ألغام الحرب العالمية الثانية لا تزال تقتل الأطفال في شرق السودان

تصنف الأمم المتحدة السودان ضمن الدول بالغة التضرر من انتشار مخلفات المتفجرات والألغام الأرضية التي تسببت في مقتل 2611 شخصاً وجرح آلاف المواطنين الأبرياء معظمهم من الأطفال والمزارعين في مناطق عدة بالسودان، بخاصة في ولايات البلاد الشرقية (كسلا والقضارف والبحر الأحمر) الأكثر تأثراً من انتشار الألغام ومخلفات الحروب، يعود بعضها لفترة الحرب العالمية الثانية وتسعينيات القرن الماضي إبان حروب التمرد والمعارضة الداخلية.

تذكير وضحايا

وذكّرت البعثة الأممية المتكاملة لدعم التحول الديمقراطي في السودان (يونيتامس) في تغريدة على “تويتر” بأن إحياء اليوم الدولي للتوعية بخطر الألغام 4 أبريل (نيسان) الحالي، يجيء تحت شعار “الأعمال المتعلقة بالألغام لا يمكن أن تنتظر” في الخرطوم والولايات المتضررة من الذخائر المتفجرة (النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور).

وأكمل السودان ترتيباته مساء الثلاثاء في ذكرى اليوم العالمي للمساعدة والتوعية بأخطار الألغام التي ينظمها المركز القومي لمكافحة الألغام بالتنسيق مع مكتب الأمم المتحدة لخدمة مكافحة الألغام في السودان والشركاء الدوليين والوطنيين.

وينتظر أن يخاطب المناسبة عضو مجلس السيادة مالك عقار ووزير الدفاع الفريق يس إبراهيم، ويقدم مكتب الأمم المتحدة لخدمة مكافحة الألغام والمركز القومي لمكافحة الألغام عرضاً تعريفياً مشتركاً يتضمن النجاحات التي حققها برنامج السودان لمكافحة الألغام في الفترة الماضية والتحديات التي تواجهه.

في السياق، أوضح المدير العام للمركز القومي لمكافحة الألغام العميد خالد حمدان آدم لـ”اندبندنت عربية” أن المركز اعتاد تنظيم مؤتمر سنوي في هذه المناسبة امتثالاً لما تم التوافق عليه دولياً منذ عام 2005 .

وكشف عن أن مشكلة السودان مع الألغام بدأت منذ 1955 ما قبل الاستقلال جراء الحروب والنزاعات الداخلية التي ظلت تشهدها البلاد على مدى تاريخها والتي خلفت وراءها ألغاماً وأجساماً حربية أخرى لم تتفجر في 11 ولاية من مجمل ولايات البلاد الـ18، وبلغت حصيلة القتلى من الضحايا حتى اليوم حوالى 2611 شخصاً في أرجاء البلاد كافة.

تقليل الضحايا

وأكد مدير مركز الألغام أن جهود المركز مستمرة لتقليل عدد الضحايا وإزالة الألغام ومخلفات الحروب. وأسهمت تلك الجهود في إعادة بعض المناطق الزراعية في ولاية القضارف إلى دائرة الإنتاج بعد توقف نشاط الزراعة فيها لفترة طويلة من الزمن، وكذلك عادت الحياة لبعض المحليات في ولاية غرب كردفان (كلبس وكرينك وفوربرنقا) بعد تطهيرها وإعلانها مناطق خالية من الألغام، مما أدى إلى استقرار الأوضاع وتزايد أنشطة الأهالي في الرعي والزراعة والتجارة.

وشدد آدم على أن عمليات المكافحة يجب أن تشكل أولوية قصوى لارتباطها ببند السلام المستدام الذي حظي باهتمام الحكومة من أجل التوقيع على سلام دائم شامل ومستدام في البلاد.

وكشف عن جهود مستمرة لإعلان مزيد من المحليات في ولايات دارفور وإقليم النيل الأزرق خالية أيضاً من الألغام، مبيناً أن تحديات عدة ما زالت تعترض برنامج المكافحة على المستوى الوطني، أبرزها شح التمويل وقلة الدعم الخارجي سواء من الحكومة أو المانحين مقارنة بحجم المشكلة وبالنظر إلى الكلف الباهظة لعمليات التطهير والإزالة.

عقبات وتحديات

ولفت مدير مركز الألغام إلى أن تهالك وقِدم المعدات المستخدمة في عمليات التطهير التي ظلت مستخدمة طوال 21 عاماً منذ 2002 حتى اليوم، لا تزال تشكل معوقات كبيرة أمام عمل المركز.

ونوه إلى أن تجدد النزاعات وعدم التمكن من الوصول إلى بعض المناطق النائية نتيجة تباعد المسافات ووعورة الطرق، بخاصة تلك التي تقع تحت سيطرة حركتي “عبد الواحد محمد نور” بدارفور و”عبد العزيز الحلو” في جنوب كردفان، يمنعان الوصول إلى تلك المناطق الملوثة بالألغام.

ويضيف “إحياء اليوم العالمي للألغام في الرابع من أبريل من كل عام يستهدف إيصال رسائل عدة إلى المجتمعات المتضررة، تؤكد أن الألغام تظل مشكلة يسعى القطاع الرسمي جاهداً إلى حلها، وتطمئن المتضريين بأن حقوقهم محفوظة وأن أسماءهم موجودة في قواعد بيانات المركز، بينما تستمر الجهود الحثيثة للوصول إليهم، كما أنها رسالة أيضاً إلى المانحين والمنظمات العاملة تفيد بأن جهودهم محل تقدير واحترام كبيرين من جانب السودان”.

على الصعيد نفسه، أوضح المنسق بمكتب الأمم المتحدة لخدمة مكافحة الألغام في السودان معتز عبدالقيوم أن اليوم العالمي للتوعية بأخطار الألغام هو يوم نتذكر فيه المفقودين وحاجتهم الماسة للوقوف معهم وقفة حقيقية، تدرأ عنهم شبح الخطر الذي يحدق بهم ويحرمهم من حياتهم الطبيعية والاستفادة من أراضيهم الزراعية.

تقدم وانتكاس

وكشف عبدالقيوم عن حاجة السودان الماسة إلى أي نوع من عمليات مكافحة الألغام وإزالتها، مشيراً إلى أن برنامج الأمم المتحدة تمكن خلال فترة عمله من تنظيف حوالى 70 في المئة من المساحات المتأثرة في منطقة الكرمك و30 في المئة من مناطق قيسان بإقليم النيل الأزرق، لكن انهيار اتفاق السلام عام 2011 شكل نكسة جديدة لتلك الجهود، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مناطق جنوب كردفان حيث تنتشر مخلفات الحروب فضلاً عن مناطق عدة في شرق السودان التي لا تزال توجد فيها بقايا متفجرات من الحرب العالمية الثانية، إلى جانب مناطق الدمازين قيسان بالنيل الأزرق وجنوب كردفان وعلى حدود الولاية مع غرب كردفان.

وأوضح أنه على رغم قلة الألغام في مناطق ولايات إقليم دارفور، إلا أنها ما زالت تعج بالمخلفات الحربية والأجسام غير المنفجرة، بخاصة في مناطق وادي صالح وخور برنقا وجبل مرة، وهي كميات قد يؤدي التخلص منها إلى أضرار كبيرة ربما تؤثر في 80 في المئة من البيئة الطبيعية في تلك المنطقة.

نجاحات وتقدم

على نحو متصل، كشفت التقارير عن أنه على رغم ضعف التمويل وتوقف الدعم الخارجي فضلاً عن الوضع الأمني وتباعد أماكن إقامة بعض الضحايا، تمكن المركز القومي لمكافحة الألغام خلال السنوات الخمس التي سبقت عام 2021 من إبطال مفعول ما يفوق 10 آلاف لغم، كان قد تم زرعها خلال سنوات الحروب على مساحة تقدر بحوالى مليون و300 ألف فدان في ولايات شرق السودان.

وأثمرت جهود وعمليات إزالة الألغام ومخلفات الحرب خلال شهر فبراير (شباط) 2021 عن تسجيل ثماني مناطق خطرة وتطهير ثلاث مناطق ومساحة 1.014.394 متر مربع من الألغام ومخلفات الحرب وتسليمها للمجتمعات، إضافة إلى تدمير أربعة ألغام مضادة للأفراد ونحو 41 ألفاً و906 ذخائر صغيرة، تزامناً مع تنفيذ أنشطة توعوية عدة بأخطار الألغام والمتفجرات شملت آلاف الأشخاص وسط المجتمعات المتأثرة، الأمر الذي أسهم في العودة التدريجية للحياة الطبيعية لأهالي المناطق المتضررة.

ضحايا الأطفال

في السياق، أعرب الناشط في مجال حماية الأطفال برير مدثر، عن أسفه أن تكون شريحة الأطفال هي الأكثر تأثراً بمشكلة الألغام ومخلفات الحروب من مقذوفات وذخائر غير منفجرة، كثيراً ما يظنها الأطفال مجرد ألعاب يعبثون بها، فتنفجر بهم، وأحياناً يجلبونها معهم إلى المنازل غير مدركين لخطورتها وما يمكن أن تسببه من أضرار، إذ ليس لديهم الإدراك الكافي لتأثير المخلفات الحربية فيهم.

ناشد مدثر المنظمات العاملة في مجال مكافحة الألغام بضرورة إيلاء اهتمام أكبر بهذه القضية، ودعم جهود المركز القومي لمكافحة الألغام بما يمكنه من الاستمرار في عمليات الإزالة، بخاصة في المناطق الخطرة لا سيما في النيل الأزرق وجنوب كردفان.

وكانت الحكومة السودانية ناشدت الدول والمنظمات والوكالات الراغبة في العمل في برنامج مكافحة الألغام في السودان، دعم برامج إزالة الألغام والتوعية بخطورتها ومساعدة الضحايا، مجددة التزامها بكافة المواثيق والمعاهدات والاتفاقات الدولية الموقعة عليها في هذا الخصوص.

واعتبرت الحكومة في المناسبة نفسها العام السابق أن الجهد المشترك بين المركز القومي لمكافحة الألغام ومكتب الأمم المتحدة لخدمة مكافحة الألغام والشركاء والمانحين، أفضى إلى نجاحات كبيرة في السودان، منها عودة مناطق ذات تأثير اقتصادي كبير للإنتاج بعد تنظيفها من الألغام، إلى جانب تنظيف مناطق في ولاية غرب دارفور من الذخائر غير المنفجرة.

والسودان من الدول الموقعة على معاهدة أوتاوا ويسعى عبرها إلى التخلص من المخلفات الحربية التي تؤثر في حياة المجتمع وتعوق عمليات التنمية والاستقرار والنشاط الاقتصادي الذي تمثل الزراعة أساسه.

ومع التزام الحكومة السودانية ما هو مطلوب منها في تنظيف المناطق المحددة، غير أنها طلبت من الأمم تمديد العقد لأربعة أعوام، لكن الظروف الأمنية والاقتصادية الصعبة حالت دون إتمام المهمة في بعض المواقع.

في 13 أكتوبر (تشرين الأول) 2003، صادق السودان على اتفاق منع استعمال وتخزين وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد وتدمير تلك الألغام (اتفاق أوتاوا)، لكي يصبح بذلك الدولة رقم 140 التي تنضم إلى الجهد الدولي الرامي إلى وضع نهاية للمعاناة الواسعة الانتشار التي تسببها هذه المخلفات.

وفي الأول من أبريل 2004، دخل الاتفاق حيز التنفيذ وبات يتوجب على الحكومة السودانية تدمير جميع الألغام المضادة للأفراد المخزونة بحلول أول أبريل 2008 وتطهير جميع المناطق الملغومة مع بداية أبريل 2014، وتقديم تقرير إلى الأمين العام للأمم المتحدة حول التدابير المتخذة من أجل تنفيذ الاتفاق.

اندبندنت


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.