الشعب تطير عيشتو

بشفافية
حيدر المكاشفي
كثيرا ما نسمع ونقرأ هذه الأيام على الصحف والفضائيات والتغريدات والمواقع الاليكترونية، الاكثار من ترديد عبارة الشعب وثورة ديسمبر، الكل يتحدث انابة عن الشعب والثورة والكل يزعم وصلا بالشعب والثورة، حتى صار هذا الشعب المغلوب على أمره مثل قميص عثمان الجميع يلوحون به..البرهان لا يقول كلمة الا ويأتي فيها على ذكر الشعب، وحميدتي (شرحو) بلغة العساكر، ومناوي يتحدث عن الشعب وجبريل كذلك، وكذا يفعل أردول وعسكوري والطيب الجد وشيعته وجعفر الميرغني والشيوعي والبعثي وحزب الامة والناصري والمؤتمر السوداني وهلمجرا من كيانات وتكتلات، بل حتى المؤتمر الوطني المحلول وفلوله وواجهاته الصريحة دعك من المدغمسة التي يجيد صناعتها..كل هؤلاء يقولون نحن هنا باسم الشعب، نحن نعبر عن مطالب الشعب والثورة، الشعب يريد كذا والثورة ترغب في كيت..نحن مسنودون من قبل الشعب..والمفارقة ان كل هؤلاء الذين يهرجون باسم الشعب ويزايدون برسمه، يتحدثون باسم الشعب ونيابة عنه أكثر من ما يتحدثون معه، مما يبدو معه وكأن هناك حالة من اليقين لدى هؤلاء يتصورون فيها أنهم يعرفون مصلحة الشعب وما يريده، بينما هم في الواقع يلبسون الشعب ويقولونه أقوالهم هم وإرادتهم هم، والادهى أن الأمر لم يقتصر على المذكورين، بل صار يتحدث باسم الشعب من هو لا في العير ولا في النفير، وليس له من حضور شعبي ونضالي وثوري وسياسي فعلي في الميدان، فقط تقرأ له بيانا أو تغريدة أو تسمع منه خطابا، وهو يتحدث باسم الشعب..
مع كل هذا الهرج والرغي والورجقة باسم الشعب ونيابة عنه، يظل الشعب صامتا ومحتارا في هذا الذي يدور باسمه، ويقول بينه وبين نفسه (الشعب تطير عيشتو)، فغالبية الشعب تتحدث في السياسة دون أن تمارسها..تنصت أكثر مما تتحدث، ولهذه الاغلبية الصامتة مطالب في غاية البساطة، فهي تريد الستر والاستقرار والحياة الكريمة والحرية والعدالة، بعد سنوات من التهميش والظلم والفساد عانى منها حتى اكتفى وفاض كيله خلال العهد البائد، وما فيه يكفيه وهو في غنى عن أي خطاب متخشب ومكرور حدا لملل ولا يحمل أي درجة من الأمل، مع أن نجاح أي فعل للتغيير هو في الأصل، ليمنح الأمل في التغيير، وليس لزرع اليأس والاحباط بالدوران في حلقة مفرغة، والشعب يا سادة ليس قطيع ولا كتلة واحدة، وانما يتشكل منفئات وطبقات ومستويات ومصالح، في مواجهة مصالح أخرى للمال والسلطة،وفى النهاية مطالبه واضحة، بل هي أوضح من المطالب والببغائيات المكررة، فالشعب يريد توفير خدمات الكهرباء بلا انقطاع والماء الصالح للشرب وتوفير مستوى جيد من العيش الكريم وحد معقول من الرفاهية والامن والصحة والتعليم، فتلك هي المشتركات الحقيقية التي تجمع أربعين مليون مواطن سوداني، وما عداها فهو شغل سياسيين لا يعنيه في شيء، فالشاهد أن من يتحدثون في الفضائيات ويدونون ويغردون في المواقع والوسائط، هم حقيقة الامر ليسوا لسان حال الشعب ولا ناطقين باسمه، لذا نرجو من هؤلاء السادة الذين استمرأوا الظهور على الشاشات والحديث للصحف والاذاعات، بلا جديد يقولونه بل يرددون كلامهم المكرور الممل، أن يرحموا الشعب وأن لا يتحدثوا باسمه، وليتحدثوا ما شاؤوا باسم كياناتهم وتكتلاتهم..

الجريدة

Exit mobile version