ليالي رمضان السودان.. سهرات وإفطارات جماعية
تختلف ليالي رمضان في السودان عن بقية العام، حيث تدب الحياة في شوارع العاصمة الخرطوم التي تسهر على غير العادة حتى الساعات الأولى من الصباح، وتمتلئ الساحات والحدائق العامة فضلا عن المتنزهات بالمواطنين، وتحتضن معظمها الإفطارات الجماعية لفئات الطلاب والعاملين في المؤسسات المختلفة، فضلا عن الأسر والعائلات.
يغلب على الخرطوم الطبيعة الهادئة إذ يخلد معظم قاطنيها إلى النوم عند التاسعة مساء، كما تغلق الأسواق العامة في ذات التوقيت، ويندر أن تجد أسواقا تفتح أبوابها حتى العاشرة أو الحادية عشرة مساء، اللهم إلا بعض المحال وتعد على أصابع اليد. وتفرغ الحدائق والساحات العامة من الناس، ويدب الهدوء في أحيائها الراقية والشعبية وتنطفىء أنوار المنازل وتغلق المحال التجارية الصغيرة في الأحياء، وتخف حركة المواصلات والسيارات، والتي تكاد تنعدم تماما عند الحادية والثانية عشرة ليلا.
تقول رماز، (طالبة): رمضان الشهر الوحيد الذي تختلف فيه مسارات حياتنا فيصبح ليلنا نهارا والعكس، حيث تتم الزيارات للأهل والجيران مساءً، وتكثر المشاركات في الإفطارات الرمضانية مع الأصدقاء وزملاء العمل التي تتم عادة في الصالات والحدائق العامة. وترى أن الليل في رمضان ذو نكهة خاصة تُفتقد في الليالي الباقية، وتضيف: “بغير رمضان يستحيل أن نقضي مشاروينا ليلا باستثناء المشاوير الخاصة بالأفراح والمناسبات عموما”.
أما فاروق، (موظف)، فيرى أن أكثر ما يميز رمضان في السودان الليل، حيث تعج الشوارع بالحركة وتفتح المحال التجارية أبوابها حتى الساعات الأولى من الصباح، فضلا عن المطاعم والمقاهي وخلافه، ويقول إنهم في الحي يلتقون عادة ليلا إما بالقرب من المنازل أو بنادي الحي للعب الضومنة وأوراق اللعب، ويضيف: “كما يمارس شباب الحي لعبة كرة القدم حتى الصباح. في اعتقادي أن رمضان هو الشهر الوحيد الذي تتقوى فيه العلاقات مع الجيران والأصدقاء بشكل أكبر”.
لم تكن الخرطوم في الأساس مدينة ساهرة حيث عرفت منذ تاريخها بالمدينة الهادئة، إذ يركن معظم ساكنيها للنوم في وقت مبكر، وبعضهم ربط مواعيد نومة بانتهاء نشرة الأخبار في التلفزيون القومي، التي تبدأ عند الساعة التاسعة.
في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كانت الخرطوم أكثر استقراراً وتعيش بنمط حياة محددة اختلفت حاليا بشكل كامل، لا سيما بعد إقرار قوانين سبتمبر/ أيلول 1983، والمتصلة بتطبيق الشريعة الإسلامية، فقبلها كانت الخرطوم تحتضن مجموعة من البارات التي يسهر عندها السودانيون، لا سيما الشباب، حتى الصباح، فضلا عن دور السينما والتي تعمل بنظام العرضين، أحدهما يبدأ بعد صلاة المغرب، والثاني بعد التاسعة مساء.
مع وصول النظام الحالي إلى الحكم في عام 1989ميلادية، واستمراره في تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد، اختلفت الخرطوم تماما، وأُجبر الجميع على النوم باكرا، إذ اتخذ النظام وقتها عدة إجراءات ربطها بالنظام العام، كان من ضمنها تحديد زمن لحفلات الزواج وخلافها، إذ تنتهي عند الحادية عشرة ليلا، وإن أقيمت في الأحياء وداخل المنازل، بينما كانت قبلها تستمر حتى الساعات الأولى من الصباح، كما تغلق المطاعم والمتنزهات والحدائق العامة أبوابها عند الحادية عشرة ليلا.
لكن، خلال الأعوام التي صاحبت توقيع اتفاقية السلام الشامل مع الحركة الشعبية، بقيادة الراحل جون قرنق، في 2005 وتطبيقها على أرض الواقع، اختلفت الخرطوم قليلا عمّا كانت عليه، حيث زادت أعداد المطاعم والمقاهي وأصبح بعضها يعمل حتى وقت متأخر من الصباح، بحركة دؤوب لا سيما بالمطاعم في الأحياء الراقية وشارع المطار.
كما شكل شارع النيل، حيث تنتشر بائعات الشاي، منفذا ليليا يسهر فيه السودانيون ويقضون فيه أوقاتاً طويلة يرتشفون الشاي والقهوة ويتسامرون.
العربي الجديد