اليوم العالمي لوسائل منع الحمل.. حقائق وخرافات حول الآثار الجانبية (حوار)

يحل اليوم العالمي لوسائل منع الحمل في 26 سبتمبر/أيلول سنويا، وهو فرصة لتسليط الضوء على قضية تنظيم الأسرة المحورية في حياة مختلف الشعوب.

وباعتبار أن مصر تعاني مشكلة سكانية حادة، بل هي المشكلة الأم التي تنبثق منها وترتبط بها كثير من مشكلاتنا الاقتصادية والاجتماعية، فإن التوعية بأهمية تنظيم الأسرة واستخدام وسائل منع الحمل يحظيان أهمية بالغة.

في حوار خاص لـ”العين الإخبارية” تحدث الدكتور عمرو حسن، مستشار وزير الصحة لشؤون السكان وتنمية الأسرة في مصر وأستاذ أمراض النساء والتوليد بجامعة القاهرة، عن مشكلة تنظيم الأسرة في مصر، مستعرضا أرقاما مهمة في هذا الصدد.

وتطرق المختص إلى تجارب عالمية لتنظيم الأسرة أثبتت نجاحها في هذا الصدد، موضحا مخاطر التضخم السكاني والإنجاب المتكرر على الأم والطفل والأسرة والمجتمع، وغير ذلك.

وإلى نص الحوار:

بداية، حدثنا عن اليوم العالمي لوسائل منع الحمل؟
يحل اليوم العالمي لوسائل منع الحمل أو تنظيم الأسرة في 26 سبتمبر/أيلول، وجرى الاحتفال به لأول مرة في عام 2007 عبر 10 منظمات دولية لتنظيم الأسرة.

والهدف من هذا الحدث زيادة الوعي حول وسائل منع الحمل وتمكين الأزواج من اتخاذ قرار مستنير بشأن تكوين أسرة، بحيث يكون كل حمل مطلوب، مع محاولة تجنب الحمل غير المرغوب فيه قدر المستطاع.

هذا يعني أن تنظيم الأسرة قضية حديثة؟
ليس صحيحا، فالحكاية بدأت قل أكثر من 100 عام عندما افتتحت الطبيبة مارجريت سانجر أول عيادة لتنظيم الأسرة في الولايات المتحدة في عام 1916، ولأنها كانت تروج لمنع الحمل جرى اعتقالها ثم إطلاق سراحها بكفالة، لكنها واصلت اتصالها بالنساء في عيادتها واستمرت تروج لفكرة تنظيم الأسرة وقبض عليها للمرة الثانية وحُكم عليها بالسجن لمدة 30 يومًا.

وبعد رحلة طويلة من التحديات، بدأت بنشر المجلة الشهرية الدورية لتحديد النسل في عام 1917 التي استمرت حتى عام 1929، كما أسست الرابطة الأمريكية لتنظيم النسل في عام 1921، وعقدت المؤتمر الدولي السادس لتنظيم النسل الذي انعقد في نيويورك في عام 1925.

وماذا عن قضية تنظيم الأسرة في مصر؟
ظهرت البوادر الأولى للاهتمام بالمشكلة السكانية وتنظيم الأسرة في مصر عام 1936 في كتاب العالم المصري الدكتور محمد عوض بعنوان (سكان هذا الكوكب)، وكذلك عندما أعلن مفتي الديار المصرية عام‏1937‏ أن الإسلام يسمح بتنظيم الأسرة‏ وفي عام‏ 1953‏، وتم إنشاء ‏(‏اللجنة الأهلية لمسائل السكان‏)‏ لكنها سرعان ما تحولت إلي جمعية أهلية عام‏ 1957‏.

وأعتقد أن الولادة الحقيقية لتنظيم الأسرة في مصر كانت في عام‏ 1962‏ من خلال الإعلان عن أول تأييد رسمي حكومي لتنظيم الأسرة، ثم تأسس أول إطار تنظيمي حكومي عام 1965 باسم “المجلس الأعلى لتنظيم الأسرة”.

إذن، بعد 87 عاما من تسليط الضوء على تنظيم الأسرة في مصر، إلى أين وصلنا؟
وصلنا إلى وجود مشكلة سكانية تتضخم مع الوقت، فمثلا سجلت مصر نحو 2.2 مليون مولود جديد في عام 2022 وحده، وباتت هي أولى المشكلات التي تواجه البلاد لأنها تلتهم كل عائد للتنمية، كما أنها تجهض كل محاولة للخروج من الضائقة الاقتصادية التي تعاني منها مصر.

وأرى أن هذه المشكلة ذات أبعاد سياسية واجتماعية واقتصادية ودينية وإعلامية وخيمة، ولا بد من تناول هذه المشكلة من كل جوانبها بصورة متكاملة.

مصر من الدول التي تعاني من تكرار حمل النساء، فما هي الأضرار الصحية التي تنجم عن ذلك؟
الأضرار الصحية التي تنجم عن عدم تنظيم الأسرة تقع على كل الأطراف، بداية من الأم ومرورا بالطفل ثم الأسرة والمجتمع، كالتالي:

1- بالنسبة للأم:

– ارتفاع معدل وفيات الأمهات بسبب كثرة الحمل والولادة.

– زيادة مضاعفات الحمل والولادة مثل النزيف وعسر الولادة وغيرهما.

– كثرة حدوث أمراض سوء التغذية مثل فقر الدم ولين العظام وتسوس الأسنان وغيرها.

– تشويه جمال المرأة مثل السمنة المفرطة وارتخاء جدار البطن وترهل الثديين وظهور الدوالي الوريدية.

– اعتلال الصحة البدنية والنفسية والإرهاق وعدم الاستمتاع بالحياة وعدم الوفاء بواجباتها كأم وكزوجة.

2- بالنسبة للطفل:

– زيادة احتمال حدوث إجهاض وولادة أطفال ناقصي النمو.

– زيادة احتمال حدوث تشوهات وعيوب خلقية في الجنين.

– زيادة معدلات الأمراض والوفيات بين الأطفال.

– عدم توافر الرعاية الكافية للطفل نتيجة عدم تفرغ الأم له لانشغالها برعاية بقية أطفالها مما يؤدي إلى إصابة الأطفال بسوء التغذية وبأمراض عديدة أخرى.

3- بالنسبة للأسرة:

– تأثر المستوى الاقتصادي للأسرة بما يجعلها عاجزة عن تلبية متطلباتها الأساسية من مسكن صحي أو ملبس أو رعاية صحية… إلخ.

– كثرة الإنجاب تعرض الأسرة كلها إلى مشاكل وانفعالات وضغوط نفسية شديدة وخاصة الأب الذي يقع على كاهله رعاية الأسرة بما يسبب للأب أمراض الجهاز الدوري والجهاز العصبي ومضاعفاتها.

4- بالنسبة للبيئة:

– حدوث مشكلات بيئية عديدة نتيجة الكثافة السكانية العالية والازدحام وعدم توافر المسكن الصحي.

كثيرات يخفن من الآثار الجانبية لوسائل منع الحمل، ما حقيقة وجود تأثيرات مضرة لها؟
وسائل منع الحمل آمنة أي أنها لا تسبب الإصابة بأمراض مثل ضغط الدم المرتفع أو السكري أو أمراض القلب، أو السرطانات باختلاف أنواعها على عكس ما يتردد بأنها على علاقة بسرطان الثدي.

وأيضا وسائل منع الحمل فعالة، بمعنى أنه عند استخدامها بطريقة صحيحة لا يحدث حمل لكن حال حدوث العكس فبالتأكيد كانت تستخدمها بشكل خاطئ أو استخدمتها دون مشورة طبية واختارت وسيلة غير مناسبة لها.

هناك معتقدات خاطئة عديدة تطال وسائل منع الحمل، حدثنا عن أبرزها وتصحيحها؟
بالفعل، هناك خرافات عديدة تطال وسائل منع الحمل من أبرزها:

الخرافة: استخدام وسائل تنظيم الأسرة يسبب زيادة في الوزن

الحقيقة: في الماضي كان من الشائع والطبيعي حدوث زيادة عارضة في الوزن مع بداية استخدام حبوب منع الحمل لأنها كانت تحتوي علي جرعات عالية من الهرمونات التي تؤدي إلى احتباس السوائل وفتح الشهية، لكن مع التطور باتت تحتوي على كميات أقل من الهرمونات ما يمنع زيادة الوزن مع المحافظة على نفس درجة الحماية.

الخرافة: أقراص منع الحمل المركبة تسبب السرطان

الحقيقة: استخدام أقراص منع الحمل المركبة يساعد على حماية المستخدمات من نوعين من السرطان (المبيضين وبطانة الرحم)، وتستمر هذه الحماية لنحو 15 عاما أو أكثر بعد التوقف عن الاستخدام.

الخرافة: أقراص منع الحمل المركبة تسبب سرطان الثدي

الحقيقة: أثبتت الدراسات أن احتمالات إصابة السيدات اللاتي استخدمن أقراص منع الحمل المركبة لمدة أكثر من 10 سنوات بسرطان الثدي هي نفس الاحتمالات بالنسبة للسيدات اللاتي لم يستخدمن الأقراص مطلقا.

الأرقام دائما لا تكذب، ما أهم إحصائيات تنظيم الأسرة في مصر؟
بلغ عدد سكان جمهورية مصر العربية بالداخل 105 ملايين نسمة يوم السبت الموافق 3 يونيو/حزيران 2023، وطبقا لهذا الرقم فإن مصر تقع في المرتبة الرابعة عشر عالميًا من حيث عدد السكان، الثالثة إفريقيًا والأولى على مستوى الدول العربية.

بمقارنة معدل المواليد الخام ومعدل الوفيات الخام يتضح أن معدل الزيادة الطبيعية ارتفع ما بين عام 2010 من 22.6 في الألف إلى 24.7 في الألف عام 2014، ثم أخذ في الانخفاض بشكل تدريجي حتى بلغ 21.1 في الألف عام 2017، ثم واصل الانخفاض بشكل أسرع إلى أن بلغ 14.1 في الألف عام 2021.

الرئيس المصري تحدث أكثر من مرة عن تأخير الإنجاب، ما مخاطر حرية الإنجاب المطلقة؟
هنا نتحدث عن أبعاد المشكلة السكانية في مصر ولها أكثر من شق، الأول: يتعلق بـ”الكم” بكل ما ينطوي عليه ذلك من ارتفاع معدلات الزيادة الطبيعة، والثاني: وهو “الكيف” ونعني به سمات السكان من حيث مستويات الصحة والتعليم والتدريب والمشاركة الاقتصادية والإنتاجية.

أما الثالث: فهو “التكدس” ونعني به درجة سوء توزيع السكان على الرقعة الجغرافية للوطن بالشكل الذي يعوق إدارة المجتمع، أو يستنزف جزءًا كبيرًا من موارده لمتطلبات البنية الأساسية والخدمات العامة، بدلًا من استثمارها مباشرة في توسيع القاعدة الإنتاجية، والرابع: هو “التباين” ونعني به التباينات في المؤشرات التنموية بين المناطق الجغرافية.

وكيف تسعى الحكومة المصرية لمواجهتها؟
تتبنى مصر استراتيجية وطنية للسكان والتنمية (2023 – 2030) تأمل أن تسهم في حل الأزمة، وتستند للمبادئ مثل: ألا تتعدى معدلات الزيادة السكانية قدرة الدولة على توفير الخدمات الأساسية بالجودة المناسبة، ومسؤولية الدولة عن توعية أفراد المجتمع بأخطار معدلات الإنجاب المرتفعة على كل الأصعدة.

كما تستند لالتزام الدولة بإدماج المكون السكاني في خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق أهداف سكانية من خلال تنفيذ المشروعات القومية، فضلا عن تطبيق اللامركزية في إدارة البرنامج السكاني، بما يزيد من فاعلية وكفاءة المشروعات، وضمان مراعاتها للخصوصية الثقافية للمجتمع المحلي.

وتعمل الدولة المصرية حاليا على إعادة رسم الخريطة السكانية من خلال إعادة توزيع السكان على نحو يحقق الأمن القومي المصري، ويحقق أيضا الارتقاء بجودة حياة المواطن وتحسين خصائصه المعرفية والمهاراتية والسلوكية، وتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال تقليل التباينات في المؤشرات التنموية بين المناطق الجغرافية.

هل هناك تجارب عالمية لدول أخرى أثبتت أهمية استخدام وسائل منع الحمل وتنظيم الأسرة؟
بالطبع، هناك العديد من الدول طبقت استراتيجيات قومية لكبح المشكلة السكانية، مثل الصين وإندونيسيا وإيران وبنغلادش وسنغافورة وغيرها، وجميعا نجحت في تنظيم الأسرة وتحقيق المرجو.

وعلى سبيل المثال، لدينا التجربة الصينية إذ نجحت في تطبيق سياسات لتنظيم الأسرة وحققت التوازن بين النمو السكاني والنمو الاقتصادي، بل ونمو في الناتج المحلي الإجمالي يفوق بكثير معدل النمو السكاني أيضا.

أجرت الصين أول تعداد سكاني في عام 1953 وخلصت إلى ضرورة تطبيق وسائل تحد من التضخم السكاني، نظرًا لأن النمو السريع للسكان كان أسرع من النمو الاقتصادي، ومن أهم الإجراءات التي اتخذتها في هذا الإطار:

– التشجيع على استخدام وسائل منع الحمل.

– تأخر سن الزواج إلى 20 سنة للرجال و18 سنة للإناث.

– استخدام كل وسائل منع الحمل بدون استثناء.

كما أقرت مجموعة من الحوافز الإيجابية لتطبيق هذه السياسة وشملت:

– علاوات ينالها الوالدان حتى وصول الابن إلى سن 14 سنة.

– إعفاء الطفل الوحيد من الرسوم الدراسية في المدارس الابتدائية والمتوسطة.

– إعطاء أولوية مطلقة في العمل للطفل الوحيد حين يصل إلى سن العمل.

– يمنح الوالد معاشًا إضافيًا علاوة على المعاش الذي تقدمه التأمينات الاجتماعية في المدن.

– إعطاء أولوية للأسرة ذات الطفل الواحد في الحصول على المشروعات المدرة للدخل، ومشروعات القروض الصغيرة بدون فوائد.

كل ما أسبق أسهم في نجاح التجربة الصينية، إذ انخفض معدل النمو السكاني إلى 0.5% عام 2008.، ونجحت في الوصول بمعدل الخصوبة الكلي إلى 1.6 طفل لكل سيدة العام ذاته.

أيضا ارتفع متوسط العمر المتوقع إلى 71 عامًا للذكور و75 عامًا للإناث عام 2008، كما ارتفع معدل استخدام موانع الحمل بين النساء المتزوجات في سن الإنجاب إلى 90% عام 2008.

العين الاخبارية


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.