ارتفاع كلفة دفن الموتى في العراق

تزيد المرارة على ذوي الأموات في العراق من جرّاء ارتفاع تكاليف الدفن في عموم البلاد. ورغم أن دفن الموتى لا علاقة له بانخفاض قيمة الدينار في مقابل الدولار الأميركي، لكن الأسعار ما زالت ترتفع أسوة ببقية الخدمات.
تصل قيمة حفر القبر الواحد ودفن الميت في المقبرة النموذجية في مدينة النجف إلى مليوني دينار عراقي (نحو 1400 دولار أميركي)، أما في المقبرة القديمة التي تُعرف باسم “وادي السلام”، فتصل الكلفة إلى 900 ألف دينار (650 دولارا)، والكلفة في مقبرة “محمد سكران” بالعاصمة بغداد، تتجاوز المليون دينار، وتتفاوت المبالغ بين محافظة وأخرى ومدينة وأخرى.

يقول الدفّان علي الحياوي، من مدينة كربلاء، لـ”العربي الجديد”، إنه “في أوقات الكوارث، مثل العمليات الإرهابية والحرائق وحوادث الطرق في المدينة، تكون هناك زيادة في الطلب على حفر القبور والدفن، والكلفة لا تشمل في العادة قيمة الأرض التي تستخدم كقبور. قيمة الأرض التي تستوعب نحو 10 موتى تبلغ نحو 5 ملايين دينار (3700 دولار)، وهي عادة تعود إلى أشخاص أو إلى البلدية، وهناك أراض مجهولة المالك تسيطر عليها بعض الجهات، وهناك جماعات تمتهن حفر القبور منذ عقود، وارتفاع كلفة الحفر والدفن ليس وراءها قرار، ولا يتحكم فيها العاملون في المجال، بل تندرج ضمن ارتفاع أسعار كل شيء وانخفاض قيمة الدينار”.
ويضطر كثير من العراقيين إلى التوجه نحو المقابر الصغيرة، أو البعيدة عن المدن، لدفع تكاليف أقل مقارنة بالمقابر الكبيرة أو المعروفة، والتي يحظى بعضها بقدسية، مثل مقابر مدن النجف وكربلاء والكاظمية.
ويؤكد الدفّان أبو رحمة العبودي، من مدينة النجف، أن “الأشخاص الذين يمتهنون مهنة دفن الموتى (الدّفانة)، لا يستغلون ذوي الميت، بل في أحيان كثيرة يتم حفر القبور والدفن مجاناً، لكن الاستغلال يكون من الأشخاص الذين يسيطرون على الأراضي، فالمقبرة الجديدة (النموذجية) جعلت من الموت مشروعاً ربحياً”.
ويكمل العبودي متحدثاً لـ”العربي الجديد”، أن “المهنة منتعشة في العراق لأن الموت في بلادنا أكثر من بلدان أخرى بفعل انعدام أشكال الراحة، وموت الشباب بات شائعاً مقارنة مع كبار السن، ومقابر مدينة النجف هي الأعلى سعراً مقارنة مع بقية المقابر المنتشرة في البلاد، لأن أسعار الأراضي مرتفعة”.
من جهته، يبيَّن أبو علاء الجنابي، من مدينة الحلة، مركز محافظة بابل، أن “الكثير من الأهالي وذوي الموتى يتعرضون لنكبات إضافية بعد فقدهم أحبابهم أو أبناءهم بسبب الغلاء وارتفاع الكلفة المالية للدفن، والمشكلة الأكبر دائماً هي إيجاد أماكن الدفن، فغالبية العراقيين لا يملكون أراضي داخل المقابر، لذلك يتعرض ذوو الميت في بعض الأحيان إلى الابتزاز من قبل مُلّاك هذه الأراضي”.

ويوضح الجنابي لـ”العربي الجديد”، أن “الأمر ينسحب أيضاً على غسل الموتى، ونوعيات الأكفان، وتأجير السيارات المخصصة لنقل الموتى، لذلك باتت كثير من العوائل العراقية تقوم بتوفير المبالغ المالية تحسباً لموت أحد أفراد العائلة، كما تساهم العشائر العراقية في الأمر عبر صناديق يتم التبرع لها شهرياً في دفن أي من أفرادها الذين لا يملك ذووهم التكاليف الخاصة بإجراءات الدفن. التكاليف باتت مصيبة تضاف إلى مصيبة الموت، ومن المفترض أن يكون للحكومات المحلية دور في توفير مساحات جديدة، وتحويلها إلى مقابر، فضلاً عن منع الاستغلال الذي يتعرض له العراقيون في المقابر التي باتت مكتظة”.
ولا توجد أرقام دقيقة لأعداد المقابر في العراق، لكنها تصل إلى نحو ألفي مقبرة، وفقاً لتقديرات سابقة لمسؤولين في وزارتي البلديات والتخطيط، ومعظم هذه المقابر عشوائية، وبعضها غير مسجل ضمن الدوائر البلدية، وكثير منها ينتشر على أطراف المدن، فضلاً عن وجود بعض المقابر داخل المدن.
وخلال السنوات الماضية، وتحديداً التي شهدت معارك دامية ضد الجماعات الإرهابية، وأبرزها تنظيم “داعش” الذي احتل مساحات واسعة من البلاد، ظهرت عشرات المقابر في محافظات الأنبار، ونينوى، وديالى، وصلاح الدين. وحسب مصادر عراقية، فإن معظم هذه المقابر غير مسجلة رسمياً، لكن لا يزال الأهالي يدفنون موتاهم فيها.

ويقول الصحافي محمد العاني إن “هناك أحزابا ومافيات دخلت على خط الاستثمار في المقابر، ما أدى إلى ارتفاع كلفة الدفن وأسعار الأراضي المخصصة للمقابر، حتى وصل سعر بعض الأراضي التي تستوعب 15 قبراً إلى سبعة ملايين دينار (4400 دولار)، ومن جراء ذلك باتت كثير من العوائل تشتري هذه القطع لتجنيب نفسها التعرض إلى مشاكل مالية في المستقبل”.
ويكمل العاني في اتصالٍ مع “العربي الجديد”، أن “المتاجرة بالقبور باتت رائجة خلال السنوات الماضية، خصوصاً مع تصاعد حالات العنف الدموي وتفشي الأمراض، وباتت للقبور أسعار متفاوتة حتى داخل المقبرة الواحدة، فمثلاً، ترتفع أسعار القبور التي تقترب من الشوارع العامة المحيطة بالمقابر عن أسعار القبور التي يكون موقعها بعيداً عن الشارع العام، والمتحكم بهذه القضية هم الأشخاص أو الجهات المسيطرة على المقابر، وبعضهم عوائل تعيش داخل المقابر، وأخرى تتعامل مع أحزاب ومليشيات، وهذا أمر معروف في مناطق متفرقة من البلاد”.

العربي الجديد

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.