان الحكومة الأولى وعلى مجلس السيادة، وكذلك شاهدة على البرامج المختلفة التي صدرت عن الحرية والتغيير والحكومة الأولى والثانية، والعمل السياسي ليس به خطيئة كبيرة مارستها القوى المكونة للحرية والتغيير، وكل الأطراف حتى التي تتخذ موقفاً حاداً كانت شريكة، وعندما تنظر لمن قادوا التفاوض تجد كل هذه المجموعات حاضرة، تجمع المهنيين كان طرفاً أصيلاً، وكذلك الحزب الشيوعي، وصديق يوسف كان ممثلا للحزب الشيوعي، والصور شاهدة على وجوده وجهاً لوجه أمام حميدتي وكباشي وياسر العطا، وهذه هي المجموعة التي كانت تفاوض نيابة عن المجلس العسكري، وكان صديق يوسف ممثل الحزب الشيوعي وتجمع المهنيين الموالي له، كانوا طرفاً أصيلاً في التفاوض، وكان موجود معاوية شداد ومحمد خطاب ومدني عباس مدني، كلهم موجودين وممثلين للمجتمع المدني، وشركاء في كل الخطوات التي تم انجازها وبالتالي البرامج التي طرحت، والحديث الذي يشترط الاعتذار _ لا نقول أن الحرية والتغيير تأخذها العزة بالإثم ولا تريد الاعتذار_ لكن الدعوة للاعتذار كلمة حق أريد بها باطل والهدف الأساسي إقصاء الحرية والتغيير من المشهد تماماً، وهذه أشواق موجودة عند المكون العسكري وعند مجموعة الميثاق الموالية للانقلاب وكذلك موجودة عند الحزب الشيوعي وبعض لجان المقاومة، وبعض المهنيين الموالين للحزب الشيوعي، كل هذه المجموعات ترى بأن الفرصة سانحة لاقصاء الحرية والتغيير، والحرية والتغيير بتركيبتها الموجودة في المجلس المركزي لا تزال هي الجسم السياسي الأكبر وذو الوزن السياسي والجماهيري الأكبر، وكذلك لديها خبرة وتجربة أكبر، وأرى أن الذين يريدون محاكمة الحرية والتغيير وتجريمها ونصب المشانق لها، المطلوب منهم مطالعة الخطوات التي اتخذتها الحرية والتغيير في الفترة القصيرة الماضية، ويرون أن الحكومة الأولى هي حكومة تكنوقراط التزاماً بالوثيقة الدستورية والحكومة الثانية عندما تم توقيع اتفاق السلام وقضى الاتفاق أن يكون هناك تعديلات على الوثيقة الدستورية وفتحت الباب واسع للمشاركة السياسية، شاركت أحزاب سياسية بقدرها ووزنها بكامل الرضا ومشاركة كل الأطراف التي اختارت الآن أن تنأى بنفسها بعيداً عن المجلس المركزي للحرية والتغيير. +الحزب الشيوعي يشترط للعودة مرة أخرى لتحالف جديد أن تأتي الحرية والتغيير فرادى في شكل أحزاب وليس كتلة واحدة؟ – لا أدري هل يريدون تفكيك الحرية والتغيير، هذا الجسم المركزي الذي لديه ميراث وتجربة سياسية وإعلان سياسي، وكثير من الاجتهادات بغض النظر عن ما شابها، لماذا يريدون تفكيكها، وماذا تريد أن تجردها منه إذا ما جاءت فرادى، خاصة وأن هذا الميراث موجود في أذهان قياداتها، وإذا ما جاءوا فرادى ستحوله غدا أو بعد غد إلى كيان وينسقوا فيما بينهم، وبالتالي الدعوة إلى المجيء فرادى ليس لها معنى، إذا كنت تعمل بصورة جادة لخلق منصة واحدة تتصدى للانقلاب، ومن ثم تسعى لاسقاطه وتؤسس للمرحلة الانتقالية القادمة وحتى الانتخابات، هذه أيضاً كلمة حق أريد بها باطل، كأنك تريد تفكيك الجسم المركزي الذي يوجد به الحد الأدنى من التماسك التنظيمي غير المتوفر لدى أي أجسام أخرى، كأنك تريد أن تسيّل المشهد السياسي وتجعل الفراغ العريض هو السائد، الحرية والتغيير هي الآن تعني الكثير وتفكيكها وتمزيقها ليس من مصلحة البلد ولا من مصلحة المسار السياسي الجاري الآن. + لماذا تتمسك الحرية والتغيير برفض لقاء العسكر، وهل ستقدم تنازلات؟ – الحرية والتغيير على طول تاريخها كان لديها استيعاب للواقع الهش الذي تعيشه البلد، كانت حريصة على العبور، وكان حمدوك يتحدث عن التجربة السودانية الفريدة والشراكة القائمة بين المكون العسكري والمدني وضرورة الالتزام بهذه الصيغة وبالوثيقة الدستورية وصولاً للانتخابات، لكن بصورة واضحة، العساكر لم يكونوا أمينين على الوثيقة ولم يكونوا مؤتمنين ولا حريصين على المضي للأمام بالوثيقة الدستورية والفترة الانتقالية حتى الوصول لانتخابات، ونحن مررنا معهم بتجربة فض الاعتصام وتجاوزناها حتى صرنا متهمين بأننا بعنا الدم “بي كم بي كم قحاتة بعتوا الدم” بالرغم من أن المسألة لم تكن بيعاً ولا شراءاً، بقدرما هي استيعاب للواقع وكنا في انتظار لجنة نبيل أديب وتحقيقاتها والاحتكام لسيادة حكم القانون، بعد التقصي والتحريات والاستيثاق من الجناة الحقيقيين، وتجاوزنا هذا الأمر وأقمنا معهم الشراكة الأولى والتي كانت بواسطة، وكانت الثقة في العساكر على طول الوقت مفقودة، واحتجنا لوسيط دولي، وكان أبي أحمد وولد لبات، وكان الوسيط الأفريقي، واستطاعت المجموعات كلها تجاوز فض الاعتصام ومن ثم وصلنا للوثيقة الدستورية ومضينا معهم، وأثناء تجربة الحكومة الأولى والثانية التي تشكلت في فبراير 2021، كان العساكر يزرعون في المتاريس والعوائق ويتجاوزون اختصاصاتهم والوثيقة الدستورية، ويعملون على إحداث رخاوة في الأداء الأمني. ظهرت 9 طويلة والمجموعات المسلحة والفوضى والانتهاكات والتعديات الكثيرة، والانقلاب نفسه واحدة من أكبر الموبقات التي ارتكبها المكون العسكري، والذي أكد أزمة الثقة التي كانت مفقودة بيننا، وأكدوا بأنهم لم يكونوا حريصين على إقامة دولة مدنية أو الوصول لانتخابات، بل العكس كانوا يضمرون شراً ويتربصون بالتجربة كلها، ولأنهم قابضين على السلاح والبندقية استطاعوا أن يحدثوا انقلاب 25 أكتوبر، وحل الحكومة الانتقالية وقادوها إلى المعتقلات، والآن نعتقد أن هناك أزمة ثقة كبيرة بيننا وبينهم ولم نعد نثق فيهم، قلنا ذلك أكثر من مرة. + قالوا أنكم جلستم معهم في الظلام، هل تمت بينكم والمكون العسكري لقاءات مؤخراً؟ – لا يوجد شيء اسمه نلتقي في الظلام، المنصة المتاحة الآن للحرية والتغيير-المجلس المركزي، للحوار والتطلع لأفق جديد هي المبادرة الأممية، ومن خلالها قدمت الحرية والتغيير رؤيتها وطرحت ورقة تحدثت عن تهيئة المناخ وعن رفع حالة الطوارئ واطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعن الحريات ووقف العنف ووقف اغتيال الشباب، ولا تستطيع أن تلتقي الحرية والتغيير في الظلام، ماذا تريد أن تفعل معها، وهي تقيم مؤتمراتها الصحفية وتعلن مواقفها بشكل صريح وملتزمة بنبض الشارع وروح الثورة وملتزمة بمطلوبات الدولة المدنية كلها، إذا التقيتهم سراً أو علانية في الظلام أو في النور، مطالبهم واضحة وليس لديهم شيء (تحت الطاولة) أو اتفاق يعقدوه مع أحد، والمنصة الوحيدة التي من شأنها أن تنقل البلد من مأزقها الراهن هي مبادرة فولكر المدعومة من الاتحاد الافريقي وهي مبادرة أممية معبرة عن مجلس الأمن وعن الأمم المتحدة والايقاد والاتحاد الأوربي وعن الأمريكان والمحيط الاقليمي من السعودية والإمارات ومصر وكل هذه الجهات تلقي بثقلها وتراهن على مبادرة فولكر التي تشكل المنصة الوحيدة المتاحة للانتقال للدولة المدنية. +لكن هناك حديث عن اتفاقات (تحت الطاولة) من بينها التزام قوى الحرية والتغيير بأن يواصل البرهان في الرئاسة وهناك تخوفات بأن تكون اللقاءات مثل الاتفاقات السابقة؟ – أنا أؤكد لك الآن، وكنت في المجلس المركزي للحرية والتغيير وناطقا رسميا باسمها، وكنت وزيراً للصناعة في مجلس الوزراء، ومفاوضاً مع العسكر في أكثر من حدث ومناسبة، لم يحدث قط أن تحدثت الحرية والتغيير مع المكون العسكري في التمديد، بل العكس، واحد من الأسباب الرئيسية التي أفضت إلى الانقلاب هي مطالبة الحرية والتغيير للمكون العسكري بتسليم السلطة في الأجل المضروب بعد نهاية فترة المكون العسكري. + هناك لقاء مشترك ضم الأطراف السياسية كلها، المكون العسكري وطرفي الحرية والتغيير، دعا له فولكر، هل نعتبر هذا اللقاء بداية للمرحلة الثانية من مبادرة فولكر؟ – لم أحضر اللقاء وليس لدي فكرة عنه، ولم ترشح عنه نتائج، ولا أعتقد أن هذه هي المرحلة الثانية، المرحلة الثانية من مبادرة فولكر لديها ترتيبات مختلفة، قائمة على تجميع المشتركات في الحوارات التي جرت مع كل الجهات، وهناك تباينات يدور حولها حوار في مائدة مستديرة وصولاً للرؤية الكلية التي من شأنها أن تعبر بالناس إلى أفق جديد. + حزبا الأمة والاتحادي أيضاً ينشطان في اطار المبادرة، هل هناك تقارب بينكم وبينهم فيما يخص القضايا المطروحة؟ – هناك تباينات وتعدد مبادرات ومواثيق، وحزب الأمة طرح ميثاق ومبادرة، وتم دمجها في الرؤية الكلية للحرية والتغيير، باعتبار أن حزب الأمة طرف ومكون أصيل في المجلس المركزي للحرية والتغيير، والاتحادي الأصل نحن في الحرية والتغيير لسنا معنيين به وبمبادرته، ولم تطرح مبادرته لنا في المجلس المركزي، وأعتقد أن الاتحادي الأصل بموجب الوثيقة الدستورية التي أبرمناها، هو حزب يفترض أن يكون محظوراً في الفترة الانتقالية عن النشاط السياسي شأنه شأن المؤتمر الوطني باعتباره شريك أصيل له، والمجموعات التي أبرمت اتفاق وحدة الاتحادي هي محموعات ضالعة في نظام البشير، أحمد بلال وإشراقة، أو حاتم السر أو أحمد سعد، هذه المجموعات ضالعة في نظام البشير وبالتالي مبادرتهم ومشاركتهم لا تعنينا كثيرا، لأنهم جزء من النظام السابق ويتحملون المسؤولية في كل الخطايا التي ارتكبها النظام السابق، وما يفعله حزب الأمة مع الاتحادي الأصل هذا شأن يعنيه، والحرية والتغيير ليست معنية بذلك على الاطلاق. + هناك مبادرات أخرى لمجموعات حزبية، والبعض يرى أن مبادرة فولكر مبادرة أجنبية ويناهضونها؟ – السودان عضو أصيل في الأمم المتحدة، والأمم المتحدة تتشكل من مجموعة المواثيق الحاكمة للعلاقات الدولية وتتكون من كل الدول الملتزمة بالمواثيق، والحديث عن أنها مبادرة أجنبية هو ضرب من الهروب، والعالم كله قرية صغيرة وأي حدث أو أي أزمة في أي دولة من دول العالم تلقي بظلالها على دول العالم، ولديها تأثيراتها الاقتصادية والسياسية وكذلك النزوح واللجوء وافرازات تنتج عن أي أزمة تتعرض لها أي دولة، والعالم يشهد ذلك بما حدث في سوريا وحركة اللجوء الواسعة، وكذلك الصومال واليمن، والتداعيات تؤثر على العالم، والعالم اليوم كالجسد الواحد، ولذلك العالم يهتم والبعثة استدعتها حكومة السودان، صحيح أن المكون العسكري في البداية عارضها ووقف في وجهها، لكنها في النهاية كانت إرادة الحرية والتغيير وحكومة السودان التي كانت حريصة على أن تكون هناك بعثة أممية تساعد البلد وحكومتها في العبور إلى انتخابات وترتيبات أمنية وقضايا الحرب، من أجل هذا كله، نحن طلبنا البعثة، ورغم التعقيدات الكثيرة التي سبقت اختيار فولكر ، لكن في النهاية انتصرت إرادة أهل السودان وجاءت البعثة، وبالتالي الحديث عن أن هذه البعثة أجنبية وليست بمبادرة سودانية ليس له معنى، وهي منصة محايدة تماما مهمتها الأساسية تسهيلات من شأنها إعانة أهل السودان للعبور من مأزقهم الراهن، والبلد في مشكلة والعالم كله يعي أن السودان يتعرض لمحنة حقيقية، ويسعى لايجاد مخرج آمن له للخروج من وضعه الراهن. + فيما يخص قضية الاتحادي الديموقراطي هناك ما يشبه الكيل بمكيالين، لماذا وافقتم على الجلوس مع الجبهة الثورية بعد أن جمدتم عضويتها وترفضون الاتحادي؟ – نحن لم نجمد عضوية الجبهة الثورية، وعندما ناقشنا العلاقة معهم، خضعت لنقاش عميق، وقدرنا أن هناك اتفاق سلام، وهم حريصين على الاتفاق، وبالتالي لم نجمد عضويتهم، قلنا نتفاوض معهم، الطاهر حجر والهادي إدريس ومالك عقار، ونبصرهم ليكونوا قوى داعمة للحرية والتغيير،ة وتستطيع أن تأخذ الاتجاهات التي من شأنها أن تدعم التحول الديموقراطي والدولة المدنية والوصول لانتخابات وتصطف مع المجلس المركزي، لكننا لم نكن على قطيعة معهم. + هذا يعني أنهم حرية وتغيير مشاركة في حكومة الانقلاب؟ – خلينا نكون واضحين، هم لديهم وضعية خاصة، جاءوا باتفاق سلام، وهم يرون بأنهم إذا وقفوا موقف مناوئ للانقلاب من شأنه أن يهزم اتفاقية السلام وكل الجهود التي بذلت في جوبا وأديس أبابا سيتم اجهاضها تماماً، وحتى لا يحدث ذلك بقوا هناك والآن في مؤتمرهم الأخير الذي انعقد في الدمازين، طرحوا مبادرة، والحرية والتغيير جلست معهم واستمعت للمبادرة، واعتقد أنها ليست مجافية ولا مغايرة لمبادرة فولكر، ومتفقين على ضرورة تهيئة المناخ ورفع حالة الطوارئ وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وتهيئة المناخ بما يساعد على قيام الدولة المدنية.
- إذا تمت تهيئة المناخ ووافق العسكر على هذه المطالب، ستجلسون مع العسكر مرة أخرى؟ – إذا أوقفوا العنف ورفعوا حالة الطوارئ وتشكلت لجنة للتحقيق في الاغتيالات وتشكيل محاكم ومحاسبة القتلة، لو تم ذلك، الخطوة التالية سينتقل الناس لبحث كيفية التحول للدولة المدنية وتسليم السلطة للقوى المدنية وعودة الجيش إلى الثكنات. + وهل يمكن أن يحتفظ ببعض الوزارات مثل الداخلية والدفاع، أم سيكون لكم رأي آخر؟ – أنا أعتقد أن هذه كانت من أكبر الأخطاء، تسمية وزيري الدفاع والداخلية من قبل المكون العسكري، وهذا يعني انقسام الولاء داخل مجلس الوزراء، وزارتي الداخلية والدفاع مهمات جداً ولديهم الأثر الأمني في مسار البلد، وبدلا من أن يكون ولاءهم الكامل والتنسيق الكامل مع مجلس الوزراء، صار ولاؤهم للمكون العسكري ولمجلس الأمن والدفاع، وبالتالي هذا خلل جوهري أن الوزارتين لم تكن خاضعتان لمجلس الوزراء، بل لمجلس السيادة والمكون العسكري تحديدا ويتلقون أوامرهم من المكون العسكري، ولم يكونا يعيرون مجلس الوزراء اهتمام، وهذا خلل جوهري، وأعتقد أن كل الوزارات ينبغي أن تخضع لرئيس الوزراء، وكل قضاياهم يجب أن تناقش داخل مجلس الوزراء والقرار الذي يصدر يجب أن ينفذ فوراً دون مراجعة أي جهة من الجهات، أو تكون هناك جهة لديها (فيتو) على على قرارات المجلس، وكان المكون العسكري لديه فيتو على وزيري الداخلية والدفاع.
-
شهدت الفترة الأخيرة عودة كادر المؤتمر الوطني وناشطيه مرة أخرى للخدمة المدنية وإطلاق عدد منهم عبر المحاكم، هل هذا يعني أن هناك تسوية ما تمت بين المؤتمر الوطني والمكون العسكري؟ – أنا أعتقد أن المكون العسكري ليس بعيداً عن المؤتمر الوطني والتنسيق معه، وبالتالي الآن نشهد هذه العودة المتسارعة لمجموعات التيار الاسلامي والمؤتمر الوطني، وهذا طبيعي جداً، لأن المكون العسكري يحتاج لحاضنة سياسية لن تتوفر له إلا من خلال البحث عن عناصر المؤتمر الوطني واستقطابه وإعادتهم لمفاصل السلطة، علماً أنهم موجودين في مفاصل السلطة ومتحكمين فيها ولديهم مصالح كبيرة استطاع النظام البائد أن يخلقها لهم، وبالتالي هي متغلقلة في المؤسسة العسكرية والمؤسسات الاقتصادية والمصارف والأجهزة النظامية المختلفة، وتحس أن ما يجري الآن ليس بعيداً عن المصالح المشتركة بين المجموعات الحاكمة والمجموعات الانقلابية الراهنة ومجموعات المؤتمر الوطني، وبالتالي أعادهم للخدمة المدنية وفك تجميد حساباتهم المصرفية المجمدة، وأعتقد أن الطريقة الأمثل هو أن يتم تشكيل لجنة استئنافات للجنة التفكيك، والتي تم تغييبها في الفترة الماضية من مجلس السيادة، الذي كان يجب أن يشكل لجنة الاستئناف بالتنسيق مع مجلس الوزراء، وبموجب القانون، والقانون لم يلغى، وبموجبه كان يجب أن تشكل لجنة الاستئناف، ولا أعتقد أن لجنة التفكبك اتخذت قراراتها تعسفاً، كانت تأتي بالملفات المختلفة للعناصر التي تم إبعادها، وكانت ترى أن الموظف وصل إلى ما وصل إليه في سلك الخدمة المدنية من تاريخ تعيينه وإلى الدرجة القيادية التي وصل إليها، وهل كانت درجة مستحقة أم أنها ممارسة لتمكين وولاء على حساب الكفاءة والخبرة والشهادات العلمية، وكل مطلوبات الوظيفة العامة.
هذا الأمر أخذ وقت طويل جداً، ومثلاً عندما أتيت في وزارة الصناعة في فبراير 2021، وتشكلت الحكومة في أغسطس 2019، ولا تزال لجنة التفكيك تعمل في وزارة الصناعة وتطالع الملفات وتخضعها لدراسة عميقة، وكان هناك ملفات موظفي خدمة مدنية تُبحث ملف ملف، ولذلك أخذ الأمر أكثر من عامين في وزارة الصناعة، وعلى ذلك قس. هذه تجربة أنا شاهد عليها، ولم يتم اتخاذ قرارات متعجلة على أساس الانتماء السياسي، أو تقول أن هؤلاء اسلاميين ويذهبوا إلى المعاش، بل هناك معايير دقيقة جداً، تحت موظفي خدمة مدنية يراعوا الأسس وتقييم الخدمة المدنية للوظيفة العامة، وأنا أعتقد أن هذا الأمر كله يجب أن يخضع للجنة استئنافات، وتخضع الملفات المختلفة وليس عبر قضاء مستعجل لم يدرس المسألة، وواضح أن القضاء الآن يعيد الناس بأعداد كبيرة وبقرارات مستعجلة. + هناك حديث بأن هناك صراع داخل المؤسسة العسكرية في الاستنصار بالمؤتمر الوطني ضد المجموعة الأخرى؟ – قلت بأن المكون العسكري به أكثر من لسان وتوجه، وهناك جهة يمكن أن تتخذ قرار بعودة مفصولين وفك تجميد حسابات، ويمكن أن يكون رئيس مجلس السيادة نفسه لا يعلم بذلك، هناك اجتهادات كثيرة من قبل مجموعات داخل المكون العسكري يمكن أن تتخذ قرارات تفاجئ مجموعة أخرى، ولا أعتقد أن هذه المسائل تخضع لمدارسة من قبل كل المكون العسكري مجتمعاً، وواضح جداً أن الاجتهادات الفردية هي الطاغية على الأداء، في حين أن هناك مؤسسة يجب أن تتخذ القرار وفق إجراءات معلومة. + باعتبارك وزيراً سابقاً، هناك مؤسسات اقتصادية تحت يد المكون العسكري يمكن إذا وضعت تحت يد وزارة المالية أن تحل أزمة البلاد، هل بسيطرة المكون العسكري يمكن أن يتراجع الاقتصاد أم سيزدهر؟ – المكون العسكري من خلال منظومة الصناعات الدفاعية يضع يده على موارد ضخمة جدا ومؤسسات صناعية كبيرة، ورأس مال كبير جداً وبها خبرات وكوادر وخبرات عالية التدريب، لكن المنتج النهائي لهذه المصانع المختلفة لا يصب في خزينة وزارة المالية، وفي تجربتنا أثناء الحكومة الانتقالية الثانية أدرنا حوارات مع المجموعة التي تدير منظومة الصناعات الدفاعية وبمتابعة وزير الدفاع، أدرنا حوار بعد الزيارة التاريخية لرئيس الوزراء، وتم التوافق على بعض الاجراءات وكنا بصدد تحويل المنظومة لوزارة المالية عبر مقترح محدد مكون من ثلاثة مصارف أساسية، قلنا أن جزء من عائدة المنظومة يذهب إلى صيانة ورعاية المؤسسة وجزء آخر إلى إعادة تأهيل القوات المسلحة، والجزء الأكبر يمضي لوزارة المالية باعتباره مال عام ولصالح الجماهير العريضة. + وهل تم تنفيذ الاتفاق؟ – كنا في الإجراءات الأخيرة وشرعنا في مجلس الوزراء، وتدخل وزير الدفاع متعللاً بأن القائد العام يحتاج لوقت وجلسنا مرة أخرى في وزارة الدفاع بحضور ميرغني إدريس وشخصي ووزير الدفاع واتفقنا على أن يمضي الاتفاق كما أبرمناه، وكان يفترض أن يعرضوا هذا الأمر للبرهان باعتباره رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة، وكان هناك مجالس إدارة ومجالس أمناء، سيكونان أعلى سلطة في منظومة الصناعات الدفاعية، وهناك وزارات وهيئات داخل المنظومة وجزء من الاتفاق والترتيب القادم، لكن جاء الانقلاب وقطع الطريق أمام كل هذه الإجراءات. +بحسب الوثيقة هل كان يجب أن تمضي المؤسسات الاقتصادية العسكرية بما فيها شركات ومؤسسات الدعم السريع إلى وزارة المالية؟ – المنظومة العسكرية كلها، الجيش والدعم والشرطة، والأمن، كان يجب أن تنتهي أنشطتها التجارية المختلفة وتؤول لوزارة المالية، ومن ثم تلتزم وزارة المالية بسداد كل الأعباء وبناء وتسليح وتدريب هذه الأجهزة ورفع قدراتها، من مصادر وزارة المالية، كل هذا الأمر كان رهيناً بالترتيبات الأمنية، وهي يجب أن تقصر المسافة وتصنع جيش واحد وتصبح المهمة سهلة.
- هل ترى أن هذه واحدة من أسباب الانقلاب؟ – الانقلاب صراع سلطة وموارد، هذان سببان جوهريان افضيا إلى الانقلاب، كان المكون العسكري يطمع في التمدد على مستوى السلطة، وبدأ يتحدث عن أن المجموعة التي تسيطر على السلطة صغيرة و4 طويلة، بالرغم من أن الحكومة بها 7 وزارات للجبهة الثورية، وفقا لاتفاق السلام، وهناك وزير الداخلية والدفاع من المكون العسكري، وهناك أيضاً عدد من التكنوقراط ليس لديهم انتماءات سياسية، من خلفيات مهنية ومدنية، 5 منهم من خلفيات مهنية، وبالتالي الحديث عن توسيع المشاركة وأن هناك من اختطف الثورة غير سليم، وهذه المجموعة تحملت كلفت التغيير وصارعت النظام وتحدثت عن التحول الديموقراطي وشكلت الحكومة وشكلت مع الجبهة الثورية الحكومة الثانية وقبلت باتفاق السلام استشعارا للمسؤولية التاريخية التي تواجه البلد، وتحملا للمسؤولية وأي حديث عن أن هناك مجموعات اختطفت هذا حديث غير صحيح.
-
هناك وعود بودائع لكن الواقع مظلم، كيف ترى مستقبل الاقتصاد في البلاد؟ – من وقت باكر أن جوهر الأزمة تتعلق بالاقتصاد الكلي، قضية الانتاج والبنيات الأساسية وسعر الصرف، لا يوجد سكة حديد ولا موانئ لديها جاهزية للتقبل التحول الاقتصادي الكبير، والانتاج متدني، صحيح أن هناك أرض ونهر ومطر لكن لا توجد آليات ولا سماد ولا تقاوي، حصادات زراعات ومبيدات من وقت باكر، لاستباق موسمين شتوي وصيفي، وهذا غير متوفر، وهناك مشكلة في التيار الكهربائي، هناك عجز كبير في الكهرباء والوقود، رغم الانتاج في البترول، حجم الاستهلاك أكبر بكثير عن الانتاج، وهو يدخل في التنمية وفي المواسم نبحث عن وقود لتشغيل الآليات، وكل هذه الآليات أكل عليها الدهر وشرب، وتحتاج لملايين الدولارات لتعاد صيانتها وتغيير الأنظمة. الاقتصاد يعاني من هذه المشكلات وأي حديث عن الودائع هو حديث غير واعي بمشكلا ت الاقتصاد السوداني. كانت الحكومة الانتقالية قد أخضعت هذه المشكلات إلى دراسة عميقة، واستطاعت في ديسمبر وحتى يناير 2021 توفر لديها موارد، بالرغم من عدم توفر الموارد، ومواردنا الأساسية قائمة على الضرائب والجمارك وهناك مشاكل في تحصيلهما، والتجربة الانتقالية استطاعت أن تبرم اتفاقات واصلاحات اقتصادية مع مؤسسات اقتصادية ومالية دولية، وكانت لديها استعداد لتقرض السودان، وكنا ذاهبين لإلغاء الديون وقطعنا شوط وكان يمكن أن ننتهي من ديون كثيرة ونتحرر من التزام الديون وسدادها، لكن أهدرت هذه الفرص من بين يدي السودانيين بالانقلاب العسكري.
حوار: أشرف عبدالعزيز – حافظ كبير
الخرطوم: (صحيفة الجريدة)