سودافاكس _ لو بسط أمامك شخص ما بعض الأمثلة الموثقة فمن المحتمل أن تقتنع، أن بإمكان ذوي الاختصاص من الناس التنبؤ بما سيكون عليه المستقبل في المدى القصير، في العامين أو الثلاثة، أما على المدى الأطول من ذلك، في الـ 5 أعوام أو الـ 10 المقبلة، تصبح عملية التنبؤ ليست سهلة، وبالتالي فإن اقتناعك بنتائجها يصبح ضعيفاً هو الآخر. ورغم ذلك ثمة من اعتمد تنبؤات ما سيحدث ويكون عليه الوضع بعد 10 أعوام من الآن، وهي فترة طويلة نسبياً. ولكن التنبؤ أصبح اليوم علماً أطلق عليه «علم المستقبليات».
ومن تلك الأمثلة الاستعادية أنه في العام 2005 كان «فيسبوك» لا يستخدمه سوى طلاب الثانوية والكليات الجامعية، كما أن برامج «جوجل للخرائط» ولسبب حداثته كانت الناس تتردد في الاعتماد عليه، وأما «تويتر» فلم يكن موجوداً في تلك الفترة، وكان مجرد الحديث عن تكنولوجيا السيارات ذاتية القيادة مجلبة للضيق والنفور من حول المتحدث، وكذا كان ذكر الطائرات المسيّرة «الدرونز» يعتبر سبباً كافياً لزيارة أقرب مشفى للطب النفسي.
الانطلاق في موضوعنا يبدأ من تقرير لأحد كبار الخبراء والمتخصصين في علم المستقبليات يدعى جيم كارول Jim Carroll، وكانت قد اعتمدت على محتواه وأخذت ببعضه، مؤسسات وشركات معتبرة من بينها وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا»، وشركة ديزني والعديد من أفلام الخيال العلمي الذي أضحى بعد فترة من الزمن حقيقة ملموسة. واختيار الموضوعات من التقرير سيكون انتقائياً مراعاة للمساحة.
جاء التقرير بما يزيد على 20 اتجاهاً يوصي بأنه من الضروري التفكير بها، ومن بينها: اختفاء النقود السائلة cash money واستبدالها بالعملة الرقمية، وهذه شهد الناس مطالعها وبعضهم انخرط في تعاملاتها لذلك لا تحتاج إلى تفصيل. والتوجه الثاني يرى أن في الـ 10 أعوام المقبلة، فإن أفريقيا الزراعية لن تبقى كما هي، لماذا؟ بسبب ازدياد هجرة السكان من الأرياف إلى المناطق الحضرية، فمعظم سكان العالم سوف يعيشون بعد عقد من الآن في مدن كبرى – mega cities حيث فرص العمل ستنحصر في التخديم على البنى التحتية لهذه المدن الواسعة جداً والمعززة بالتقنية الحديثة والذكاء الاصطناعي. وستهمل الزراعة إلى حد كبير. وتحت عنوان: «المزيد من الارتفاعات الشاهقة»، يتحدث التقرير عن التحضر المفرط الذي لن يكون معه أمام العالم سوى خيارين: الارتفاع في السماء أو الحفر في الأرض، ما يقتضي التفكير الإبداعي بشأن تكنولوجيا ناطحات السحاب والمباني الضخمة الشاهقة ومثلها تحت الأرض، مما سيزيد الطلب على مديري البنية التحتية للمباني الرأسية والجوف – أرضية إن جاز التعبير. وبعد العشرية المقبلة، سيكون بمقدور النباتات التحدث إلى البشر بعد أن أمضى الإنسان عمره في التحدث إليها والتغني بجمالها، فبالنظام نفسه الذي سبق عرضه بالنسبة للبشر؛ سيتم زرع رقاقة صغيرة في النبات تساعده على تحليل بياناته ليعلمنا فيما إذا كان بحاجة إلى ماء أو نيتروجين وإلى أمور أخرى لم نكن نفهمها عند أمم النبات، فضلاً عن زيادة الطلب على الابتكار التقني في مجال الزراعة، كما أن حيوانات المزارع ستكون هي الأخرى جزءاً من المنظومة التقنية الراصدة التي سيتحكم بها الفلاحون.
ويأتي توليد الطاقة من بين الاتجاهات التي ستصبح في متناول الجميع وفي كل مكان؛ إذ سيتجه العالم إلى توليد الطاقة من الدراجات الهيدروليكية التي تستطيع تخزينها أيضاً وذلك عبر قيادة الإنسان لها، وأما الطاقة الكهربائية في المنازل فسيتم توليدها من خلال مشي سكانها على نوع جديد من أغطية الأرضيات الذكية، ما يعني أن عليهم الحركة الدؤوبة من أجل ضمان طاقة إضاءة مستمرة. إضافة إلى اعتماد الشمس مصدراً إضافياً لتوليد الطاقة المنزلية. ومن الاتجاهات أيضاً أن العالم سيشهد وجود 12 جيلاً يعيشون سوية في عائلة واحدة بدلاً من 4 أجيال أو 5 كما في الراهن المعاش، وسبب ذلك هو التقدم في العمر وفي الرعاية الصحية، والتقدم في أسلوب الحياة وفي الوعي الغذائي والصحي. وأما الصناعات فستنقلب رأساً على عقب؛ فالطب الجيني سيقود العالم إلى معرفة ما هي الظروف الصحية التي يجب أن نخشاها، بمعنى أنه سيتم الانتقال من نظام معالجة الشخص من المرض إلى نظام آخر يجعلك على علم باحتمال متى ستصبح مريضاً، ما يعطيك فرصة للتحوط والحذر والنجاة من المرض.
وفي مجال التعليم، سوف ينتهي مفهوم المستوى التعليمي، وستختفي الشهادات الجامعية والسيرة الذاتية، وسيصبح بإمكان كل فرد تعلّم المهارات التي يحتاجها بشكل ذاتي أو مع شركاء، وكل شخص سيمتلك قدرة الحصول على المعرفة لأي غرض يحتاجه وفي الوقت الذي يراه مناسباً.
المصدر : محمد حسن الحربي