شبكات السيارات المسروقة تنشط في الأسواق السورية

حافظَ سوق السيارات خلال سنوات الحرب السورية على نسب جيدة من العمل والتداول، وبات نشطاً خلال الفترة الأخيرة، في المدن الرئيسية مثل دمشق واللاذقية وحلب وطرطوس، مستغلاً عوامل وظروف الحرب التي سمحت لآلاف المكاتب بالعمل دون تراخيص نظامية.

وإلى جانب هذا الظرف ساهمت عوامل عدة في ثبات السوق بالرغم من حالات الركود التي مرَّ بها والناتجة بشكل رئيسي عن تأثره بوضع تدهور الليرة السورية وعدم استقرارها، خاصة خلال الأشهر القليلة الماضية التي تجاوز بها سعر الدولار عتبة 9000 ليرة بزيادة 2000 ليرة خلال الشهر الأخير، مما ساهم في ترقب تجارة السيارات لتطورات سوق الصرف.

يقول أحد أصحاب المكاتب التجارية في دمشق لـ”العربي الجديد”؛ إن عدة عوامل ساهمت بالحفاظ على أسعار معظم السيارات، ولعل أهمها وقف استيراد السيارات الحديثة لغاية عام 2018، ومنحها بعد هذا التاريخ لبعض المتنفذين في السلطة، وحتى هذا الجديد فقد استورد حصرياً لشريحة قادرة على تحمّل أسعارها الباهظة ولم يؤثر على أسعار المستعمل بل ساهم إلى حد كبير في ربط سعر المستعمل بتبدلات أسعار الدولار محلياً.

وإلى جانب هذا العامل ظهر النقص الكبير في أعداد السيارات المستعملة نتيجة الدمار الذي طاولها خلال سنوات الحرب ونتيجة للاستيلاء على جزء منها أو سرقتها وتداولها مسروقة أو “لفّة” كما يُطلق عليها. وأضاف إن حركة الإقبال على البيع والشراء تمرّ حاليا بأسوأ حالاتها منذ اندلاع الحرب، فيصعب على الجميع تخمين حركة صرف الدولار وزمن استقراره.

لم تقتصر تجارة السيارات في سورية على المعارض المرخصة وغير المرخصة، بل نشطت سوق سوداء تحت مسمى “السيارة اللفة” أي المسروقة بتشجيع وشراكة من المؤسسات الأمنية والعسكرية، وبتحفيز ومبررات أن مالكها فار من وجه العدالة أو يتبع لإحدى الجهات المعادية للسلطة. وبناءً عليه نشأت لهذا العمل شبكات امتدت على مساحة القطر وعملت بداية باتجاه واحد من الأماكن الأكثر اقتتالا ودمارا باتجاه الأماكن الأكثر أمانا.

وما لبثت أن عملت بجميع الاتجاهات بمواربة مقصودة من النظام الحاكم وشراكة بين شبكة من عصابات السطو والتشليح والسرقة وتواطؤ مأجور من الأجهزة والحواجز الأمنية وعمالة موظفين في دوائر النقل والمرور.
أحد موظفي النقل في مدينة السويداء طلب عدم ذكر اسمه، قال لـ”العربي الجديد”: “وصلت إلى دائرة النقل في السويداء أول سيارتين مسروقتين من محافظتي درعا والقنيطرة عام 2012 وقد زورت أوراقهما مع تغيير في بعض المواصفات والأرقام على المحرك و”الشاسيه” وأصبحتا لمالكين جديدين مقابل رشاوى تعادل ربع ثمن السيارة حينها. وفيما بعد لم نعد نُحصي عدد هذه السيارات بالأخص بعدما امتدت الشبكة لتتعامل مع جميع دوائر النقل في المحافظات”.

مهندس مدني من ضاحية “دمر” في دمشق يقول لـ”العربي الجديد”؛ فقدت سيارتي نوع “آفانتي” عام 2013 وقدمت بلاغاً إلى مركز الشرطة حينها، وشاءت الصدف أن أجدها بعد سبع سنوات في منطقة “السيدة زينب” جنوب دمشق برقم ورخصة جديدين بعدما تداولها ثلاثة مالكين برقمها الجديد المزوّر. وبالرغم من إثباتي للمالك وقسم الشرطة بتغيير أرقام المحرك والشاسيه إلا أني فقدت الأمل باسترجاعها.
ويستطرد المهندس: كلفتني عندما اشتريتها عام 2012 مبلغ 900 ألف ليرة ما يعادل 14 ألف دولار تقريباً ومازالت بنفس القيمة إلى الآن رغم مرور أكثر من عشر سنوات.

على خلاف العقارات التي خضعت أسعار مبيعها إلى ظروف المكان والمالك ولم تجار قفزات سعر الدولار؛ استطاعت السيارات النظامية الحفاظ على أسعارها التقديرية نسبة إلى الدولار، وارتفعت مع ارتفاعه اليومي، حيث تجاوزت “الكيا ريو” ذات أعوام الصنع بين 2008 – 2011، بين 100 إلى 120 مليون ليرة سورية ما يعادل 12000 دولار كمتوسط سعري، والهيونداي آفانتي بين 120 إلى 150 مليون ليرة ما يعادل نحو 15000 دولار.
فيما تمركز وجودها خلال السنوات السابقة بنسب عالية في المدن مثل دمشق واللاذقية وطرطوس، بينما قلَّ تواجدها في المحافظات الأكثر عرضة للسلب والسرقة مثل السويداء ودرعا وخاصة بعدما وُجد سوق منافس غير نظامي سُمي بسوق “الوارد أو اللفة”.

يستعرض “ه. ع.” صاحب معرض سيارات في حديثه لـ”العربي الجديد” قصة السيارات المسروقة والمهربة إلى السويداء، حيث قال إنه منذ سنوات اقتحمت السيارات الواردة من لبنان عن طريق حزب الله اللبناني سوق السويداء، وحلّت كمنافس قوي نتيجة حداثتها ورخص سعرها نسبة للنظامي القديم، فقد تراوحت أسعارها بين 4000 و7000 دولار للسيارات الكورية من أنواع “كيا وهيونداي” الحديثة، وزادت عن 10000 دولار للسيارات ذات الدفع الرباعي الحديثة.

وبالمجمل احتلت هذه السيارات مكان النظامي وتميزت عنها بالحداثة ومرونة التعامل في البيع والشراء فلا عقود نظامية وتسجيل لدى دوائر حكومة النظام أو فتح حسابات بنكية. بالإضافة لعدم حاجتها الدائمة لأعمال الصيانة والإصلاح وقطع الغيار.

ويقول صاحب مكتب لبيع السيارات الواردة من لبنان لـ”العربي الجديد”: “لقد مرَّ سوق السيارات “الواردة أو اللفة” بفترة ذهبية في محافظة السويداء بشكل خاص ودرعا وحمص واللاذقية، وفي طرطوس بشكل أقل، وكانت أرباحنا لا تقل عن 200 دولار في مبيع السيارة الصغيرة. ولم يشهد سوق السيارات الواردة الركود إلا بعد أزمات نقص البنزين وارتفاع سعره وإدخال النظامي إلى بطاقة المحروقات. وهذا بمجمله مضافا إليه تراجع سعر صرف الليرة السورية أدى إلى ركود وشبه توقف في مبيعات كافة السيارات”.
ويضيف أنه على الرغم من أنها ساهمت في منح أصحاب الدخل المحدود فرصة ركوب سيارة حديثة وفرصة العمل للكثيرين في تداولها الحر أو استخدامها كوسيلة عيش عن طريق تشغيلها أو تأجيرها، لكنها سببت أزمات عدة أهمها الازدحام ونقص البنزين وارتفاع سعره بالإضافة إلى حوادث السير ومخالفات المرور.

الناشط المدني هاني عزام، يؤكد لـ”العربي الجديد” عدم وجود إحصاء دقيق لأعداد السيارات “وارد لبنان” أو المسروقة. وبالتالي وحسب عزام، “فنحن أمام أزمة عدد من السيارات يُقدر بـ15 ألف سيارة على أقل تقدير تسير في شوارع المحافظة بأرقام مزورة ودون أية أوراق نظامية ويقودها الصغار والكبار وحتى النساء دون شرط رخصة القيادة، وتسبب أخطار الحوادث والموت للمواطنين دون إمكانية الملاحقة القانونية والأحكام القضائية”.
ومن جانب آخر يرى مالكو هذه السيارات أن من حقهم ركوبها طالما أن النظام ومؤسسة الجمارك قد حرمتهم منذ عقود من امتلاك سيارة حديثة بسعر رخيص.

العربي الجديد


انضم لقناة الواتسب

انضم لقروب الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.