رب رب رب..هل دورت تاني

أعلن بنك السودان المركزي أمس رسمياً اصداره طبعة ثانية من فئة الألف جنيه تختلف عن الطبعة الأولى في بعض المواصفات، وكانت احدى موظفات البنك التي يبدو أنها نتيجة خطأ ما معيب صرفت استحقاقاً مالياً لها بالفئة الجديدة قد كشفت عنها قبل اعلانها رسمياً من خلال معاملة أجرتها، الأمر الذي جعل صاحب المعاملة يتشكك في الفئة الجديدة ويعتبرها مزورة، ولعل ذلك هو ما جعل البنك يسارع لاعلانها رسمياً، غير أن التشكك سيظل قائماً حتى بعد الاعلان الرسمي، ذلك لأن طرح فئتين لنفس عملة الألف جنيه مختلفتين في بعض التفاصيل، سيحدث شيئاً من الربكة ويثير الشكوك بما لا يساعد في معرفة المزورة من غير المزورة، وتعيد هذه (اللخبطة) للأذهان حكاية اختلاف التوقيعات على فئتي الخمسين جنيهاً الخضراء والحمراء، حيث حملت الفئة الخضراء توقيع محافظ البنك المركزي الأسبق الراحل حازم عبد القادر، بينما لم يوقع على الثانية وظهر اسمه مكتوباً عليها بلا توقيع، وقيل وقتها ان حازم رفض التوقيع على الثانية احتجاجاً على التوسع الكبير في طباعة العملة والله أعلم..

عودة الى موضوعنا وحتى لا يشكل على الشباب معنى كلمة ربربة الواردة في العنوان، يلزمني بدءاً توضيح ما نعنيه بها، فالربربة المقصودة هنا تعود لكلمة شهيرة كان قد القاها القيادي بالنظام البائد الفاتح عزالدين، اذ قال، لا فض فوهه، وهو يقدم خطته المعطوبة والمعيبة أمام البرلمان المحلول، لحل كشكول الأزمات التي اطبقت خناقها على البلاد، قال (موضوع النقود ده نحن حنرجعه لبنك السودان ووزارة المالية.. وتاني ما في زول بتحكم فيه..حنطبع ونعلي السقف..طباعة لمية سنة، مكنا حيدور: رب رب رب وما بقيف)، وكان ذلك كلام (ربربة) صادر من شخص ربراب بحسب وصف السودانيين لمن يثرثر ويقول (كلام ساكت) ويطلق القول على عواهنه ولا يتحسب لعواقبه، وبالفعل كان النظام المدحور قد انخرط في الربربة وطبع مليارات ممليرة من العملة السودانية،

والشاهد هنا بعد اصدار حكومة الانقلاب لفئة ثانية من الألف جنيه طبعت محلياً فيما طبعت الأولى خارجياً، يكشف عن اتجاه الحكومة للتوسع في طباعة الكثير من أوراق البنكنوت لمقابلة تغطية خازوق المرتبات الجديدة والمتأخرات من الاستحقاقات التي دخل بسببها الكثير من منسوبي المؤسسات في اضرابات والصرف على الموازنة الكسيحة، مما يزيد من ارتفاع معدلات التضخم على ماهي عليه من ارتفاع غير مسبوق، وانفلات الاسعار على ماهي عليه من انفلات، هذا غير ان طباعة أية فئة ورقية تكلف الحكومة عملة صعبة لشراء الورق وادوات الطباعة اذا كانت الطباعة محلية، وتدفع التكلفة كاملة في حالة الطباعة الخارجية، وبذلك تخسر الحكومة مرتين، تكلفة الطباعة وتدني قيمة النقد المطبوع فيصبح أرخص من الحبر الذي طبع به، ثم ان طباعة العملة ليست (مطلوقة) بلا قيود، وانما تخضع لشروط تتمثل في أن كل وحدة نقدية مطبوعة يجب أن يقابلها إما رصيد من احتياطي النقد الأجنبي، أو رصيد من الذهب أو سلع وخدمات، ودون هذه الشروط تصبح النقود المتداولة في السوق دون قيمة حقيقية، وتصبح مجرد أوراق، لأن طباعة النقود دون غطاء تؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم، ويؤدي ذلك في المحصلة ليس فقط إلى انهيار الجنيه، بل إلى تخلص الناس مما لديهم من عملات وطنية وشراء عملات أجنبية أو عقارات أو ذهب..

بشفافية – حيدر المكاشفي

الجريدة


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.