انهيار سوق الحليب في تونس بسبب غلاء الأعلاف 40% سنوياً

أدت تطورات الحرب الأوكرانية إلى غلاء كبير في أسعار أعلاف الماشية في تونس بنسبة ناهزت 40% العام الماضي، وهو ما فرض واقعا جديدا على أصحاب المزارع التي تُنتج الحليب ومشتقاته، وسط تحذيرات من انهيار القطاع إذا ما قوبلت زيادة أسعار التجزئة بتدهور المبيعات.

المزارع محمد غرسلاوي قال لـ”فرانس برس”، إنه أُجبر على بيع 4 بقرات في الأشهر الأخيرة لتغطية تكاليف علف 20 بقرة أُخرى لا تزال في مزرعته، لكنه لا يزال يكافح لإطعامها بما يكفي.

الرجل البالغ من العمر 65 عاما سأل: “لماذا توقفت الأبقار عن إنتاج الكثير من الحليب؟”، مجيبا: “لأنها لا تحصل على الكمية الكاملة من الطعام، فنحن يمكننا فقط منحها نصف الكمية التي اعتادت الحصول عليها”.

وأوضح اتحاد المزارعين أن سعر علف الماشية ارتفع بنسبة تصل إلى 40% العام الماضي، بسبب تأثير الحرب في أوكرانيا على مكونات العلف المستوردة، بعدما تفاقمت مشاكل قطاع منتجات الألبان بسبب سنوات من الجفاف وانحسار مياه الخزانات، ما جعل من الصعب على المزارعين زراعة الأعلاف الخاصة بماشيتهم.

في مزرعته في البطان غربي العاصمة، أظهر غرسلاوي لوكالة “فرانس برس” مخزونا متضائلا من الأعلاف وكومة من فواتير التبن والشعير والقش التي يكافح من أجل دفعها، مشيرا إلى أن كيسا زنته 50 كيلوغراما من مكملات الذرة وفول الصويا تضاعف سعره 8 مرات خلال السنوات العشر الماضية. ونتيجة لذلك، فإن الأبقار التي كانت تنتج 30 لترا (63 مكيالا) في اليوم أصبحت توفر الآن 12 لترا فقط.

تستهلك تونس عادة 1.8 مليون لتر من الحليب يومياً، بينما لا يتوافر فيها الآن سوى 1.2 مليون لتر

غرسلاوي الأب لأربعة أطفال، قال وهو يقلّب رزمة من الفواتير غير المسددة إن “كل هذه التكاليف يتحملها المزارع”، معتبرا أنه من الصعب رؤية القطيع يتقلص، بعدما كان أسس شركته على مدى عقود، بدءا من بقرة واحدة. وقال: “كانت هذه الأبقار مصدر الدخل الرئيسي لعائلتي، والآن أربعة من أطفالي يعملون في مكان آخر لمحاولة كسب المال لإطعام القطيع”.

السيدة الخمسينية نورا بشيني جابت متاجر الزاوية بالعاصمة التونسية للحصول على الحليب الذي أصبح سلعة نادرة في بلد يستهلك عادة 1.8 مليون لتر من الحليب يوميا، بينما لا يتوافر فيه الآن سوى 1.2 مليون لتر، وقالت إن “بعض المتاجر ليس لديها أي شيء على الإطلاق، لكن لا يمكننا أن نعيش بدون حليب، خاصة لأطفالنا”.

ومنذ أكتوبر/تشرين الأول 2022، فرضت محال تجارية كثيرة في تونس قيودا على شراء الحليب إلى علبتين لكل شخص، حيث يتدافع المستهلكون للحصول على إمدادات محدودة.

وقالت متسوقة أُخرى تُدعى ليلى الشوالي إنها خرجت مبكرا لتضع يديها على ما سمّته “الذهب الأبيض”، مضيفة: “تجده في بعض الأحيان، لكن فقط في الصباح، لكنه ينفد بحلول فترة ما بعد الظهر”.

ارتفاع أسعار الأعلاف “جنوني” في تونس
إلا أن هذه المشكلة ليست مستجدة الآن، فقد سبق أن حذر “اتحاد الزراعة وصيد الأسماك” UTAP في البلاد قبل عام، من أن المزارعين يبيعون حليبهم بخسارة.

المتحدث باسم الاتحاد النقابي أنيس خاربيشي قال إن “أسعار العلف ترتفع بشكل جنوني، بنسب بين 30 و40% سنويا”، ملقيا باللوم على “العوامل الخارجية، لا سيما حرب أوكرانيا، ونظرا لحقيقة أننا نستورد ما بين 90 و95% من فول الصويا والذرة”. وتوقع أن يرتفع الطلب على الحليب مع بداية شهر رمضان المبارك أواخر مارس/آذار القادم، مشيرا إلى أنه “سيكون هناك عجز بمقدار مليون لتر يوميا”.

ودفعت التكاليف الهائلة بالعديد من المزارعين إلى بيع بعض ماشيتهم أو كلها، إما للجزارين في السوق المحلية أو لنظرائهم في الجزائر المجاورة. ويقول الاتحاد إن عدد الماشية في تونس انخفض بنسبة تصل إلى 30% العام الماضي.

وبعد استقلالها في عام 1956، ضخت تونس الموارد في إنشاء صناعة الألبان المحلية، وحتى عام 2017، كانت مُصدِّرا لمنتجات الألبان في بعض الأعوام.

المزارعون في تونس يطالبون الدولة بإنقاذ قطاع الألبان
وطالب خاربيش الدولة بالتحرك الآن لإنقاذ القطاع، والسماح لأسعار بيع الحليب بالتجزئة بالتحرك استجابة للتغيرات في تكاليف الأعلاف وإزالة بعض الأعباء عن كاهل المنتجين. لكن تونس، المثقلة حكومتها بالديون، اكتفت حتى الآن بفرض ضريبة على الحليب المجفف المستورد.

والحليب هو مجرد جزء من سلة منتجات أساسية اختفت من حين لآخر عن الرفوف في الأشهر الأخيرة، مثلها مثل البنزين والسكر والبن وزيت الطهي.

وألقى الخبراء باللوم في شح البضائع الأساسية من المتاجر على نقص السيولة في خزينة الدولة التي تحتكر مثل هذه المنتجات، حيث يتم دعمها كمواد استهلاكية حيوية.

وسبق أن ألقى الرئيس التونسي قيس سعيد باللوم على “مضاربين” مجهولين، فيما قال خربيش إن على الدولة دعم معالجة المياه الرمادية للري لزراعة الأعلاف، إضافة إلى منح المزارعين مساعدات نقدية لمساعدتهم على شراء الأعلاف، معتبرا أن “هذا انهيار بطيء، وما يمكن تدميره في شهر قد يستغرق إصلاحه عامين أو ثلاثة”.

(فرانس برس، العربي الجديد)

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.