«معاناة النزوح» تُعيد سودانيين إلى الخرطوم رغم المعارك

جلست السيدة الأربعينية (أم سليمان) على الأرض في مبنى تحت التشييد بمدينة ود مدني السودانية التي نزحت إليها قبل 6 أشهر، بدا على وجهها التعب بينما كشفت ملابسها المهترئة هزال جسدها وشحوبه. لم تستطع السيدة السودانية حبس دموعها التي كانت تسيل بغزارة وهي تتحدث إلى «الشرق الأوسط» عن معاناتها وعجزها عن توفير ملابس الشتاء لأبنائها لمواجهة البرد؛ فهي تتحصل، كما قالت، على «بضعة جنيهات من بيع الشاي» بالكاد توفر لهم بعض الطعام.

ودفعت المعاناة من برد الشتاء وشح الغذاء نازحين سودانيين إلى التفكير في «العودة إلى الخرطوم»، رغم المعارك بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، وفق ما قالوا لـ«الشرق الأوسط». وتقدِّر «منظمة الصحة العالمية»، و«هيئة الأمم المتحدة للطفولة (يونسيف)»، أن 700 ألف طفل سوداني يعانون سوء التغذية الحاد، بينما تزداد المعاناة شتاءً مع ترافق الجوع والبرد، وعدم القدرة على شراء دقيق «الدخن» الذي يعتمد عليه معظم السودانيين، غير أن أسعاره تضاعفت.

ومنذ بدأ طقس الشتاء في التعبير عن نفسه، يتعرض ملايين النازحين لمخاطر عديدة، لا سيما مَن يعانون أمراض الصدر، ومن يقيمون في دور إيواء غير مهيأة للسكنى، كما أن المدارس التي يقيم فيها النازحون متهالكة ومغطاة بسقف من «الزنك»، ومداخلها ونوافذها مشرعة للريح ودون أبواب، وفي أحسن الأحوال لها أبواب ونوافذ من الأعشاب لا تحمي سكانها من البرد القارس الجاف.

ويطالب نازحون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» منظمات الإغاثة والمساعدات بتوفير «ملابس شتاء»، لا سيما للأطفال والنساء، وإزاء ذلك أطلق ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي حملات للمساهمة في «مشروع كساء النازحين»، وتخصيص مواقع لجمع تلك الملابس بشكل عيني، أو الإسهام في دعم مالي من المواطنين داخل وخارج البلاد، لشراء تلك الملابس الضرورية. ويقدر متطوعون أن هناك أكبر عدد من النازحين قدّروه بنحو 7.1 مليون نازح داخلياً، بحاجة لمساعدات إنسانية ملحّة، ويزيد من تلك الحاجة حلول الشتاء.

عودة رغم المخاطر
وبسبب مصاعب الحياة في دور الإيواء، فكرت السيدة الستينية نعمات بلة في العودة من مكان نزوحها بولاية البحر الأحمر إلى بيتها في الخرطوم، رغم احتدام المعارك هناك. وقالت السيدة لـ«الشرق الأوسط» إنها «تعاني آلام المفاصل التي تزيد حدتها في الشتاء البارد الرطب في البحر الأحمر». وتتابع: «أعلم أن العودة للخرطوم محفوفة بالمخاطر، فالحرب جعلت رائحة الموت تنتشر في كل مكان، ومَن لم يمُت بأسلحة الطرفين في مناطق الاشتباكات، يكن معرضاً للموت برداً».

نازح آخر، هو عبد الصادق صالح، حاول إيجاد حل لمواجهة البرد، عن طريق تنظيف «أكياس الخيش» وتغطيتها بخرق من القماش ليستخدمها أغطية لأطفاله ليلاً. يقول الرجل: «يبدو أن رحلة النزوح ستطول؛ إذ لم تتوصل الجولة الثانية من (مفاوضات جدة) لاتفاق لوقف إطلاق النار، وانقطع الأمل في الرجوع إلى بيوتنا في مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان». وتابع: «أجتهد في الحصول على عمل آخر بسوق ود مدني لتوفير مال لشراء ملابس الشتاء وتوفير مستلزمات العام الدراسي لأطفالي، فمن المتوقَّع بدء العام الدراسي قريباً».

تزداد معاناة كثيرين مع حلول فصل الشتاء، فهم إلى جانب البرد يعانون الجوع؛ فمعظمهم يواجهون البرد ببطون خاوية في مراكز الإيواء، ولمواجهة البرد والجوع، اضطر بعضهم لتأخير وجبة الغداء لما بعد المغرب تحايلاً على ظروفهم الاقتصادية، وحتى لا ترتجف أجسادهم من الجوع والبرد معاً.

الشرق الأوسط


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.