بعد جدل تعيين الراسبين واستبعاد الناجحين.. إلى أين تمضي تعيينات وزارة الخارجية؟

على نحو مفاجئ أعلنت الإدارة العامة للموارد البشرية والمالية بوزارة الخارجية جميع المرشحين للعمل بوزارة الخارجية (كوادر وسيطة) الحضور لرئاسة الوزارة يومياً اعتباراً من يوم الأحد الموافق 8/ يناير/ 2023م بين الساعة العاشرة صباحاً وحتى نهاية الدوام ولمدة ثلاثة أيام وبمعيتهم مسوغات التعيين الآتية: الشهادة الجامعية موثقة من التعليم العالي، وأي شهادات أخرى، والرقم الوطني، وشهادة الميلاد، وعدد 2 صورة فوتوغرافية..

أصل الحكاية

قبل عامين تقريبا أعلنت وزارة الخارجية عن حوجتها لكوادر وسيطة، 20 وظيفة بدرجة مستشار، و30 وظيفة درجة سكرتير اول، وتقدم للوظائف اكتر من ألفين متنافس، اجتاز الامتحان الالكتروني منهم حوالي 900 في الدرجتين، بعدها جلس المتنافسين الذين اجتازوا الامتحان الالكتروني لامتحان تحريري من اربعة مواد اشرفت عليه جامعة الخرطوم، وبلغ عدد الذين اجتازوا الإمتحان ونجحوا في جميع مواد الامتحان التحريري 36 مرشح لوظيفة المستشار و29 مرشح لوظيفة سكرتير اول.

الخارجية تطالب بالراسبين

وبعد إعلان النتيجة طالبت وزارة الخارجية في خطاب من مكتب وكيل الخارجية السفير محمد شريف وقتها بتجاوز شرط النجاح في الاربعة مواد حتى يتم توسيع فرصة الاختيار، وبسبب هذا الخطاب شملت نتائج الإختيار 13 راسب وراسبة في قائمة المستشارين و 24 راسب وراسبة في قائمة السكرتيرين الأوائل، ووصل الأمر إلى إختيار إحدى الراسبات في الكشف النهائي وهي راسبة في ثلاث مواد.

قرار قضائي

وفي سبتمبر الماضي قررت محكمة القاضي المختص بنظر الطعون الإدارية التابعة للمحكمة القومية العليا إعادة تعيين المتقدمين لوظائف وزارة الخارجية الذين اجتازوا الامتحان الإلكتروني والتحريري والمعاينات فوراً، وقضى قرار قاضي المحكمة العليا مولانا الفاتح بابكر فضل السيد بإلغاء قرار رئيس الوزراء وإعادة تعيين المتقدمين الذين تم استبعادهم من وظائف وزارة الخارجية، ويذكر ان الذين قررت المحكمة العليا إعادتهم لوظائفهم سبق وأن تقدموا لشغل وظائف مستشارين وسكرتيرين أوائل بوزارة الخارجية، واجتازوا بنجاح كل المراحل المؤهلة للالتحاق بالسلك الدبلوماسي، ونجحوا في كل الاختبارات المقررة والمؤهلة للالتحاق بالسلك الدبلوماسي (الكتروني ،تحريري ،شفهي).

جلسات ومرافعات قانونية

وبعد جلسات ومرافعات قانونية أصدر قاضي المحكمة القومية العليا مولانا الفاتح بابكر فضل السيد حكما منصفا لكل الناجحين والذين اجتازوا كل مراحل التنافس بنجاح، وأقرت المحكمة بأن اجراءات الاختيار قد خالفت قانون السلك الدبلوماسي والقنصلي لعام ١٩٩٧م وكذلك لائحة تنظيم شروط وضوابط التنسيب والانتداب والترقي في السلك الدبلوماسي لسنة ٢٠١٣م.

مخالفة القانون واللائحة:

وبالنسبة للقاضي فإنه رأي أن المعالجات التي تمت بعد اعلان نتيجة الامتحان التحريري، والتي اعتمد عليها القرار المطعون فيه، تخالف القانون واللائحة، وفي ذلك اساءة لاستعمال السلطة مما يسلب القرار مشروعيته فيما عدا اعتماد تعيين الناجحين في كل المواد والمعاينات، عليه اصدر حكمًا يقضي بإلغاء القرار المطعون فيه بالرقم ٦١٢/٢٠٢١ الصادر من رئيس مجلس الوزراء الانتقالي فيما عدا قبول المرشحين الذين نجحوا في الامتحان الالكتروني والتحريري في كل المواد والمعاينات، ويذكر انه تم استيعاب ١٣ فقط من الناجحين في كل المراحل، وبموجب هذا القرار طالب الناجحين بتعيينهم في الوظائف التي تقدموا للالتحاق بها (سكرتيرين اوائل، مستشارين) إسوة بزملائهم الذين تم قبولهم.

رفض قائمة الفساد

وفي سياق متصل بالقضية أشار بيان صادر عن مجموعة الناجحين في الاختبارات المؤهلة للعمل بوزارة الخارجية السودانية إلى وجود فساد في تعيينات وزارة الخارجية، وبحسب بيان المجموعة ان قضية فساد تعيينات وزارة الخارجية في العام 2021م خلصت إلى قبول مرشحين راسبين في مواد الامتحان المهني المؤهل للعمل بوزارة الخارجية في مخالفة واضحة لقانون السلك الدبلوماسي والقنصلي، وأعراف وتقاليد الخدمة المدنية في السودان، وبالنسبة لمجموعة الناجحين وبحسب بيانهم فإنهم اعترضوا بعد صدور قائمة الفساد تلك لدي الرأي العام أولاً ومن ثم لدي رئيس الوزراء حينها الدكتور عبد الله الذي جمد القائمة وشكل لجنة برئاسة الدكتور صديق أمبدة والتي أقرت فيما بعد بوجود تجاوزات كبيرة بعملية الاختيار.

قرارات رئيس الوزراء

وفي 20 اكتوبر 2021 صدر قرار من رئيس الوزراء عبدالله حمدوك وجاء على النحو الاتي :(أ/ استيعاب الناجحين في المراحل الثلاث فوراً، ب/ إجراء إمتحانات ملاحق لكل من رسب في مادة من مواد الإمتحان المهني بشرط النجاح في كل مادة بخمسين درجة إو أكثر، ج/ إعادة المقابلة الشفهية لمن لم ينجح في الإمتحان الشفهي، د/ تجمع درجات الامتحان المهني والمقابلة الشفهية للمجموعتين ب و ج ويتم اكمال العدد المطلوب حسب الدرجات، د/في حال عدم ملء الوظائف المطلوبة يتم فتح الوظائف مجدداً).

المفوضية على الخط

وعقب صدور قرار رئيس الوزراء حمل الناجحين المستندات المطلوبة وذهبوا إلى الوزارة، لكن كانت المفاجأة أن مفوضية الإختيار للخدمة المدنية القومية قد سبقتهم بتفسير القرار على الطريقة التي تغطي على فسادها وتتيح لها المناورة وإعادة تعيين قائمتها، وادعت المفوضية أن شرط البند (أ) لا ينطبق على مجموعة الناجحين مع اعترافها بنجاح المجموعة في المراحل الثلاث التي ذكرها رئيس الوزراء، غير أن مجموعة الناجحين تقدمت بطلب تفسير لدي مجلس الوزراء بتاريخ 12نوفمبر2021 ولم تتلقى المجموعة الرد عليه حتى كتابة هذا البيان، فلم يكن أمام المجموعة خيار سوى اللجوء إلى القضاء.

قرار وحكم قضائي

تقدمت مجموعة الناجحين بدعوى قضائية لدى المحكمة العليا دائرة الطعون الإدارية بتاريخ 8 ديسمبر 2021 م وبتاريخ 30 أغسطس 2022 صدر قرار المحكمة على النحو الاتي: (إلغاء القرار المطعون فيه بالرقم 612/2021بتاريخ 20 أكتوبر 2021 الصادر من رئيس الوزراء الانتقالي فيما عدا قبول المرشحين الذين اجتازوا الإمتحان الإلكتروني والتحريري في كل المواد والمعاينات) وأشار القرار في التسبيب إلى أن تعين مرشحين راسبين في الإمتحان المهني مخالف لقانون السلك الدبلوماسي والقنصلي لسنة 2013م.

جدل الراسبين والناجحين

وبعد صدور قرار المحكمة توجه الناجحون إلى جهات الاختصاص فكانت الاستجابة كسابقتها من مفوضية الخدمة المدنية التي تحججت بأن المحكمة لم تشر إلى الطاعنين في قرارها بينما ذهب مجلس الوزراء ومستشاريه في حياكة العقبات التي تلاها باستئناف ضد قرار المحكمة، أما وزارة الخارجية ممثلة في مديرها العام وعدت بتشكيل لجنة للنظر في الموضوع فلم يكن أمام المجموعة مرة أخرى خيارٌ سوى اللجوء إلى المحكمة لتقدم للدولة ممثلة في مفوضية الخدمة تفسيراً قانونياً لمعنى النجاح فتقدمت المجموعة بعريضة استئناف لمزيد من التوضيح بتاريخ 6 سبتمبر 2022م وما زالت لدي دائرة الاستئناف للنظر فيها، وقبل ان ترد المحكمة على الاستئناف تفاجأ الناجحون بصدور إعلان من وزارة الخارجية يطلب من المرشحين لوظائف الكوادر الوسيطة تقديم المستندات المطلوبة لتكملة إجراءات التعيين، وعندما ذهب الناجحون إلى الوزارة تفاجأوا مرة رابعة أن المقصودين بالإعلان هم الراسبين الذين شملتهم قائمة الفساد في العام 2021 وليس الناجحين الذين اجتازوا الاختبارات المؤهلة للتعين في السلك الدبلوماسي.

خطوات تصعيدية

وبالنسبة للناجحين فان قضيتهم تهم كل من له الرغبة في دولة تحترم شعبها وتتعامل معه على قدر من العدالة والمساواة، وناشد الناجحون في بيان صادر عنهم أصحاب الضمائر الحية في الجهات ذات الصلة آنفة الذكر بضرورة الاحتكام لصوت الحق واجتياز امتحان العدالة والحقوق وإيقاف مهزلة تعيين دبلوماسيين رسبوا في اجتياز معايير الاختيار ليمثلو دولة لها تاريخ يحتاج من يدركه ليقدمه للعالم، وأعلن الناجحون خطوات تصعيدية قادمة متمثلة في الوقفات الإحتجاجية والتصعيد الإعلامي وكل أدوات الشعب السوداني المجربة في مثل هذه الظروف.

مرافعة ودفوعات المختارين

وفي سياق متصل بالقضية يقول الدكتور وليد الطيب وهو من المجموعة التي شملها قرار التعيين الأخير الذي أصدرته وزارة الخارجية: يقول وليد (بعد الانتصار القانوني الذي حققته المجموعة المختارة للتعيين في وزارة الخارجية بإلغاء المحكمة العليا لقرار حمدوك بشأن المجموعة لعدم اختصاصه وتغوله على صلاحيات مفوضية الاختيار يجب النظر إلى توجيه السيد وكيل وزارة الخارجية باستكمال تعيين المجموعة المختارة بأنه إعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة، أخص هنا بالذكر مفوضية الاختيار والسلطة القضائية ومن قبل ذلك الانتصار لوزارة الخارجية نفسها التي وضعت معيار النجاح في الامتحان المهني ودخول المعاينات الشفاهية ثم فيه أيضا دفاع عن نزاهة السادة السفراء الذين شاركوا في المقابلات الشخصية للمتقدمين).
وأفاد وليد بأنه فيما يتعلق بالجدل حول صحة هذا المعيار هناك خلط بسبب الفكرة الشعبوية الشائعة بإنه النجاح هو من 50% فما فوق، وهو غير صحيح حتى في الجامعات السودانية، فكثير من الجامعات النجاح فيها من 40 فما فوق وبعضها يستخدم نظام (الكيرف) الذي يجعل تحديد درجة النجاح متغيرة ومتحركة على حسب النتائج العامة للامتحان، وذكرت ذلك الأستاذة الجامعية الشهيرة البروفيسور بلقيس بدري عضو لجنة (د.أمبدة) التي كونها حمدوك وأشار كذلك عضو اللجنة السفير عبدالله خضر بشير إلى أن المعيار الذي أتبع لا يخالف قانون السلك الدبلوماسي وجرى العمل به في وزارة الخارجية من قبل.
ويرى وليد أن الحملة التي أثيرت عند إعلان النتيجة كانت استهدافا شخصيا لوزيرة الخارجية وقتها ولحكومة حمدوك نفسه وإلى الآن الحملة تدار من جهات سياسية، موضحاً أن المجموعة المختارة تضم مجموعة كفاءات مهنية من أساتذة جامعة الخرطوم والجامعات السودانية وموظفين في منظمات دولية والمؤسسات الحكومية وغيرها.

مرافعة ودفوعات المبعدين

وبالنسبة لمحمد عباس بركة وهو من الناجحين في جميع المواد وبنسبة عالية والذين تم استبعادهم من وظائف وزارة الخارجية يرى أن الأمر برمته يعود إلى حالة التردي التي ضربت القطاع العام بصفة عامة والخدمة المدنية بشكل خاص، ويقول عباس (إن تعين راسبين في وظائف السلك الدبلوماسي هو أمر مخالف لنص قانون السلك الدبلوماسي والقنصلي لسنة 1997 تعديل 2013م موضحاً أنه تمت عملية قبول راسبين في هذه الوظائف نتيجة محسوبية وفساد لا تخطئه عين) مشيراً إلى أن تقرير لجنة صديق أمبدة المشكلة من قبل رئيس الوزراء السابق أكد ذلك.
ويرى عباس أن ما يجري الآن من تعيين لراسبين في وزارة الخارجية هو محاولة من جهات نافذة في جهاز الدولة والمؤسسات ذات الصلة لتكملة العملية رغم إقرار المحكمة بعدم قانونية الأمر، وأكد عباس أن هذا الفساد سيقوموا بمقاومته بالطرق المشروعة بلا شك كما أنهم سيقاضوا المتسببين في الأمر طال الزمن أم قصر، مشيراً إلى ان ما يقوموا به هو محاولة منهم لإصلاح جهاز الخدمة المدنية ما استطاعوا. وأفاد عباس بأن هناك إجراءات تجري الآن في المحكمة العليا لم تصل إلى مراحلها النهائية بعد وأضاف قائلاً (رغم ذلك تتحجج الجهات المعنية بقرار المحكمة وهناك سعي لأستباق التطورات السياسية التي يمكن أن تعيد الأمور إلى نصابها.. علما بأن قرار رئيس الوزراء السابق أشار بشكل أو آخر بعدم قانونية تعيين راسبين وأصدر قرار بإجراء ملاحق كبدعة جديدة في تاريخ التوظيف في الخدمة المدنية).
وبالنسبة لمحمد عباس بركة فإن ما يحدث الآن هو نقض واضح لكل مبادئ الثورة التي جاءت لتخرج السودان من دائرة المحسوبية الضيقة إلى رحاب المساواة والعدالة الاجتماعية، وناشد عباس كل القائمين على الأمر وكل قطاعات الشعب السوداني للوقوف قوياً وجسدا واحدا أمام تعيين الراسبين في وزارة الخارجية، لاعتبار ان الأمر عظيم، فالخارجية مؤسسة تعكس وجه السودان وقضاياه في كل المحافل الإقليمية والدولية.
يمضي عباس في حديثه لصحيفة الجريدة ويقول إن الفساد في هذه القضية بائن بيان الشمس في ضحاها لأن الجهات المختصة تتعمد باستمرار وإصرار صارخ لتعيين أشخاص غير ذوي مقدرة أكاديمية، وإنما اتخذوا من ضعف هذه المؤسسات سلما يرتقون به إلى مآرب وغايات تخدم مصالح شخصية لهم ولمن يساندهم، وشدد عباس على ضرورة أن يقف الجميع سدا منيعا ضد تنفيذ قرار الراسبين حتى نعيد لوطننا هيبة منسوبيه المؤهلين خارجيا، وأشار عباس إلى أن الخارجية ضربت بكل المساعي القانونية عرض الحائط وتسعى لتعيين الراسبين رغم عدم اكتمال الملف القانوني سواء للراسبين أو الناجحين الذين يحتكمون للقضاء.
سيبقى جدل الناجحين الذين تم استبعادهم من وظائف الخارجية، وتعيين الراسبين في وظائف لا يستحقوها قضية تستحق تسليط الضوء والمناقشة.. وستستمر معركة الحق والباطل إلى أن تتحقق العدالة المنشودة لكل أصحاب الحق.

الجريدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.