الحرب في السودان ـ لماذا لا يتم اللجوء للمكون الصوفي؟
للمكون الصوفي في السودان تواجد متجذر في المجتمع منذ مئات السنين وله تأثير على ملايين الناس هناك. فما موقف الطرق الصوفية من الحرب الدائرة في السودان منذ أكثر من سبعة شهور؟ وهل يمكن التعويل عليها لإيقاف القتال؟
“هذه الحرب الدائرة في السودان، إنما هي دماؤنا تسيل على الأرض، إنها حرب فرضت علينا بجهلنا”، يقول الداعية والحقوقي السوداني هاشم السنهوري لبرنامج “السودان الآن”.
ويتساءل السنهوري خلال حديثه للبرنامج الإذاعي الذي تبثه DW كل أربعاء: “من أوصلنا إلى هذه المرحلة؟ نحن نستعجب من هذه الحرب الدائرة بين أبناء الوطن الواحد بهذه الشراسة”.
“حرب عبثية”
وتدور في السودان منذ منتصف أبريل/ نيسان الماضي، رحى الحرب، بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان من جهة، وبين قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) من جهة أخرى. وتسبب النزاع حتى الآن في مقتل أكثر من 10400 شخص، وفق تقديرات متحفظة لمنظمة “أكليد”، كما أدى إلى نزوح أكثر من 4,8 ملايين شخص داخل السودان و1,2 مليون إلى دول الجوار، وفق الأمم المتحدة.
“هذه الحرب ليست على حق .. لأن الكل يحارب من أجل الحكم أو السلطة ولذلك فهي حرب عبثية كما أسمتها الأطراف المتحاربة نفسها”، حسبما يقول الشيخ يوسف عز الدين البشير، أحد أبناء الطريقة القادرية.
أما الطريقة التيجانية فترى على لسان أحد أبنائها، الشيخ على عبد المكرم، أن “ما حدث ليس من صالح الأمة السودانية، فهي حرب بين جيش الوطن والدعم السريع، الذي هو ابن من أبناء القوات المسلحة تمرد عليه ولهذا فكأن الابن رفع العصا على والده.. ولابد من الإصلاح بينهما وإيقاف إراقة الدماء”، بحسب تعبير الشيخ عبدالمكرم.
“طرف ثالث سبب اندلاع الحرب”
بينما يرجع الشيخ عادل حامد يونس، وهو إمام جمعة بأحد مساجد السودان ومعلم مدرسي، بذاكرته إلى أصل نشوب الحرب الحالية ويقول لـ DW إنه عندما طرحت القوى المدنية ما يعرف بـ”الاتفاق الإطاري”، والذي شهد نقاشات بين الجانب المدني والجانب العسكري ووقع عليه المكون العسكري بشقيه، القوات المسلحة وقوات الدعم السريع “ظهر بقوة طرف ثالث يناهض هذا الاتفاق وهم الإخوة في حزب المؤتمر الوطني المخلوع، الذي كان يحكم السودان في فترة الإنقاذ، وهذا هو أهم أسباب اندلاع الحرب”.
ويقول الصحفي السوداني المقيم في باريس محمد الأسباط، رئيس تحرير موقع مشاوير، إن هناك شبه إجماع بين هؤلاء، من مشايخ ومريدي الطرق الصوفية، بأنه “لا سبيل إلا بإيقاف هذه الحرب”.
نجاح جزئي في وقف القتال
ويضيف الأسباط في حواره مع DW إن الطرق الصوفية كان لها دور في إيقاف الحرب في مناطق عديدة في السودان على سبيل المثال في الفاشر. وبجهد مشترك مع الإدارة الأهلية وهي أيضا قوة مؤثرة على الأرض، “استطاعوا أيضا أن يوقفوا القتال في مناطق مدنية سواء كان ذلك في الضعين بشرق دارفورأو الفولة بغرب كردفان أو الدبيبات بجنوب كردفان ولحد كبير في الأبيض بشمال كردفان”.
وبالتالي هذا يؤكد أن للطرق الصوفية دورا أساسيا وفاعلا بسبب وجود أتباعها اليومي وسط الناس وتواصلهم معهم، في المساجد ودور الطرق الصوفية على مدار اليوم. وهم حاضرون في الأفراح والأتراح وأثرهم على الأرض أكثر فعالية وبالتالي “يمكنهم أن يسهموا بشكل فعال في إيقاف الحرب إذا تم البناء على ما قاموا به خلال أشهر الحرب السبع الماضية”.
“لا يمكنها أن تفعل شيئا”
لكن هناك آراء لا تتفق مع ما يراه الأسباط من قدرة الطرق الصوفية على المساهمة في إنهاء الحرب. فمثلا الطبيب الصيدلي طه الطاهر أحمد بدوي، وهو أحد نشطاء مجتمع ولاية البحر الأحمر، يرى أن “الطرق الصوفية بوضعها الحالي لا تستطيع أن توقف الحرب، رغم أن لديها علاقات مع جانبي الصراع”.
ويضيف: “شهدنا خلال فترة الثورة استقطابا كبيرا للطرق الصوفية من قبل مجموعات مسلحة معينة كانت موجودة إبان حكومة ثورة ديسمبر المجيدة”.
ويوضح بدوي وهو أيضا رئيس مجلس إدارة مركز دلتا للدراسات البيئية والعلمية في بورتسودان أن “القوى الحديثة” تشتكي دائما من أن “الطرق الصوفية دائما تحت جلباب السلطة”.
ويقول بدوي إن الطرق الصوفية تتمركز في جغرافية محددة مما لا يجعل لها تمددا كبيرا في السودان كاملا، “يعني أنها يمكن أن تكون موجودة في الفيافي البعيدة والأرياف والتجمعات القريبة من المدن ولكن في المدن يختفي دورها.. صحيح أن لها مريدين في المدن لكن هذا لا يجعل بإمكانها أن تؤثر تأثيرا كبيرا جدا..”.
أما الصادق علي حسن، من هيئة محامي دارفور فيقول إن “الطرق الصوفية لا يمكنها أن تفعل شئيا”. ويذهب بعيدا بشأن الصراع في السودان ويضيف: “قد ينتهي الحال في السودان بتدابير دولية مثل الوصاية الدولية على البلاد”.
جهود “صوفية” لحل الأزمة
لكن حتى لا يحدث ذلك، تحدث أتباع الطرق الصوفية لبرنامج “السودان الآن” عن جهودهم من أجل حل الأزمة فقال الشيخ علي عبد المكرم من الطريقة التيجانية إن أهل الطرق الصوفية من القادرية والسمانية والتجانية وغيرها، كلها تدخلت لدى مسؤولي القوات المسلحة ومسؤولي الدعم السريع، “داعين إلى وقف هذه الحرب، والإصلاح بينهم لكن هناك اختلافات بسيطة في وجهات النظر”.
ويعرب عبد المكرم عن تفاؤله من “حدوث صلح بين أهل السودان قريبا”، ومؤكدا أن هناك “أطرافا وطنية ” رحبت بمفهوم الطرق الصوفية لتقريب وجهات النظر بين الجيش والدعم السريع.
أما الشيخ عادل يونس فيؤكد على أن الطرق الصوفية “كان لها جهد واضح في إيقاف الحرب أولا عبر الدعاء إلى الله وكذلك عبر المنابر في الجمع واللقاءات الدينية” ويضيف “أنا نفسي كإمام مسجد تحدثت في خطب عديدة عن رغبة الشعب السوداني في إيقاف الحرب التي دمرت الأخضر واليابس”.
وأوضح يونس أنه تحدث مع القادة من الجيش والدعم السريع “الموجودين حولنا في منطقتنا وكلهم أبدوا مرونة ورغبة في إيقاف الحرب إلا أن الأمر لم يكن بأيديهم باعتبار أنهم قادة مسؤولين عن إدارة مناطق صغيرة”.
ويتمنى الصيدلي طه الطاهر أحمد بدوي أن “تكون هناك في المستقبل رؤية حديثة لموضوع الطرق الصوفية والإدارة الأهلية كي تغير من مفاهيم اتجاه دولة البناء الحديث، الذي يتم عبر ركيزة التعليم وطرح رؤى مستقبلية لسودان الغد”.
صلاح شرارة/ شارك في التقرير: ندى فاروق
المصدر: dw