بزيادة (10) ألف حالة.. الطلاق.. الوضع الاقتصادي المتهم الأول

سودافاكس ـ علي بلدو: الطلاق أصبح حلماً للكثير من الزوجات بسبب المشاكل!!

هيثم فتحي: ارتفاع حالات الطلاق ترجع الى البطالة وعدم قدرة الزوج على الإيفاء بالتزاماته الأسرية!!
محمد الناير : على الدولة أن تقوم بدورها في معالجة القضايا الاقتصادية لتخفيف الأعباء المعيشية على المواطن ..!!

 

ارتفعت معدلات الطلاق في السودان إلى حد أصبح فيه ظاهرة متفشية بلغت معدلاتها الذروة، في مجتمع عرف بترابطه وقوة أواصره الأسرية؛ وبدت الاوضاع الاقتصادية والمعيشية التي يعاني منها المواطنون في السودان هي السبب الرئيس , حيث حولت الظروف الحياتية الصعبة قداسة الزواج إلى مجرد عقد، يتفق فيه طرفاه على الطلاق والترتيبات اللاحقة بدلاً من التوافق على مواصلة الشراكة والتفاهم.

 

ومع تزايد وتنوع حالات الطلاق تُطرح كثير من التساؤلات حول أسباب هذه الظاهرة، وكيفية معالجتها؛ خاصة بعد صدور تقرير يكشف احصائيات رسمية صادرة عن السلطة القضائية بالسودان الى ان فترة من عام (2016_2020)شهدت ارتفاعا كبيرا بين حالات الطلاق بلغت (270,876)حالة في عام 2020 هذه هي الحالات المحصورة طبقاً لسجلات المحاكم فهناك اخرى لم تصلها، فيما كشفت إحصائية جديدة صدرت في الفترة الفترة الماضية عن وقوع (70)الف حالة طلاق خلال 2021 أي بزيادة بلغت (10)آلاف.
في هذا السياق، استطلعت (الجريدة) عدداً من الاختصاصيين في علم النفس والاجتماع وخبراء اقتصاديين ومحامين لتقف عند آرائهم ونصائحهم حول كيفية تجنب حالات الطلاق التي تعتبر من أقسى وأصعب الأحداث التي تصادف الأسرة.

 

أسباب الطلاق
أكد خبراء علم نفس والاجتماع ان مجموعة من العوامل تكمن وراء ظاهرة الطلاق؛ أبرزها سوء الاختيار بين الطرفين وغياب التكافؤ، إضافة إلى تدخل الأهل في حياة أولادهم، وكذلك الحالة الاقتصادية، وعدم وجود برامج تأهيل للمقبلين على الزواج للتعريف به وتحدياته وكيفية التغلب على المشكلات.

عدم الثقة
في ذات السياق قال البروفيسور علي بلدو استشاري امراض الطب النفسي والعصبي لـ( الجريدة) إن هنالك تزايد في حالات الطلاق في السودان بواقع 7 حالات طلاق في الساعة الواحدة وهذا مؤشر خطير جداً، ويقود الى أثار نفسية واجتماعية خطيرة على الزوج والزوجة، وعلى الأسرة والابناء والمجتمع عموماً، ولتفصيل ذلك يقول المختص النفسي بلدو الأثر الأول هو الشعور بالصدمة , بجانب محاولة اشراك الأبناء في المشاكل، وجذبهم تجاه احد الطليقين مما يؤدي الى تعقيدات كبيرة لغاية في بناء شخصيتهم وشعورهم بالاهتزاز وعدم الثقة، وتنازع المشاعر واضطراب العواطف وحدوث نوع من عدم التوازن النفسي، بجانب ان معظم الطلاقات في السودان تقوم بصورة غير ودية، تتبعها اجراءات في المحاكم ، وتلك المشاكل تؤدي الى زيادة في العنف اللفظي ما بين المطلقين، وهذا يغذي في النفس الشعور بعدم الاطمئنان والتنقل بين المنازل وعدم الاستقرار وضعف في المردود الاكاديمي كما يؤدي أيضا الى الشعور بنقص المناعة وبالتالي ظهور الامراض لدى الطرفين، بجانب عدم الثقة بين الزوج والزوجة، كما يقود الى ملاسنات ومشاجرات تؤدي الى الاحتكاك البدني بانواعه المختلفة، سواء كانت بسيطة او جسيمة، وأحيانا ارتكاب جرائم القتل، حيث ان كثيراً من المطلقات اصبحن في مرمى نيران طليقهم بعد انتهاء العلاقة الزوجية، واصبحن في خطر بسبب هذه المشاكل وعدم حل الامور بشكل ودي، ويمضي بلدو بعيدا في أن هناك آثار أخرى تصيب الاسرة من محاولة نقل الاخبار ومحاولة الصاق التهم بالاخرين، لابراء ذمة ابنهم او ابنتهم، بجانب الضغوط الاقتصادية والمعيشية التربية والتنشئة وتكلفة المصاريف بما يعد ضغطا نفسيا هائلا، اضافة للنظرة السالبة من المجتمع تجاه المرأة المطلقة باعتبارها المذنبة و (خربت بيتها) ،كل هذا يؤدي الى انهيار معنوي والشعور بالكآبة وشعور ايضا بعدم السعادة في معظم الحالات، الا انه في الاونة الاخيرة كما يقول بلدو، الطلاق اصبح امنية للكثير من السيدات في السودان نتيجة للمشاكل، وتصل ردود الفعل لدرجة الاحتفال بالطلاق ومحاولة الحصول عليه، عن طريق الخلع او دفع فدية للتخلص من غضب الازواج في الحياة السودانية، وهذا يعتبر نقلة نوعية نتيجة للشعور بالطلاق الصادق العاطفي، وعدم القدرة على توفير السعادة في الحياة الزوجية، وهذا بدوره يضعضع الاسرة السودانية ويشكل خطرا على البنيان التربوي مما يستدعي معالجات مختلفة، كتوسع مركز الارشاد النفسي والاسري والدعم النفسي والاجتماعي، وتفعيل مراكز الفحص ماقبل الزواج، وانشاء مراكز الانذار المبكر لحل الخلافات الزوجية او حتى التوصل الى الطلاق المثالي بصورة ودية دون مشاكل لحفظ كرامة الابناء.

 

ضعف المرتبات والاجور
ومن جانبه أكد الخبير الاقتصادي الدكتور محمد الناير أن الأوضاع السياسية لها تأثير كبير على القضايا الاجتماعية وقال لـ(الجريدة) إن حكومة الفترة الانتقالية نفذت روشتة صندوق النقد الدولي، وكانت بها جرعة عالية جداً لا يتحملها المواطن السوداني، عندما رفعت الدعم عن كل السلع والخدمات بلا إستثناء في ظل ضعف المرتبات والأجور، ودخل المواطن ، وكذلك زيادة معدل الفقر والبطالة في البلاد، فضلا عن ارتفاع معدل التضخم والتراجع في الخدمة المدنية في ظل عجز توفير الحماية سواء كانت آليات الضمان الاجتماعي أو برامج الحماية التي من شأنها أن تقلل من الآثار السلبية لسياسات صندوق النقد الدولي، وقال: من المتوقع وجود تلك الظواهر السلبية منها انفلات الأمن ومحدودية الدخل لارتباطه بقضايا اجتماعية تؤدي إلى تعقيدات في المشهد من شأنها أن تشكل عبء كبير جدا على الأسر، لاسيما تكاليف التعليم والصحة والخدمات وبالتالي تشكل عبئاً كبيراً على الاقتصاد لذلك على الدولة أن تعي دورها في معالجة القضايا الاقتصادية لتخفيف الأعباء المعيشية على المواطن .

الأوضاع الاقتصادية
الدكتور والباحث الا قتصادي هيثم محمد فتحي يرى ان للطلاق أسباب كثيرة اجتمعت وتضافرت، للوصول لتلك النتيجة المؤسفة وبعض تلك العوامل ترجع للظروف الاجتماعية والمادية فنتيجة لسوء الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها السواد الأعظم من السودانيين، فإن هذا ألقى بظلاله السالبة على الحياة الأسرية إفرازات الوضع الاقتصادي تبدو واضحة في الأسر الفقيرة، ارتفاع حالات الطلاق ترجع الى البطالة وعدم قدرة الزوج على الإيفاء بالتزاماته الأسرية، والمخدرات أيضاً من أسباب طلاق الضرر وفي الحالتين فإن المشاكل بين الأزواج تكون عاملاً مشتركاً، اضافة لأزمة السكن وارتفاع قيمة إيجارات المنازل من أسباب الطلاق وخلافات الأزواج، ومن أسباب الطلاق الإسراف في المظاهر الاجتماعية التي بدأت تظهر وتنتشر بشكل مخيف في مجتمعنا، واستقلال الزوجة من الناحية المادية، أحد أسباب إصرارها على الطلاق لأن هنالك كثيراً من الأزواج يستغلون زوجاتهم مادياً خاصة أن هنالك مؤشرات تشير الى أن نسبة العاملات في القطاعين الخاص والعام أكثر من الرجال.

 

المجتمع السوداني يمر بظروف غاية في التعقيد انعكست بدورها على مجمل العلاقات الإنسانية خاصة الزوجية التي غشاها الوهن. كذلك نجد أن الكثير من الأجانب الذين تزوجوا من سودانيات خلال الفترة الماضية التي كانت فيها الأوضاع الاقتصادية بالبلاد جيدة، ولكنهم عادوا الى دولهم بعد أن تراجع الوضع الاقتصادي بالبلاد عقب انفصال الجنوب، وذات الأمر ينطبق على المعدنين الأجانب الذين تزوجوا من سودانيات وعند حصولهم على كميات الذهب التي وفدوا بسببها الى السودان يعودون أدراجهم إلى الدول التي وفدوا منها ويتركون النساء السودانيات اللاتي تزوجن منهم. ومن أبرز أسباب الطلاق أيضاً إثقال كاهل الزوج بطلبات لا تنتهي من قبل الزوجة أو أهلها، وهذا يجعله يفضل الطلاق على الاستمرار في الحياة، كما أن ارتفاع تكاليف الزواج يلعب دوراً كبيراً في حالات طلاق لاحقة، وذلك لأن “العريس” يجد نفسه مجبراً على الاقتراض حتى يتمكن من الإيفاء بتكلفة الزواج، وبعد ذلك يدخل في مشاكل اقتصادية تكون ضحيتها في معظم الحالات الزوجة.

تفشي حالات الطلاق بالمجتمع عامة تعود أيضاً الى حالات النزوح والظروف الطبيعية المختلفة مثل المجاعات والفيضانات والحروب
وتحدثت المواطنة فتحية علي لـ( الجريدة) قائلة: حرمان البنت أو الولد من حق اختيار شريك الحياة وفرض القرار عليهم بالزواج من شخص اختاره الأب أو الأم، يعد من أهم أسباب الطلاق، في القديم كانت أمهاتنا أميات لكن قبل أن تتزوج البنت يثقفها امهاتها وخالاتها حول طريقة التعامل مع الرجل ويوصينها بضرورة الصبر، لكن الآن الأمور اختلفت كثيرا، كذلك لدينا أسر ما زالت تتعامل بطريقة الزواج التقليدية وتطبق العادات والتقاليد التي تنص على أن الزوج والزوجة لا يجلسان مع بعض إلا بعد الزواج وهذا الأمر خاطئ لأن المجتمع تطور وتقدم ويجب أن يتعرف الزوجان على بعضهما قبل الزواج حتى بحضور الأهل المهم أن يحصل التوافق قبل الزواج لأن عدم التوافق والقبول فيما بعد يؤدي إلى الطلاق، كذلك أغلب النساء في وقتنا الحالي تهتم بالمظاهر الزائفة وتريد لبس أغلى الماركات والتباهي خاصة في ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي كالإنستغرام وسناب شات، والكل يسعى إلى إظهار البذخ دون أي تقدير لوضع زوجها المادي، مما ينتج عنه خلافات كبيرة تؤدي إلى الطلاق، يجب أن نوصي أبناءنا بضرورة الصبر والتنازل أحيانا خاصة في بداية الزواج حتى يتفهم كل منهم طباع الآخر والمركبة تسير بينهم في كنف الحب والتفاهم والتقدير.

 

أثر الطلاق على المجتمع
ينظر إلى الطلاق كحدث قاس وصعب في الحياة الخاصة لكلا الزوجين، وله أثار اجتماعية خطيرة، وانعكاسات نفسية كبيرة على كافة الأطراف، ويعتبر نقطة تحول تؤثر في كثير من الأحيان على حياة الأطفال، وعلى نموهم النفسي والمعرفي والسلوكي؛ إذ ان معظم الأطفال لا يتقبلون طلاق الوالدين، حتى وإن كان الوالدان في صراع دائم أمام أعينهم، إلا في حالات العنف الشديد، حينها يميلون إلى انفصال والديهم.

تتسم نظرة الطفل لوالده الذي اختار الطلاق بالسلبية بمقدار فهمه وتقبله للأمر برمته؛ فهو ينظر إليه على أنه تنازل عنه ولا يريده ويعتبر أنّه يضحي به من أجل مصلحته، كما ينظر إليه وإلى والدته من منظور رفضهما وعدم تقبلهما له. فيعيش هؤلاء الأولاد حياة نفسية مليئة بالغضب والإحباط والحزن مع عدم القدرة على التغيير في ظل مشاعر متضاربة.

 

ومما لا شك فيه أن تنظيم العلاقة بين الزوج والزوجة قد حاز الاهتمام، منذ زمن بعيد. وتتوفر في كل الديانات والقوانين نصوص واسعة لتنظيم هذه العلاقة وضمان نجاحها وديمومتها، لأن في ذلك استمرار الحياة نفسها.

ويسبب الطلاق مشاكل اجتماعية ونفسية، وهو ظاهرة عامة في جميع المجتمعات؛ ويبدو أنه يزداد انتشارا في السودان وهذا أمر خطير، لما يترتب عليه من آثار سلبية في تفكك الأسرة وتعزيز مشاعر الكره، بالإضافة إلى مشاعر الأطفال السلبية؛ ومن ثم الآثار الاجتماعية والنفسية العديدة بدءا من الاضطرابات النفسية إلى السلوك المنحرف، وما إلى ذلك.

تحقيق: امتثال سليمان

الجريدة

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.