سودافاكس ـ أكثر منصات الكمبيوتر والهاتف قربا إلى قلبي هي يوتيوب حيث تجد مقاطع فيديو حول كل شيء، وتجدني ولو لبضع دقائق يوميا وسماعة مغروزة في أذنيّ لالتقاط معزوفات موسيقية معينة، فلي شغف بالموسيقى الهادئة الناعمة، ومن ثم لا أطيق الدوشة التي هي الإزعاج، ولا أعني بذلك فقط أبواق السيارات وهدير حركة المرور وما إلى ذلك، بل أعني أيضًا التجمعات البشرية، بما في ذلك الحفلات والولائم الكبيرة، وبداهة فإنني لا أحضر الحفلات الغنائية، والتي تكون عادة مصحوبة بكثير من الهرج والصياح، بل أعترف وأفتخر بأنني صنت أذني عن كثير من الدنس الموسيقيِّ العربيِّ المعاصر، ليس فقط لأنه يخاطب الأعضاء التناسلية وليس الأذن، ولكن أيضًا لأن معظم المطربين والمطربات يسجلون أغانيهم في ورش في المنطقة الصناعية، فمن الواضح أنهم يستعينون بالحدادين والسباكين والنجارين لممارسة ما يحسبونه عزفا موسيقيا مصاحبا لكلمات أغانيهم الركيكة.
في مستشفيات سلوفاكيا -وهي جمهورية زرتها وأعتقد أنها تستحق عضوية الجامعة العربية لبؤس حالها- اكتشف الأطباء أن تشغيل السيمفونيات في عنابر الأطفال حديثي الولادة، يجعلهم أكثر ميلا إلى الهدوء والنوم، والسيمفونية عمل موسيقي معقد ومركب يشارك فيها أكثر من ثلاثين عازفا على آلات لا نعرف نحن لها أسماء، وقرأت قبل سنوات دراسة قالت إن الاستماع إلى موسيقى النمساوي موزارت يرفع معدلات الذكاء، وتلك الدراسة تفسر نبوغي المتأخر، ففي الثمانينيات صدر فيلم أماديوس الذي يحكي قصة ذلك الفتى الذي برع في العزف الموسيقي وهو بعد طفل، ولم تكن بي رغبة لمشاهدة الفيلم لأن السيمفونيات كانت بالنسبة إلي مثل جر برميل مليء بالحصى على بلاط مفكك، ولكن صديقًا لي أتاني بشريط فيديو لأماديوس وقلت «اللهم طولك يا روح» وجلست أتابع الفيلم الذي شدني في أوله معاناة موزارت كطفل وصبي، ثم توالت القطع الموسيقية، وشيئًا فشيئا وجدت نفسي مشدودًا إلى معزوفات موزارت، بل شاهدت الفيلم أكثر من عشر مرات خلال 48 ساعة، وهكذا انضممت إلى قائمة المتحضرين الذي يتذوقون الموسيقى الكلاسيكية، ولكن «مؤقتًا»، بمعنى أنني لم أشغل نفسي باقتناء مقطوعات موزارت، رغم أنها تشدني كلما استمعت إليها مصادفة في جو شديد الهدوء، والمؤسف هو أن سيمفونيات موزارت جعلتني ذكيا –على ذمة تلك الدراسة– بعد فوات الأوان، ولو كان أهلي «مثقفين موسيقيا» وأسمعوني السيمفونيات لما «فشّلتهم» في الرياضيات.
وفي دراسة أجريت مؤخرًا في بريطانيا جلس 75 شخصًا لامتحان رياضيات صعب ومعقد، وبقياس ضغط الدم عندهم، اتضح أنه ارتفع بمتوسط عشر نقاط عند كل واحد منهم، وبعدها تم تقسيمهم إلى ثلاث مجموعات: واحدة تستمع إلى الموسيقى الحديثة وثانية إلى الموسيقى الكلاسيكية وثالثة في قاعة يسودها الهدوء التام، وعاد ضغط الدم إلى معدلاته العادية لدى الفئتين الأخيرتين بينما ظل مرتفعًا لدى من استمعوا إلى موسيقى الروك والبوب، ولحسن حظ من خضعوا للاختبار فإن بريطانيا لم تسمع بموسيقى شعبان عبدالرحيم التي لو استمع إليها طفل عمره خمسة أشهر لأصيب بجلطة دماغية. أنا أعرف أن شعبان خفيف الظل ومن النوع الذي لا تستطيع أن تكرهه مثل كراهيتي لفاروق الفيشاوي رحمه الله وسامحني، أو – إذا كنت متخلفًا – روبي والعجرمية وهيفا، ولكن صوته أسوأ من صوت شيخ تسعيني مصاب بسعال ديكي نتج عن إصابته بإنفلونزا الطيور والبعير.
المهم: نصيحتي للقارئ هي أن يتجنب الموسيقى العربية المعاصرة لأنها ترفع ضغط الدم وتسبب التهاب القولون وتولد الغازات الهضمية، ولا يعني ذلك أنني أشجعه على الاستماع إلى موزارت أو بيتهوفن، بل بالتمتع بنعمة الهدوء. اترك سيارتك مفتوحة حتى يتسنى لأحد الأغبياء سرقة جهاز الراديو والتسجيل الخاص بها، ثم اجلس بداخلها وأغلق نوافذها بالغراء وتمتع بالهدوء وفي البيت، لا تفتح التلفزيون على قناة عربية كي لا تسمع موسيقى أو خطبًا كلها تقصر العمر كما يقال مجازيا عن كل ما «ينكد عليك عيشتك».