أحدثها في أسوان.. متى تتوقف ظاهرة “المستريحين” والنصب على المصريين؟

من جديد عادت ظاهرة النصب على المصريين باسم توظيف الأموال، وكان آخرها سقوط نصّاب في مركز إدفو بمحافظة أسوان جنوبا، بعد قيامه بجمع مئات الملايين من الجنيهات من الأهالي بدعوى توظيفها في تجارة الماشية.

وسيطرت حالة من الغضب على قرى ونجوع محافظة أسوان خلال الأيام الماضية، بعد وقوع الأهالي ضحية لعملية نصب قادها سائق “توك توك” يدعى “مصطفى البنك” عرف إعلاميا باسم “مستريّح أسوان”.

وتمكن “المستريح” الجديد، وهو شاب عمره 35 عاما وسبق سجنه في عدة قضايا جنائية، من الاستيلاء على أموال طائلة تصل إلى ما بين 500 مليون وملياري جنيه، وفقا لروايات الأهالي، و200 مليون جنيه وفقا لبيان وزارة الداخلية.

وترجع تسمية “المستريح” إلى قضية النصاب أحمد مصطفى وشهرته “أحمد المستريح” الذي استولى على ملايين الجنيهات من المواطنين، وألقي القبض عليه منتصف عام 2015، وحكم عليه بالسجن 15 عاما.

ومنذ ذلك الحين دأبت وسائل الإعلام على إطلاق لقب “مستريح” على من يقوم بالنصب على المواطنين بحجة استثمار أموالهم وتشغيلها مقابل أرباح شهرية كبيرة.

طمع وحسرة
“كله راح، كله راح”، بحسرة واضحة يردد أحد ضحايا مستريح أسوان هذه العبارة، بعدما فقد أمواله وماشيته التي أعطاها لمصطفى البنك عن طيب خاطر، طمعا في الأرباح الخيالية التي وعده بها.

وكان صيت مصطفى البدري الشهير بـ”مصطفى البنك” قد ذاع بين الأهالي لقيامه بشراء الماشية بأسعار مضاعفة بنظام “الوعدة” أي تسديد الثمن مضاعفا بعد 21 يوما، وبالفعل قام بتسليم بعض الأهالي جزءا من الأرباح، وهو ما أسال لعابهم ودفعهم إلى إعطائه المزيد.

وانتشرت العديد من المقاطع المصورة للنصاب يدعي فيها القيام بتوزيع الأرباح على الأهالي، وهو ما حفز الكثيرين على الثقة فيه وتسليمه أموالهم لاستثمارها، قبل أن يتوقف عن السداد ويختفي فجأة، وبدأ الضحايا في التجمهر أمام منزله للمطالبة بأموالهم التي تبخرت.

وانهالت البلاغات ضد النصاب لتبدأ السلطات الأمنية في التحرك وتقوم بإلقاء القبض عليه الخميس الماضي بعد عملية مطاردة انتهت بمقتل اثنين من لواءات الشرطة في حادث مروري خلال عودتهما.

سقوط “مستريح” أسوان كان بداية لسقوط سلسلة أخرى من المستريحين الذين قاموا بالنصب على الأهالي بنفس الطريقة، ومنهم طاهر الحصاوي وهو أيضا من إدفو في أسوان، واستولى على نحو 100 مليون جنيه من المواطنين، وذلك بحجة توظيفها في تجارة السيارات والماشية بأرباح خيالية وإعادة الأموال خلال 15 يوما فقط.

وبعد تجمهر الأهالي ووقوع أعمال شغب وعنف في القرية، تمكنت أجهزة الأمن يوم السبت من ضبط الحصاوي في محافظة الجيزة وبحوزته 16 سبيكة ذهبية تزن 10.5 كيلوغرامات ومبالغ مالية.

وتحدثت وسائل إعلام مصرية عن القبض على 4 نصابين خلال الأيام الماضية والبحث عن 4 آخرين، قاموا بالنصب على الأهالي في أسوان بالطريقة نفسها.

ظاهرة المستريحين

وإذا كانت تسمية “المستريح” ترجع إلى عام 2015، فإن ظاهرة توظيف الأموال ترجع إلى زمن أقدم وبالتحديد في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي حين انتشرت شركات توظيف الأموال، وكان أشهرها شركات الريان والسعد والهدى.

وتمكنت هذه الشركات وقتها من جمع مليارات الجنيهات من المواطنين بهدف استثمارها، وبالفعل جنى المودعون أرباحا لا بأس بها تحت سمع وبصر الحكومة وبرعاية الإعلام، لكن الحكومة غيّرت موقفها لاحقا من هذه الشركات وقررت إغلاقها بتهمة إهدار أموال المودعين، وتحفظت عليها وبدأت في بيع أصولها لرد الأموال إلى المواطنين وهو ما استغرق سنوات طويلة، وتم الرد أحيانا نقدا وأحيانا بضائع بأسعار مبالغ فيها، مما تسبب في خسائر كبيرة للمودعين.

وما زال الجدل قائما حول هذه الشركات حتى اليوم، بين قائل إنها كانت تقوم بالنصب على المواطنين ودفع الأرباح من أموال المودعين الجدد، وبين من يقول إن الحكومة تدخلت ضدهم لحماية البنوك التي اشتكت من انسحاب العملاء منها لصالح شركات التوظيف.

الخلطة السحرية

وما بين ذكاء النصاب وطمع الضحية وسوء الأحوال الاقتصادية، تكمن خلطة “المستريح” السحرية، حيث يبدأ النصاب في نسج شباكه حول ضحايا بذكاء بالترويج لعمله في نشاط أو تجارة رابحة ويوهم الناس بدفع نسب أرباح مرتفعة للغاية، وهي الأرباح التي لا يمكن الحصول عليها بطرق التجارة العادية.

يكسب المستريح ثقة ضحاياه مع منحهم الأرباح الأولى، ليشرع كل من حصل على الربح في الدعاية للنصاب وجذب ضحايا جدد من أقربائه وأصدقائه لتوظيف أموالهم.

وسرعان ما يقوم المواطنون ببيع ممتلكاتهم من أراض وعقارات ومشغولات ذهبية، ليلقوها عن طيب خاطر لدى المستريح، طمعا في الأرباح الفلكية التي وعدهم بها.

وخلال شهور قليلة تصل حصيلة النصاب إلى مبالغ فلكية، لتبدأ رحلة الهروب والاختفاء عن الأنظار، ووقتها يدرك الضحايا أن أموالهم قد ذهبت أدراج الرياح.

مستريح لكل محافظة

ورغم انتشار الظاهرة في العديد من المحافظات المصرية والإعلان المتكرر عن سقوط المستريحين ورغم التشابه الكبير في أساليب وطرق النصب، غير أن الأمر ما زال يتكرر بكثرة سواء في القرى أو المدن.

حجم انتشار الظاهرة تكشف عنه الأرقام الضخمة التي جمعها هؤلاء ونذكر منها بعض النماذج نقلا عن الإعلام المحلي في مصر:

مستريح المنيا (حسين.م) الشهير بمستر حسين استولى على ما يزيد على مليار ونصف المليار جنيه من أهالي المنيا، بزعم استثمارها في تجارة وتصدير الرخام إلى الصين.
مستريح الشرقية (حسني ش) خدع أهالي قريته وتمكن من جمع مبالغ مالية تصل إلى مليار جنيه، بدعوى توظيفها في مشاريع تجارية مقابل ربح يصل إلى 50%.
مستريح المنوفية “م. ع. أ” تمكن من الاستيلاء على أكثر من 200 مليون جنيه من أهالي المنوفية مقابل توظيفها، قبل أن يتم إلقاء القبض عليه، لينهي حياته منتحرا داخل محبسه في فبراير/شباط 2021.
مستريح آخر بالمنوفية مشهور باسم “دراز” جمع نصف مليار جنيه من ضحاياه البالغ عددهم 1300 مواطن، بدعوى استثمارها في شركات الدعاية بمدينة شبين الكوم.
مستريح الغربية وهو طبيب تمكن من جمع 400 مليون جنيه من المواطنين لتوظيفها في مركز للجراحات والمناظير أنشأه في مدينة كفر الزيات التابعة لمحافظة الغربية شمال القاهرة، وألقي القبض عليه في فبراير/شباط 2021.
أما مستريح طنطا فقد استطاع الاستيلاء على 600 مليون جنيه، بزعم توظيفها في العقارات والسيارات مطلع عام 2019.
مستريح البحيرة حصل على ما يقارب نصف مليار جنيه من المواطنين، بعد أن أوهمهم بتوظيفها في استيراد معدات لشركات الكهرباء الكبرى.
النماذج السابقة هي أمثلة بسيطة لهذه الظاهرة ويكفي الذهاب إلى محرك البحث “غوغل” وكتابة كلمة “مستريح” لتظهر عشرات القضايا المماثلة ومليارات الجنيهات المنهوبة.

طمع أم قلة حيلة؟

التساؤل عن سبب لجوء المواطنين إلى هذه الطريقة لاستثمار أموالهم بدلا من الطرق المشروعة، كان محل جدل ونقاش واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، فبينما يرى البعض أن الأمر مجرد طمع، يقول آخرون إن انعدام وجود رؤية لدى الضحايا لاستثمار أموالهم بمشاريع خاصة، وعدم ثقة المواطنين في النظام المصرفي القائم هو سبب الظاهرة.

وبينما يجادل البعض بأن هذه الظاهرة تشير إلى امتلاك المصريين أموالا طائلة، يقول آخرون إن سوء الأحوال الاقتصادية تدفع المواطن إلى بيع ممتلكاته والاقتراض لاستثمارها بهذه الطريقة، للحصول على مورد رزق يغطي الاحتياجات المتصاعدة في ظل ارتفاع الأسعار.

تقاعس أمني

واستنكر البعض عدم تدخل السلطات مبكرا في هذه القضايا، وعدم اتخاذ أي إجراءات ضد النصاب إلا بعد لجوء الناس إلى تقديم بلاغات عندما يتوقف النصاب عن الدفع واكتشاف هروبه بالأموال التي جمعها.

البعض يدافع بأن السلطات لا تتدخل قبل تقديم بلاغات حتى لا تتهم بمحاربة رجال الأعمال، بينما يتهم آخرون شخصيات نافذة في الجهات الأمنية والسلطة التنفيذية بمساعدة المستريحين وحمايتهم، ويزعم البعض أن المستريح غالبا ما يكون واجهة لشخصيات مهمة.

ويشير آخرون إلى أن مستريح أسوان بنى حظائره على أراضي الدولة دون أن يتعرض لأي مساءلة، رغم ذيوع صيته في محافظة أسوان والمحافظات المجاورة منذ أشهر!

الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.