هل جرب أحدنا أن يقضي أيامه بلا عمل ولا هدف، وبلا نتيجة ينتظر تحقيقها، لا شك أنها حياة أقرب للعبث؟ وهل فكّر أحدنا إن كان يستطيع قضاء ساعات طويلة في عمل يتكرر كل يوم.
بذات المشقة ونفس الصعوبة، لأن هناك قوة خارجية تهدده وتجبره وتلزمه بذلك العمل؟.
في الحالة الأولى، إما أنه سيجن، أو سيشعر في لحظة ما بأنه مستعد لأن يقتل نفسه، على أن يستمر في حالة العبث تلك، كثور أعمى، يدور في أرض يحرثها بلا نهاية، ومن هنا، يصح الاستشهاد بالقصص والحوادث التي تتحدث عن أشخاص انتحروا بسبب اليأس والإحباط واللا جدوى!
أما في الحالة الثانية، فإنه في أغلب الظن لا يشعر الإنسان بالمشقة والتعب، لأنه يؤدي عملاً متكرراً وعسيراً كل يوم، فهذا هو حال كل الناس في كل مكان، إن صعوبة ومشقة الأعمال التي يقوم بها، ليست في تكرارها وعسرها، ولكن لأنه مجبر عليها، فهو يؤديها تحت التهديد والخوف من العقاب!
نحن لا ننتبه لما يعانيه الكثيرون ممن غادروا وظائفهم بسبب وصولهم سن التقاعد، دون أن تكون لديهم أية بدائل لشغل الوقت المتبقي من أعمارهم، وأولئك الذين أكرهوا على ترك أعمالهم دون سبب، وأولئك الذين سيلازمون منازلهم أو مقاعدهم لفترات طويلة، بسبب المرض أو الحوادث مثلاً، كل هؤلاء لا يملكون بدائل لتمضية الوقت، ما يجعل العبث يحلق فوق رؤوسهم!
يقول الروائي الروسي دستويفسكي، في روايته «مذكرات من البيت الميت» (خطر ببالي ذات يوم، أنه إذا أريد إهلاك إنسان ومعاقبته بفظاعة، وسحقه سحقاً شديداً يرتاع منه حتى أعتى القتلة، يكفي أن تضفي على عمله صفة عدم الجدوى، بل العبثية)، يقول إن السجناء نادراً ما ينتحرون في السجن، رغم المشقة وشدة العقوبات، والسبب أنهم منهمكون دائماً في تأدية أعمال، يرونها مهمة، فيعمدون إلى تحسينها وتأديتها ببراعة، خلاف الأعمال التي تسقط السجين في حالة من الهوان والعذاب، عندما يجبر على تأدية القيام بعمل بلا معنى، كملء خزان ماء ثم تفريغه مثلاً!!
المصدر : عائشة سلطان