رمضان السودانيين… غريب في “منازل الأحزان”
يتميز شهر رمضان في السودان بعادات استثنائية، إذ تبدأ طقوسه قبل ثلاثة أشهر من حلوله، وتتمثل في تحضير مشروبات ومأكولات خاصة وسط تجمعات عائلية كبيرة يتم فيها تجهيز عصير “الحلو مر” أو “الآبري”، وهو سيد المائدة السودانية خلال رمضان، ويعتبر مشروباً تقليدياً متوارثاً عبر الأجيال.
أثرت ثورة ديسمبر (كانون الأول) في شكل الحياة في البلاد، إذ انشغل السودانيون بالنضال والفعل الثوري على أمل أن يتغير الواقع إلى الأفضل. في هذا السياق يقول المحلل السياسي جعفر الهادي إن “الثورة السودانية أسهمت في تغيير مفاهيم السودانيين، وجعلت الأولوية الأولى بالنسبة إليهم هي الشارع والحصول على نظام حكم يتماشى مع العصر الحالي”.
واقع أشد سوءاً
أما عن تأثير العملية السياسية في حياة السودانيين، فيقول الهادي “لقد أسهمت في جعل واقع السودانيين أشد سوءاً، حيث يسيطر الحزن على الشعب الذي يشهد بين فترة وأخرى عدداً من القتلى الشباب، هذا الأمر جعل الناس غير مهتمين بالطقوس التي تقام خلال فترة رمضان بسبب الإحباط الذي انتابهم”.
لم تكن الثورة السودانية وليدة اللحظة، إذ مرت بمراحل متعددة حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن، فطوال السنوات الماضية لم يؤثر الفعل الثوري في حياة الناس، وكانت الأنشطة المختلفة تقام جنباً إلى جنب مع التظاهرات المتقطعة، لكن ثورة ديسمبر تميزت بالاختلاف.
يقول عضو لجان المقاومة شريف عبدالله إن “العملية السياسية في السودان أصبحت معقدة في الفترة الأخيرة، خصوصاً بعد الركود الأخير الذي تشهده البلاد، ونحن في لجان المقاومة أصبحنا لا نشارك في الفعاليات التي تقام خلال فترة رمضان والمتمثلة في تجهيز الشوارع للإفطار بها طوال فترة رمضان، مع تقديم أنشطة ثقافية وفنية ودينية”.
عبدالله يرجع ركود هذه الأنشطة إلى “الانشغال بالفعل الثوري، مع الحزن الذي أصاب مئات الأسر وآثاره النفسية الأخرى”.
لم تؤثر العملية السياسية في السودان في الأنشطة الرمضانية فقط، بل أسهمت الظروف الاقتصادية المتدنية في تراجع هذه الأنشطة خلال الشهر الفضيل.
وشهدت السوق السودانية زيادة كبيرة في أسعار السلع، مع تخطي سعر الدولار حاجز الـ600 جنيه سوداني، مما أثر في القوة الشرائية للمواطنين التي ضعفت في مناطق وانعدمت تماماً في مناطق أخرى.
المحلل الاقتصادي حمزة مصطفى قال إن “الاقتصاد السوداني يمر بأسوأ فتراته، فوفقاً لآخر دراسات أجريت عام 2022، كان التضخم الركودي أبرز مظاهر التردي، وهو أخطر ما يمكن أن يحدث لاقتصاد أي بلد، ويتمثل في توقف الدورة الاقتصادية في البلد مع حدوث انخفاض حاد في الاستهلاك وارتفاع حاد في أسعار السلع”.
وعن تأثير الأزمة الاقتصادية في استعدادات السودانيين لشهر رمضان يقول مصطفى إن “الأزمة الاقتصادية جعلت المواطن يتنازل عن أساسات كثيرة في غذائه وشرابه وملبسه، لأنه لا يستطيع شراءها، فما بالنا بالأشياء الأخرى كالاحتفالات”.
لكن كيف يمكن إنقاذ المواطن؟ يجيب مصطفى بأن “الأمر يحتاج إلى تقبل الوضع ودرء الشعور بالإحباط، لأن الإحباط قد يسهم في استمرار الأزمة لسنوات عدة، كما يجب وضع حلول وخطط بديلة، والعمل على اكتشاف طرق إنتاجية جديدة، وفتح مشاريع صغيرة وجمعيات تعاونية تعين المواطن خلال فترة رمضان”.
إحباط عام
دراسات وإحصاءات جديدة أكدت أن السنوات الثلاث الأخيرة ارتفعت فيها نسبة الأمراض النفسية في السودان، إذ يعاني ثمانية من أصل 10 من الذين شاركوا في الثورة القلق والاكتئاب.
الطبيبة النفسية سارة سلامة قالت إن “انتشار الأمراض النفسية في السودان أسهم بصورة كبيرة في عدم رغبة السودانيين، خصوصاً الشباب، في الاحتفال بالمناسبات المختلفة، ومنها بالطبع الفعاليات المقامة قبيل شهر رمضان، وذلك بسبب الإحباط العام بعد استمرار الثورة لأكثر من أربعة أعوام من دون ظهور نتائج إيجابية”.
الباحثة الاجتماعية هنادي سالم قالت إن “شهر رمضان يجب أن يكون متنفساً لتجديد الطاقة وعدم التركيز مع المشكلات المحيطة مهما كان حجمها، والتجهيزات للشهر لا تحتاج إلى كلف هائلة، إذ يمكن الاحتفال بأبسط الطرق، لكن المشكلة أن مواقع التواصل الاجتماعي وضعت مقاييس معينة مليئة بالرفاهية والفخامة. وحولت الأنشطة المقامة إلى حلقة سباق للاستعراض والتفاخر، مما جعل البسطاء يشعرون بالخجل من أوضاعهم، ويخجلون بالتالي من المشاركة في مناسبة دينية يجب أن توحد الناس”.