ينظر الكثيرون من السودانيين لمورد الذهب باعتباره لعنة من اللعنات التي أصابت الإقتصاد القومي بدلاً من أن يراه نعمة ومورداً يغذي الخزينة العامة.
فالذهب الذي نشط في اكتشافه الأهالي السودانيون بداية العقد الثاني من هذه الألفية، ويعمل به أكثر من مليون مواطن سوداني أضحي يجلب الكوارث على مستوى السياسات بين السودان ودول الإقليم.
وتتداول الأوساط الرسمية وغير الرسمية في السودان أن دولاً من الإقليم تدعم الحرب التي تدور في السودان بين الجيش السوداني ومتمردي الدعم السريع منذ شهر أبريل من العام الماضي بسبب مطامعها في الاستحواذ على الذهب السوداني.
ويُعدّ السودان أحد أكبر منتجي الذهب في القارة الأفريقية؛ إذ بلغ إنتاجه 30.3 طن في النصف الأول من عام 2021 وحده، بحسب الإحصاءات الرسمية.
وبلغت عائدات الذهب لخزينة حكومة السودان 720 مليون دولار خلال الربع الأول من عام 2022؛ وفق تقرير التجارة الخارجية الصادر عن بنك السودان المركزي.
إلا أن إنتاج السودان من الذهب (قطاع الشركات) تراجع ليصل إلى طنين فقط خلال فترة الحرب المستمرة في البلاد منذ عشرة أشهر مقارنة بإنتاج العام الماضي الذي تجاوز 18 طناً، بحسب مساعد مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية مقدام خليل إبراهيم.
وأكد إبراهيم أن إجمالي الذهب المنتج من قطاعات الشركات العام الماضي بلغ 2 طن، في الفترة من 15 أبريل إلى نهاية أغسطس 2023″.
وأضاف إبراهيم أن قيمة الذهب المنتج تبلغ 124 مليون دولار، نصيب الحكومة منها 25.5 مليون دولار.
والشركة السودانية للموارد المعدنية هي الآلية الإشرافية الحكومية على موارد التعدين في السودان، وهي الجهة المعنية بالرقابة علي قطاع التعدين، وبمثابة الذراع الفني للحكومة لمراقبة إنتاج الذهب.
ويعتمد السودان على صادرات الذهب بصورة رئيسية للحصول على النقد الأجنبي،
ووفقاً لتقارير صادرة في وقت سابق عن الأمم المتحدة فإن الاقتصاد السوداني تراجع بنسبة تصل إلى 42% جراء الحرب المستمرة بين الجيش السوداني ومتمردي الدعم السريع منذ 15 أبريل الماضي.
أصابع إتهام كثيرة أشارت لضلوع دولة الامارات العربية فب دعم متمردي الدعم السريع بهدف السيطرة من خلالها على ذهب السودان.
ولم تكن الإمارات وحدها التي تركز اهتمامها على مورد الذهب فى السودان فروسيا أيضاً في دائرة الإتهام عبر قوات فاغنر.
والأسبوع الماضي لوحت الحكومة السودانية بعزمها على قطع علاقتها الدبلوماسية بالإمارات على خلفية دعمها لمتمردي الدعم السريع في الصراع الدائر الآن في السودان بحسب مصادر خاصة تحدثت مع ( المحقق).
ويرى المحلل السياسي، عبد الباسط الحاج إن تدخل الإمارات في ملف السودان مرتبط بثلاث مصالح رئيسية تبحث عنها الإمارات في المنطقة و هي (ساحل البحر الأحمر، و الأراضي الزراعية الخصبة في السودان، والذهب) ، وأشار إلى أن هذه المصالح لن تتحقق إلا بوجود نظام سياسي في السودان تهيمن الإمارات على قراره يكون تحت سيطرتها بالكامل.
وأشار الحاج في حديثه مع (المحقق) إلى المعلومات المبذولة في تقارير عالمية والتي تشير إلى أن الذهب المستخرج من السودان يباع في الإمارات بواسطة وكلاء يعملون لصالح متمردي الدعم السريع و بالمقابل يتم تمكين هذه القوات عسكرياً واقتصادياً لتلعب دوراً سياسياً لصالح أبوظبي .
وأوضح أن النموذج الذي حاولت الإمارات صناعته في السودان هو نموذج خطير جداً يساهم في هشاشة السودان والمنطقة عموماً فمن المؤكد – حسب الحاح – أن دعم جماعة مسلحة شبه عسكرية لتكون موازية للقوات المسلحة الرسمية للبلد هو ما قاد إلي الحرب الدائرة الآن، مشيراً إلى استمرار الإمارات في دعمها لقوات الدعم السريع حتي بعد نشوب الحرب من خلال توفير الدعم اللوجستي عن طريق مطار أم جرس في دولة تشاد وغيرها من النوافذ التي وصل عبرها الإمداد.
بينما يفند الناطق الرسمي لشعبة مصدري الذهب، عاطف عبد القادر فرضية أن دولاً من الإقليم ترغب في الاستحواذ على ذهب السودان وتقف خلف الصراع القائم الآن بالسودان.
ونفى أن تكون هنالك أطماع حول الذهب من تلك الدول وقال إن الأمر خاضع للتجارة
مضيفاً القول “صحيح إن السودان من الدول المنتجة للذهب ولكنه ليس الدولة الوحيدة وأن الذهب ليس سبباً في الصراع الدائر الآن بالسودان”.
واوضح عاطف أن الإشكالية في صادر الذهب ليس الدول الطامعة أو الراغبة ولكنها السياسات الحكومية التي تقف عائقاً في أن تستفيد الخزينة العامة من هذا المورد الهام.
واتهم عبد القادر السياسات الحكومية بعدم القدرة على الاستفادة من الذهب بصورة مباشرة.
وأشار إلى أنه في حال وجود سياسات رشيدة لصادر الذهب لاستطاع السودان الإستفادة من هذا المورد الهام.
وكشف أن السياسات الموضوعة من قبل بنك السودان هي التي تؤثر على الصادر.
من جهة أخرى أكد المحلل الاقتصادي د. هيثم محمد فتحي على دور الذهب في الحرب الدائرة الآن بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع .
وقال إن الذهب من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى اندلاع الحرب باعتبار أن السودان من أهم منتجي الذهب في القارة الأفريقية ويتبوأ المركز الثالث عشر عالمياً.
ونبه فتحي في حديثه مع (المحقق) إلى وجود مطالب بعد اندلاع الحرب تطالب بالغاء استغلال مليشيا الدعم السريع لأكبر المناجم الموجودة في السودان والتي تتمثل في منجم جبل عامر ( غربي السودان) الذي تستحوذ عليه مليشيا الدعم السريع.
وأوضح أن هذا المنجم لا يستفيد منه الاقتصاد السوداني لجهة أنه يتم تهريب نحو 90 بالمئة من إنتاجه.
وكشف أن أغلب الشركات المملوكة لمتمردي الدعم السريع هي الشركات التي تعمل في مجال الذهب.
وأبان فتحي أن جميع أنشطة ما كان يعرف بقوات الدعم السريع تمول عبر الذهب بعد سيطرته على منجم جبل عامر بالإضافة إلى انشطة تلك القوات في مختلف بقاع السودان.
واكد فتحي إن السودان أنتج عام 2022 نحو 18 طن من الذهب مبيناً أن هذا الرقم لا يساوي سوى 50 بالمئة من الانتاج الفعلي.
وقال إن التقديرات لعائدات الذهب تصل الى 5 مليار دولار بيد أن مايدخل الخزينة العامة لا يتعدى نصف هذا المبلغ.
وأضاف إن ” الحرب الحالية ستكبد الإقتصاد السوداني خسائر فادحة وستزيد من معدلات التضخم وسيفقد السودان ما يقارب 2,5 مليار دولار من عائدات الذهب
مشيراً إلى أن الذهب من الأسباب الخفية للحرب الحالية لجهة أن الكثير من شركات المتمردين كانت تعمل مع الشركات الروسية وتبرم عقوداً واتفاقيات معها.
نازك شمام