شريعتنا الإسلامية الغراء هي أخص الشرائع السماوية اعتناءً بالعلم والمعرفة لجميع بني الإنسان من ذكر وأنثى، فإن أوَّل كلمة من كتاب الله تعالى الذي هو دستور شريعتنا الأول هي الأمر بالقراءة، والإشادة بالعلم، للتدليل على أن العلم هو أساس هذه الشريعة الغراء، وليس الجهل والغباء، ولذلك كانت المهمة الأولى لرسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هي التعليم، كما قال عليه الصلاة والسلام «إنما بُعثتُ معلماً».
وهي المهمة التي أشار إليها القرآن الكريم في آيات كثيرة كما في قوله تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾، وهذا امتنان عظيم على المؤمنين والمؤمنات على حد سواء بهذه المهمة العظيمة لرسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وقد بُعث صلى الله عليه وآله وسلم للجنس البشري والجني، ذكره وأنثاه؛ لأنهم المكلفون بالأحكام الشرعية، والمؤهلون لقابلية العلم والمعرفة، فعلى هؤلاء المكلفين أن يقدُرُوا هذه المنة العظيمة، ويتمثَّلوا العلم في أنفسهم تعلماً وتعليماً، والسر في ذلك أن الشريعة الإسلامية كلها أحكام وآداب، ولا عذر لأحد في عدم تطبيق أحكامها أو تطبيق آدابها وأخلاقها؛ لأن قبول الأعمال وصحتها مرتبطة بأدائها على وجه العلم، وإلا كانت رداً على صاحبها، لذلك كان طلب العلم فريضة على كل مسلم، كما ورد في الحديث، أي ومسلمة؛ لأنها تدخل في خطاب المسلم والمؤمن؛ لكونها مكلفة مثلهما.
لهذا كان من الواجب على الدول أولاً، وعلى عموم الناس ثانياً؛ أن يوفِّروا التعلم النافع في الدين والدنيا، وإلا كانوا مفرِّطين في أهم المهمات في الدين، واللهُ سائلهم عن ذلك.
فالتعليم حق للفرد ليعيش كريماً بالعلم، ونافعاً في المجتمع، وسواء في ذلك الذكور أو النساء، فمن منع تعليم النساء فإنما يمنعهن من حق شرعي ووطني واجتماعي، فيكون ظالماً بذلك، ومخالفاً لهدي الإسلام، الذي لا يختلف عليه أهله، فإن منهج الإسلام منذ صدره الأول عُني بتعليم النساء كعنايته بتعليم الرجال، فكان منهن المحدثات، والفقيهات، والمفتيات، والطبيبات، والأديبات، والقياديات، والمقاتلات.. وكلُّ ذلك لا يتم من غير تعليم عالٍ، وقد كانت النساء يقلن للنبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء»، وكانت السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها تقول: «نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقَّهن في الدين».
فعُلم بذلك أن حق النساء في التعلم لا يقل عن حق الرجال، إن لم يزد على ذلك؛ لأن النساء شقائق الرجال في الحقوق والواجبات، وعليهنَّ من المسؤولية الشرعية والوطنية والمجتمعية ما يفوق مسؤولية الرجال، فهنَّ اللاتي يُنشِّئن الأجيال على الفضائل، وهن اللاتي يقمن بتعليم أخواتهن أمور دينهن، وهن اللاتي يقمن بخدمات طبية واجتماعية لا يقدر عليها الرجال، إلى غير ذلك من المهام التي لا يمكن أداؤها إلا بالعلم والمعرفة، فكان الواجب العناية بهنَّ تعليماً وتثقيفاً وإكسابهن مهارات حديثة تناسب الزمان والمكان، وإلا كنَّ عالةً على الرجال، ولا يحققن هدف الأمومة الراقي للناشئة، كما قال شوقي رحمه الله:
وإذا النساءُ نشأنَ في أُمِّيَّةٍ * رضع الرجالُ جهالةً وخمولا
وكما قال حافظ إبراهيم:
من لي بتربية النساء فإنها * في الشرق عِلَّة ذلك الإخفاقِ
الأمُّ مدرسة إذا أعددتَها * أعددتَ شعباً طيب الأعراق
الأمُّ روضٌ إن تعهّده الحيا * بالري أورق أيَّما إيراق
الأم أستاذ الأساتذة الأُلى * شغلت مآثرهم مدى الآفاق
نسأل الله أن يبصر الناس ويهديهم سواء السبيل.
• فمن منع تعليم النساء فإنما يمنعهن من حق شرعي ووطني واجتماعي.
كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
البيان