حرب السودان: النساء ضحاياها الأُول… وحالات اغتصاب بالعشرات

اغتصاب النساء، حتى القاصرات منهن، في العاصمة السودانية (الخرطوم) وولايات أخرى، من أكثر الموضوعات التي شغلت بال الأسر خلال الفترة الماضية، ربما أكثر من الحرب نفسها، التي، شأنها شأن كل الحروب، تترافق مع عنف جنسي على النساء.

إحصائيات
وتشير الإحصاءات، التي حصلت عليها «الشرق الأوسط»، إلى تسجيل 49 حالة اغتصاب مؤكدة، وأن بعض الناجيات تم اغتصابهن أمام أعين أزواجهن وأطفالهن، وبعضهن أصبن بصدمة نفسية نتيجة تعرضهن للاغتصاب أكثر من مرة، من أشخاص يرتدون زي «الدعم السريع»، وآخرين بملابس مدنية. لكن كثيراً من حالات الاغتصاب لا يتم التبليغ عنها خوفاً من تداعياتها الاجتماعية.

هذا ما أكدته رئيسة «وحدة مكافحة العنف ضد المرأة»، سليمى إسحاق لـ«الشرق الأوسط»، إذ قالت: «إن حالات الاغتصاب في دارفور بلغت 25 حالة، بينما سجلت في الخرطوم 24 حالة في الفئات العمرية بين 12 و54 سنة». وأضافت أن «ما تم توثيقه من الحالات يمثل 2 في المائة فقط مما يحدث فعلياً في العاصمة؛ لأن جريمة العنف الجنسي يتم غالباً التكتم عليها»، مشيرة إلى وجود عراقيل أمام الناجيات، مثل ندرة الجهات التي يمكنها تقديم الدعم لهن.

ووصفت إسحاق ما يحدث الآن بأنه «حالة فوضى تقوم بها قوات تفتقر إلى القيادة، وأحياناً يصعب التعامل معها».

وقالت إسحاق إن غالبية الناجيات أوضحن أن الاعتداء عليهن تم من قوات ترتدي زي «الدعم السريع».

ماذا يقول القانون الدولي؟
ولا يفرق القانون الدولي الإنساني بين نساء ورجال، لكنه يفرق بين محاربين ومدنيين، والمرأة في الغالب مدنية وليست محاربة. ويعد اغتصاب النساء «جريمة حرب»، كما أن هذا القانون لا يجيز لمَن يحمل صفة «محارب» اغتصاب النساء أو إلحاق الضرر بالمدنيين. لكن ما يجري في الواقع هو أن النساء، بسبب هشاشة أوضاعهن في الحروب، يكُنَّ أول ضحاياها، وأحياناً يكون الغرض من اغتصابهن هو إلحاق «العار» بالعدو.

وقال الجيش في بيان له، إن قوات «الدعم السريع» ارتكبت انتهاكات جنسية بحق نساء وقاصرات، كما أدانت وزارة الخارجية احتلال «مستشفى أم درمان للولادة» (الدايات)، في الثالث من مايو (أيار) الماضي، وطرد الطواقم الطبية منه وإخراج النساء الحوامل.

لكن قوات «الدعم السريع» قالت إنها لم ترتكب تلك الجرائم، وإن زي القوات يستخدمه البعض لتشويه صورتها.

نقابة الأطباء توثق
سكرتير نقابة الأطباء، عطية عبد الله، قال لـ«الشرق الأوسط» إنه جرى توثيق حالات لنساء تم اغتصابهن خلال الفترة الماضية، مشيراً إلى أن حالات كثيرة لم يتم الإبلاغ عنها بسبب «الوصمة الاجتماعية» التي تلحق بالمغتصَبة. وكشف عبد الله عن حالات حمل لمغتصَبات بسبب عدم تناول العلاج؛ لأنهن في مناطق يصعب الوصول إليها أو الخروج منها بسبب الاشتباكات.

وقال عبد الله إنه «تم تسجيل حالات اغتصاب لنساء تجاوزت أعمارهن 50 عاماً، وحالات اغتصاب لقاصرات»، مشيراً إلى أنه إذا لم تتناول المغتصَبات العلاج خلال 72 ساعة، فإنهن يصبحن عرضة لحدوث الحمل، أو للإصابة بالإيدز، والكبد الوبائي في بعض الحالات.

ولفت عبد الله إلى أن نقابة الأطباء استطاعت توفير العلاج للنساء اللاتي تعرضن للعنف بمختلف أنواعه، وتوعية الأطباء للتعامل مع تلك الحالات.

ولم تقتصر حالات الاعتداء من قبل قوات عسكرية ترتدي زي «الدعم السريع» على بعض السودانيات. فقد اضطرت بعض المنظمات العاملة في مجال العمل التطوعي إلى مغادرة السودان، بعد تعرض 3 نساء يعملن في منظمات تطوعية للاغتصاب من قبل قوات عسكرية.

وتتبرأ القوتان المتحاربتان من الاتهامات حول اغتصاب النساء، وتقول كل منهما إن تلك الحالات وقعت في مناطق يسيطر عليها الطرف الآخر.

ويؤكد مدافعون عن حقوق النساء أن الحرب تهدد حياة النساء، وتعرضهن للقتل والاختطاف والاغتصاب، وأن الخطر على النساء يتضاعف في وقت الحرب؛ لأنهن يقمن بدورَي الأم والأب معاً في حال موت أو فقدان رب الأسرة، وتضطر المرأة عندئذٍ إلى امتهان أعمال شاقة أحياناً لتوفير المال الذي يعينها على توفير الغذاء لأطفالها.

مركز سيما
مديرة «مركز سيما»، ناهد جبر الله، قالت لـ«الشرق الأوسط»، إن الانتهاكات ضد النساء في زيادة مستمرة، وإن بعض النساء تم اغتصابهن من قبل قوات ترتدي زي «الدعم السريع»، وأخريات تعرضن للاغتصاب من عناصر مسلحة لكن بزي مدني، مؤكدة صعوبة الحديث عن إحصائيات في الوقت الحالي، لأن كثيراً من الحالات لم يتم التبليغ عنها، موضحة أن غياب الأجهزة العدلية يتيح فرصة لارتكاب مزيد من الجرائم، كما كشفت عن وجود 7 حالات اغتصاب لرجال.

وقالت جبر الله إن «مركز سيما» نجح بالتعاون مع شركاء آخرين في توفير الجرعة العلاجية الضرورية لمعالجة تداعيات الاغتصاب، كما نجح في توعية وتدريب العاملين في مراكز الإيواء، والتشجيع على التبليغ في حالة الاعتداء الجنسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.