الرجل الذي قطع رأسه وطبخه وأكله
الرجل الذي قطع رأسه وطبخه وأكله
وائل قنديل
ما الفرق بين امرأة تقتل طفلها وتقطع أوصاله وتطهو أجزاء منه وتلتهمها ورجل ذبح قيمه وأفكاره وقناعاته ثم مزّقها وطبخها وأكلها ومضغها ثم بصقها في وجوه الناس الذين تأثروا ذات يوم بتلك الأفكار والقيم التي بشّر بها ودافع عنها؟ ما الفرق بين تلك السيدة في ريف محافظة الشرقية المصرية التي صارت حديث الناس باعتبارها التي قتلت طفلها وأكلته وأستاذ العلوم السياسية معتز بالله عبد الفتاح، الديمقراطي السابق الذي نحر ديمقراطيته تحت أقدام السلطان، وأشعل النار تحتها، وخرج على الناس يقول لهم إن الديمقراطية هي الخراب، وإن الاستبداد هو الحياة، وإن عليهم أن يعضّوا على الاستبداد الذي يسوقهم كالقطيع بالنواجذ، ويحموا المستبدّ ويحافظوا عليه ويتمسّكوا به حتى لو جلد ظهورهم وأكل أموالهم؟
على قناة تلفزيونية غير معروفة، يطل معتز بالله عبد الفتاح الذي كان ثوريًا ديمقراطيًا ليبراليًا أيام ثورة يناير، ثم صار ذلك الأكاديمي الوطني “الدولجي”، حين حكم المجلس العسكري، ثم عاد وطنيًا ديمقراطيًا بملامح إسلامية حين شكل “الإخوان” البرلمان، وفاز مرشّحهم بالرئاسة، ثم عاد في هيئة “الدولجي” فقط مع الانقلاب العسكري هاتفًا “الجيش هو الحل”، ثم تطوّر به الحال حتى صار فاشيًا دمويًا في حب الوطن، منتحلًا شخصية عزرائيل، مطلقًا حملة شعارها “أرسلوهم إلى الله”، ويشرحها بركاكة كالتالي “معاقبة الإرهابي يوم القيامة دي حاجة بينه وبين ربنا، أما وظيفتنا إحنا فهي أننا نبعته إلى ربنا، هو واللي بيدعمه ويموّله أو يتستر عليه”.
بعد هذا المراحل كلها، وصل أستاذ العلوم السياسية القادم من جامعة ميتشغان الأميركية إلى الذروة الدرامية، رافعًا شعار “الاستبداد هو الحل”، لأن الثورات التي تنشد الديمقراطية وتداول السلطان تدمّر الأوطان وتفكّكها، وأمامكم السودان حالة طازجة تمامًا لهذا الدمار الذي أصاب كل البلاد التي حلمت شعوبها بالديمقراطية، فيما بقيت الدول ذات النظم الاستبدادية، وتلك التي تحكم قبليًا بمنأى ومنجى من الضياع.
الخلاصة التي انتهى إليها “الديمقراطي التائب” أن على الشعوب أن تتخلّص من الديمقراطية ومن الأشرار الذين يروّجونها ويدافعوا عن المستبدّين والطغاة، ويذبحوا لهم القرابين كل يوم، والمبرّر أنك لو تخلصت من مستبدٍ سوف يأتي الأكثر استبدادًا.
يا لها من حكمة بائسة تلك التي لا تجدها في أساطير القرون البعيدة قبل التقويم الميلادي، كما عند حيوانات أمثولات حكيم الإغريق أيسوب، والتي تصوّر الحلم بالتغيير والتحرّر جنونا وتهوّرا يهدّد حياة الناس بالفناء. وبالتالي، ليس ثمّة وسيلة للبقاء على قيد الحياة سوى الرضا بمصّاص الدماء الذي ارتوى، كي لا يأتي مصّاص دماء جديد جائع.
يقول أفلاطون “الدولة والفرد متشابهان وكل منهما يتبدل بأحوال الآخر، والدولة التي يحكمها طاغية لا يمكن أن تكون حرّة، وإنما هي مستعبدة إلى أقصى حد. وإذا كانت الدولة مشابهةً للفرد، فلا بد أن تتغلغل هذه العبودية في نفس الفرد الطاغية أيضًا، بحيث نجده يحمل نفسًا وضيعة إلى أقصى حد، بل تهبط أشرف أجزاء نفسه إلى أدنى مرتبة من مراتب العبودية”.
كان أفلاطون يرى الطاغية، الدولة أو الفرد، في صورة الذئب، اعتمادًا على أسطورة يونانية تقول إن المرء إذا ما ذاق قطعة من لحم الإنسان ممتزجةً بلحم قرابين مقدّسة أخرى، فإنه يتحوّل حتمًا إلى ذئب”.
ويبدو أن الدكتور معتز بالله قد ذاق هذا النوع من اللحم واستطعمَه وأحبّه، فخرج على مشاهديه في صورة ذئب يعوي: الحمد لله على نعمة الاستبداد.
فهنيئًا له بمتعة جلد ظهره.