جريدة لندنية : واشنطن لا تريد حسم الحرب في السودان عسكريا ولا إنهاءها سياسيا وتخشى من نجاح الدعم في السيطرة على مدني
واشنطن لا تريد حسم الحرب في السودان عسكريا ولا إنهاءها سياسيا
الولايات المتحدة تخشى من نجاح الدعم السريع في السيطرة على ود مدني.
الحرب تأبى أن تضع أوزارها
تتعرض قوات الدعم السريع لضغوط من الولايات المتحدة بشأن إيقاف تقدمها صوب مدينة ود مدني الإستراتيجية، وتعتبر أن هجوم الدعم يهدد الآلاف من النازحين وهي نفس الحجة التي ساقتها لإيقاف هجوم قوات الدعم على الفاشر، الأمر الذي يشي بأن الولايات المتحدة لا تريد لأي من طرفي النزاع حسم الصراع عسكريا، وفي الآن ذاته لا تفعل الكثير لجهة إنهائه سياسيا.
الخرطوم – تقول أوساط سياسية سودانية إن الضغوط الأميركية على قوات الدعم السريع لمنع تقدمها صوب مدينة ود مدني التابعة لولاية الجزيرة هي دأب انتهجته الولايات المتحدة منذ اندلاع الحرب في السودان، ويعكس واقع أنها لا تريد أيا من طرفي النزاع ترجيح الكفة لصالحه.
وتوضح الأوساط أن مع كل تقدم لقوات الدعم السريع تسارع الولايات المتحدة إلى إصدار بيانات تنديد وتحذير، وهو ما تم تسجيله قبل أسابيع حينما تقدمت قوات الدعم صوب الفاشر عاصمة ولاية شمال دافور، ليتكرر نفس الأمر مع ود مدني، وبنفس الحجة “الخشية على النازحين”.
وتلفت الأوساط إلى أن الولايات المتحدة لا تريد ممارسة ضغوط حقيقية لإنهاء الصراع عبر طاولة المفاوضات وهو ما ترجم في فشل منبر جدة، ومن جهة ثانية هي تعمل على الحفاظ على قدر من التوازنات في الميدان بما لا يسمح لطرف بالانتصار على الآخر، وهذا يشي برغبتها في إدارة الصراع لا حسمه.
وتشهد ود مدني في ولاية الجزيرة اشتباكات عنيفة منذ ثلاثة أيام بين قوات الدعم السريع بقيادة الجنرال محمد حمدان دقلو والجيش السوداني بقيادة الجنرال عبدالفتاح البرهان، على خلفية محاولات الدعم التقدم صوب المدينة.
ويمثل تقدم قوات الدعم السريع صوب ود مدني التي ظلت على مدار الأشهر الماضية بمنأى عن الصراع، تطورا نوعيا في الصراع الدائر منذ الخامس عشر من أبريل مع الجيش السوداني.
قوات الدعم السريع توجه تطمينات إلى المواطنين في ولاية الجزيرة وسط السودان، مؤكدة أن تحركاتها تستهدف الفلول
وتكتسي المدينة أهمية إستراتيجية بحكم موقعها المشرف على وسط وجنوب وشمال وشرق البلاد، كما أن السيطرة على جسرها الواقع على النيل الأزرق المسمى “جسر حنتوب” يعني إحكام الخناق على ولايات شرق البلاد، خصوصا مدينة بورتسودان التي باتت مقرا للحكومة ومجلس السيادة.
وتعد ود مدني المدينة الثانية بعد الخرطوم من حيث الثقل الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وتضم مشروع الجزيرة الزراعي الشهير الذي أنشئ في عام 1925 لمدّ المصانع البريطانية بحاجتها من خام القطن.
وحثّت السفارة الأميركية في بيان فجر الأحد قوات الدعم السريع على “وقف تقدمها في ولاية الجزيرة على الفور والامتناع عن مهاجمة ود مدني”.
وحذّرت من أن “التقدم المستمر لقوات الدعم السريع يهدد بوقوع خسائر هائلة بين المدنيين وتعطيل كبير لجهود المساعدة الإنسانية”.
وأشارت السفارة الأميركية إلى أن تقدم قوات الدعم “تسبب بالفعل في عمليات نزوح واسعة النطاق للمدنيين من ولاية الجزيرة .. وإغلاق الأسواق في ود مدني التي يعتمد عليها كثيرون”.
ويستبعد مراقبون أن تلقى دعوات الولايات المتحدة صدى لدى الدعم السريع، التي تدرك أن الهدف من واشنطن ليس حماية النازحين، بل هي تسعى في واقع الأمر للحيلولة دون تحقيق الدعم للمزيد من المكاسب الميدانية، الأمر الذي من شأنه أن يمنحها تفوقا عند بداية البحث بشكل جدي في الحل السياسي.
ووجهت قوات الدعم السريع تطمينات إلى المواطنين في ولاية الجزيرة وسط السودان، مؤكدة أن تحركاتها العسكرية تستهدف فلول النظام السابق واجتثاث الإرهاب.
تقدم قوات الدعم السريع صوب ود مدني التي ظلت على مدار الأشهر الماضية بمنأى عن الصراع يمثل تطورا نوعيا في الصراع
وقالت قوات الدعم السريع في بيان باللغة الإنجليزية نشرته على صفحتها على منصة إكس “تلتزم قوات الدعم السريع بحماية أمن ورفاهية جميع سكان ولاية الجزيرة، مع التركيز بشكل خاص على ود مدني”.
وأضافت أن هدفها الأساسي هو القضاء بشكل منهجي على القيادة المضللة والفاسدة للقوات المسلحة السودانية والميليشيات المتحالفة معها المرتبطة بالنظام السابق.
وتابعت أن “جنود قوات الدعم السريع الشجعان لا يتزعزعون في التزامهم بالقضاء على التطرف والإرهاب الذي نشره النظام السابق والمتعاونون معه داخل القوات المسلحة السودانية. يشكل هؤلاء الأفراد تهديدا كبيرا لأمن واستقرار أمتنا والمنطقة ككل”.
وأعربت قوات الدعم السريع في بيانها “عن عميق احترامها وامتنانها لسكان ولاية الجزيرة، الذين عانوا معاناة هائلة بسبب الظلم والاضطهاد والتهميش الذي مارسه النظام السابق. ولم تؤد هذه الأعمال إلى سرقة وتدمير الممتلكات المدنية والعامة فحسب، بل أدت أيضا إلى تدمير المشاريع الإستراتيجية في جميع أنحاء الولاية”.
وأكدت أنها “تدرك حملات التضليل واسعة النطاق التي نظمتها القوات المسلحة السودانية وحلفاؤها من النظام السابق، والتي تهدف إلى زرع الخوف والذعر في نفوس الشعب السوداني. ومع ذلك، فإننا على ثقة بأن سكان الجزيرة، الذين يتوقون إلى تخليص أنفسهم من النظام السابق المتطرف ومؤيديه، لن يتأثروا بمثل هذه الخدع”.
وبدأت قوات الدعم السريع الجمعة عملية عسكرية استهدفت عاصمة ولاية الجزيرة بعد أن توغلت قواتها في شرق ود مدني، حيث دارت اشتباكات عنيفة بينها والجيش السوداني بمناطق “العليلة وأبوحراز، وحنتوب”، وتمكنت قوات الدعم السريع من السيطرة على مناطق حيوية إستراتيجية بالمدينة من بينها مبان للشرطة.
وتواصلت الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع السبت في هجوم فتح جبهة جديدة في الحرب المستمرة منذ ثمانية أشهر ودفع الآلاف إلى الفرار.
Thumbnail
وأظهر تسجيل مصور انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي حشودا من الناس وهم يجمعون أمتعتهم ويغادرون ود مدني سيرا على الأقدام. وكان الكثيرون منهم قد لجأوا إلى المدينة هربا من العنف في العاصمة الخرطوم. وقال أحمد صالح (45 عاما) لرويترز عبر الهاتف “الحرب تبعتنا إلى مدني لذا أبحث عن حافلة حتى أتمكن أنا وعائلتي من الفرار”.
وقال شهود إن الجيش السوداني الذي يسيطر على المدينة منذ بداية الصراع شن ضربات جوية على قوات الدعم السريع شرقي المدينة، في إطار محاولته صد الهجوم.
وأضاف الشهود أن قوات الدعم السريع ردت بالمدفعية وشوهدت تعزيزات تابعة لها تتحرك في اتجاه القتال.
وقال سكان إن مقاتلي قوات الدعم السريع شوهدوا أيضا في قرى شمالي وغربي المدينة خلال الأيام والأسابيع الماضية.
وذكرت الأمم المتحدة أن 14 ألفا فروا من هذه المنطقة حتى الآن، وأن بضعة آلاف منهم وصلوا بالفعل إلى مدن أخرى. ولجأ نصف مليون شخص إلى ولاية الجزيرة، معظمهم من الخرطوم.
وحذرت نقابة أطباء السودان في بيان لها من أن المستشفيات في المنطقة، التي أصبحت مركزا إنسانيا وطبيا، أصبحت فارغة وقد تضطر إلى إغلاق أبوابها.
وأضافت في بيان “في هذه الأزمة، نوجه نداء عاجلا لإنقاذ أطفال دار الأيتام (المايقوما) الذين تم ترحيلهم من الخرطوم إلى مدني. هم الآن في مرمى النيران، حيث يوجد 251 طفلا و91 من الأمهات البديلات العاملات في الدار، جميعهم في وضع خطير ويحتاجون إلى مساعدة فورية”.
ويأتي فتح جبهة ود مدني بعد فشل جولة مفاوضات بين الجيش وقوات الدعم السريع، في جدة، برعاية أميركية – سعودية بعد تراجع الجيش عن التزاماته بشأن الفارين من السجون من فلول النظام السابق، وأيضا رفض قائد الجيش مقترحا للهيئة الحكومية للتنمية لدول شرق أفريقيا (إيغاد) يقضي بلقاء بين دقلو والبرهان.
وعلى جبهة أخرى، تحدث ناشطون عن تجدد الاشتباكات بعد هدوء نسبي على مدى أسابيع في محيط مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.
وكانت قوات الدعم السريع التي تطوق المدينة أوقفت تقدمها في وقت سابق بعد إعلان جماعات مسلحة أخرى أنها ستتدخل، وأيضا بعد ضغوط مارستها الولايات المتحدة.
جريدة العرب اللندنية