بعد اقتراب الحرب في السودان من إكمال عامها الأول، نشطت الإدارة الأميركية عبر مبعوثها الجديد توم بيرييلو، الذي زار 7 عواصم أفريقية وعربية، لتطويق الأزمة السودانية.
وتتوقع واشنطن أن تصل البلاد إلى نقطة اللاعودة إذا استمرت الحرب 3 شهور أخرى، ولذلك تدفع نحو عودة طرفي القتال إلى طاولة المفاوضات خلال الأسابيع المقبلة.
ويرجح مراقبون لجوء إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى استخدام سياسة “العصا والجزرة” مع قيادتي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
وأعلنت الخارجية الأميركية في 26 فبراير/شباط الماضي تعيين توم بيرييلو، مبعوثا خاصا للسودان، في إطار مساعي واشنطن لإنهاء الحرب في البلاد.
انتقادات
وبيرييلو عضو سابق في الكونغرس عن الحزب الديمقراطي، خسر سباق حاكم الولاية في عام 2017، ولديه خبرة قليلة في السودان رغم أنه عمل مبعوثا خاصا إلى منطقة البحيرات الكبرى في أفريقيا.
وجاءت هذه الخطوة بعد شهور من مطالبة المشرعين الديمقراطيين والجمهوريين بتعيين خبير كبير في حل المشكلات للمساعدة في منع إحدى كبرى الدول الأفريقية من الانزلاق إلى “حرب أهلية”، وواحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
كما تزامنت مع قرار السفير الأميركي لدى السودان جون غودفري، التنحي عن منصبه بصفته المبعوث غير الرسمي.
وقلل أعضاء في الكونغرس من أهمية تعيين بيرييلو، ووجهوا انتقادات لإدارة بايدن لعدم الاهتمام بالملف وعدم تعيين مبعوث رئاسي دائم بعد 11 شهرا من الأزمة.
ودشن المبعوث الجديد مهمته بجولة بدأت في 11 مارس /آذار الجاري وتُختتم غدا السبت، حيث حملته إلى جيبوتي وإثيوبيا وكينيا وأوغندا ومصر والسعودية وآخرها الإمارات.
كما التقى في أديس أبابا ونيروبي وكمبالا والقاهرة طيفا من قيادات القوى السياسية السودانية المختلفة وممثلي المجتمع المدني، ولجان المقاومة والطوارئ ومجموعات نسوية وشبابية سودانية.
وقال توم بيرييلو، أمس الأول الخميس “إن الوصول إلى سلام مستدام لا يعتمد فقط على الحوار بين القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”، ولكن أيضا على جهود جميع أصحاب المصلحة الإقليميين ليصبحوا شركاء استباقيين في عملية السلام، خاصة أولئك الذين أججوا الصراع بدلا من الدفع لاستقرار السودان”.
عتاب سياسي
وأشار المبعوث الأميركي، خلال مؤتمر صحفي عبر الوسائط الرقمية، إلى أنه ناقش في بعض العواصم الأفريقية والعربية مع مجموعة من المدنيين والفاعلين السودانيين، سبل إنهاء الحرب والتخطيط لانتقال ديمقراطي في البلاد، وذكر أن السودانيين يريدون نهاية سريعة للحرب.
وبشأن محادثات السلام، قال بيرييلو “ندعو إلى إجراء محادثات سلام شاملة تشمل الشركاء الأفارقة الرئيسيين والقادة الإقليميين والجهات الفاعلة المتعددة الأطراف مثل هيئة “إيغاد” والاتحاد الأفريقي، وأصحاب المصلحة من دول الخليج، بما فيها السعودية والإمارات”.
وأضاف “هذا الشمول أمر بالغ الأهمية في تعزيز الحوار الحقيقي والالتزام بإنهاء الصراع، وتسريع عملية السلام”، وتوقع استئناف المفاوضات بين طرفي النزاع عبر منبر جدة عقب رمضان.
وكشفت تقارير أن المبعوث الأميركي عاتب القوى السياسية السودانية ويرى أنها لم ترتق إلى مستوى الأزمة، ولا تمثل كل الشعب السوداني، واستفسر عن الآلية التي يمكن عبرها استطلاع رأي الشعب.
وذكرت التقارير ذاتها أن بيرييلو يعتقد أن الدعم العسكري الخارجي لأطراف النزاع من أبرز عوامل إطالة الحرب، لكن تحركات واشنطن أقنعت دولا قريبة من السودان أن نيران الحرب يمكن أن تمتد إليها، كما أدركت دول أخرى أنها أساءت التقدير لأن مصالحها لا يمكن أن تتحقق إلا باستقرار السودان.
وأجرى المبعوث مشاورات في القاهرة مع رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير ونائبة رئيس حزب الأمة القومي مريم الصادق المهدي القياديين في تحالف قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي، بالإضافة إلى السياسي اليساري الشفيع خضر.
كما أجرى بيرييلو لقاءات مماثلة مع القياديين في قوى الحرية والتغيير- الكتلة الديمقراطية نور الدائم طه ومحمد زكريا، إلى جانب مجموعة محدودة من الإعلاميين السودانيين.
وتواصلت الجزيرة نت مع قيادات في حزب المؤتمر الوطني المحظور “الحاكم سابقا” لسؤالها عما تردد بشأن لقاء المبعوث الأميركي 3 من قيادات الحزب في القاهرة، لكن القيادات لم تؤكد أو تنفي حدوث هذا اللقاء.
استعجال أميركي
ويكشف أحد القادة السياسيين -طلب عدم الكشف عن هويته- أن المبعوث الأميركي أبلغهم أنه يقترح حوارا سودانيا لبلورة توافق بين الفرقاء على برنامج حد أدنى بشأن إنهاء الحرب وعملية سياسية شاملة، وأنه لا يحمل “عصا سحرية” وسيدفع لإعادة طرفي القتال إلى طاولة التفاوض.
وأوضح أن بيرييلو تحدث عن فترة زمنية لحل الأزمة لا تتجاوز 4 أشهر، وأنه يخشى أن إطالة أمد الحرب ستؤدي إلى خروج الأمور عن السيطرة ودخول البلاد في كارثة إنسانية تضاعف معاناة الشعب السوداني.
ويقول المحلل السياسي ورئيس تحرير صحيفة “التيار” عثمان ميرغني، الذي التقى المبعوث، إن الإدارة الأميركية مستعجلة لإنهاء الأزمة السودانية لحسابات أن ما تبقى من الزمن، قبل وصول البلاد إلى الهاوية، لا يتجاوز 3 أشهر.
ويقول إن ما خرج به من لقاء بيرييلو أن الحل يجب أن يصنعه السودانيون وأن الأولوية لوقف الحرب، وأن القوى السياسية تمثل نفسها ولا تمثل الشعب السوداني.
ويرى ميرغني أن واشنطن لا تزال تدرس تبني خريطة طريق جديدة في التعامل مع الأزمة السودانية، كما أنها تتبنى حاليا منهج الانفتاح على كل القوى السياسية بمن فيهم الإسلاميون لتقديم رؤية شاملة يمكن البناء عليها.
من جانبه، يرى المحلل السياسي محمد لطيف أن المبعوث الأميركي يتمتع بخبرة سياسية تؤهله للعب دور إيجابي في إطار مهمته، وعدّ جولته الأفريقية والعربية خطوة في الإتجاه الصحيح باعتبار أن العواصم التي زارها حلقة رئيسية مؤثرة في حل الأزمة السودانية.
وحسب حديث لطيف فإن عدم زيارة بيرييلو للسودان تشير إلى أنه يحاول محاصرة الأزمة من الخارج وليس من بؤرتها، وفي حال استطاع توحيد مواقف ورؤى دول الإقليم ومحيط السودان، فإنه سيكون قطع شوطا مقدرا نحو تسريع إنهاء الحرب.
ويضيف المتحدث ذاته أن الواقع يتجاوز منبر جدة بنمطه الجديد، حيث يفاوض الجيش والدعم السريع عبر عناصر فنية لا تحمل تفويضا، وأن المبعوث الجديد إذا أراد تحقيق اختراق نحو حل الأزمة فينبعي أن يجمع البرهان و”حميدتي”، ويستخدم “الجزرة والعصا” لحملهما على اتخاذ قرارات تؤدي لإنهاء الحرب في السودان.
الجزيرة نت