يبدو أنه في كل مرة يدور فيها أي نقاش حول التعليم الجامعي، يندلع جدال محتدم حول قيمة الشهادات الجامعية في الوقت الحاضر، مقابل ما كانت عليه في السنوات السابقة. يبدو أن أولئك الذين التحقوا بالجامعة في العقود التي سبقتني يشعرون بسعادة غامرة لحقيقة أن شهاداتهم كانت صعبة المنال بكثير وكانت تعني أكثر من شهادتي، وربما يكونون على حق.
لكن هذا ليس ذنب الطلاب. يبدو أن الجميع، باستثناء الجامعات نفسها، يفهمون قيمتها الحقيقية ومكانتها في مجتمعنا اليوم. يمكن لأولئك الذين يدرسون الآن أن يقوموا بما هو متاح لهم فقط، فهم يمتلكون القليل من التأثير حيال ذلك أو حيال الرسوم المتزايدة المفروضة عليهم بشكل مستمر.
لقد حان الوقت للنظر إلى الجامعة بشكل أقل على أنها ذروة التعليم وإنما كفرصة للشباب لتجربة العيش بعيداً من المنزل، والتمتع بأنفسهم والنضوج. بكل إنصاف (وفي معظم الحالات) هذا كل ما في الأمر ما عدا الاسم، ولكن لا يبدو أن أحداً قد أخبر الجامعات بهذا. فما زالوا يتشبثون بالوعود القديمة التي قطعوها في بداياتهم لتوفير أعلى معايير الأوساط الأكاديمية، ربما كطريقة لتبرير الرسوم الجنونية التي يطالبون فيها لأنفسهم.
تم تخفيف هذه المعايير من خلال إصلاحات جون ميجور، وتراجعت أكثر فأكثر مع زيادة الرسوم وتضاعف عدد الطلاب، على ما يبدو بلا حدود. لقد سمحت كل حكومة لاحقة لهذا الأمر بالاستمرار، مع تجسيد هذا الحكم البائس في شكل وزيرة جامعاتنا الأخيرة، ميشيل دونيلان، التي سمحت بشكل يرثى له بنسيان الطلاب تماماً أثناء الجائحة.
بقدر ما أريد الدفاع عن الطلاب بأقصى ما أستطيع، فمن غير الصائب ببساطة الاعتقاد أن الشهادات الجامعية تحظى بذات القيمة كما في السابق. لقد كتبت بشغف في الأسبوع الماضي عن التعددية التي توفرها الدراسات الإنسانية، ومن الرائع والصائب أن تمكن الشهادات الشباب من دخول أي مجال، لكن الشهادات الجامعية كانت ذات يوم المسار الذي يسلكه الأكاديمي أو المتخصص مستقبلاً.
ولكن وبصدق، أنا لا أطالب بعودة القبول النخبوي للجامعات. يجب أن يحصل الجميع على حق الالتحاق بالجامعة، ولكن يتعين على الجامعات أن تتوقف عن التظاهر بأنها لا تزال تتمتع بنفس المستوى المؤسساتي (أكاديمياً) كما كانت قبل عقود.
يدرك أرباب العمل الواقع جيداً، حيث انخفض معدل رواتب الخريجين خلال العقد الماضي. وها أنا أنظر إلى وضع صديق لي: فقد درس لمدة أربع سنوات في جامعة مرموقة، وحصل على أعلى درجة في الاقتصاد، ثم حصل على وظيفة في التمويل. كان من أجرى معه المقابلة في شأن الوظيفة حريص على الإشارة إلى مقدار القيمة الذي أضافها له ذلك اللقب، لكن ذلك لم ينعكس في ما جاء بعد ذلك.
لكي يصبح مؤهلاً بشكل كامل يجب أن يخضع الفرد لما مجموعه 16 اختباراً في الاقتصاد. لقد شعرت بالدهشة عندما علمت أن درجته العلمية (والذي، بالمناسبة، كان الحد الأدنى من متطلبات وظيفته) أعفاه من اختبار واحد فقط من تلك الاختبارات الـ16. لقد أعفته أربع سنوات في جامعة مرموقة من اختبار واحد فقط. حتى أولئك الذين تخصصوا في العلوم الاقتصادية قيل لهم إنه لا يزال يتعين عليهم الخضوع لخمسة اختبارات أخرى.
بينما، كما يقول التعبير الشائع، يبدأ العمل الشاق عندما تدخل إلى مكان العمل، يبدو لي أنه من الجنون أن تقيم الشهادات الجامعية بشكل بائس من قبل أرباب العمل لدرجة أنه يتعين عليهم مطالبة الموظفين الجدد والمحتملين بإجراء مزيد من الاختبارات لإثبات ملاءمتهم لمجال العمل. إذا كانت الدرجات العلمية تستحق ما تدعيه العديد من الجامعات، لكانت هذه المؤهلات الإضافية المطلوبة من قبل الأعمال غير ضرورية.
انظر إلى فترة التدرب في مهنة ما، التي كانت في السابق تقدم أجوراً ضئيلة وسترى إطار عمل الذي يقدّر كلاً من الشباب وأرباب العمل – إنّه توازن جيد. تتيح هذه الأنواع من المخططات ذات الأجور الجيدة والتنافسية للشباب الصعود على أول السلم وفرصة للاستقلال المالي المعقول، بينما تمنح أصحاب العمل شباب ذوي عقول متفتحة، والمتقبلين لقيم الشركات التي يعملون بها.
القيمة الحقيقية للشهادة الجامعية، من واقع خبرتي، هي المهارات الحياتية التي تكتسبها بعيداً من المنزل، ولكنها الآن متاحة أيضاً بسهولة لأولئك الذين يختارون التدريب المهني، والذين لم يعودوا مجبرين بسبب الأجور المنخفضة على العيش في المنزل. لديهم أيضاً ميزة القدرة على إنهاء برنامجهم من دون ديون بقيمة 30 ألف جنيه إسترليني (نحو 36 ألف دولار).
لماذا لا تزال هذه المؤسسات تبشر بأنها أفضل طريق للشباب؟ إما أن تكون الجامعات ساذجة بما يكفي لتظل تعتقد أن الألقاب التي تقدمها تملك نفس القيمة التي كانت عليها قبل 50 عاماً، أو أنها سعيدة للغاية بتحصيل الرسوم الفلكية لكي تكترث بأن تكون صادقة مع نفسها، أو مع ملايين الطلاب الذين يلتحقون بها
إندبندنت