فطومه .. أكبر معمر في النوبة .. ولد في السودان وعاش ف مصر

يرعاه 25 حفيدا.. ويحن إلى «سفينة البوستة»

قارب المائة ويؤكد: «قلوب أهل بلاده فى بياض عمائمهم» «فطومه».. أكبر معمرى النوبة يتذكر

هو من أكبر معمرى النوبة، ولهذا فذكرياته كأنها سجل لأحوال بلاده «النوبة» فى القرن العشرين وبدايات القرن الـ 21 . يتحدث عبد الله حسن عبد المجيد، الشهير بعبد الله فطومه، فكأنه «موسوعة إنسانية» تتناول فصولها الأولى قرى «النوبة القديمة» والراقدة تحت مياه النيل منذ أكثر من 60 عاما. وتستكمل «الموسوعة» سرد فصول التاريخ النوبى بعد الهجرة ودور التكافل الاجتماعى فى دعم المجتمع النوبى وحفظ لغته وتقاليده وفنونه.

يقول «فطومه» عن «النوبة القديمة»: «عشت فيها فترة طفولتى وشبابي، وفى نوبتنا الجديدة عشت فترة رجولتى وشيخوختى. عاصرت حكم الملك فاروق والرؤساء ناصر والسادات ومبارك والسيسى. ولدت بقرية (بلانة القديمة) فى 17 يونيو عام 1926 والتحقت بكتاب القرية لأحفظ القرآن وأتعلم القراءة والكتابة. مارست مهنة الزراعة، وفهمت محورية دور النيل كمصدر للخير والرزق. وارتبط عملى لاحقا، بالنيل أكثر فأكثر. فقد عينت ميكانيكيًا فى محطة رفع رى (بلانة) وبعد التهجير، نقلت إلى محطة رى (سلوى) . وفى أثناء عملي، تعرضت لحادث أضعف بصرى لأفقده تماما بعد إحالتى للمعاش».

ويكمل موضحا: «راح بصرى ولكن الله أعاننى ببناتى وأحفادي، فأرى بأعينهم.وهذا جزء من تقاليد المجتمع النوبى المترابط، الذى لا يسمح بوجود دار إيواء للمسنين . ولكن نأمل فى رعاية الدولة للمعمرين النوبيين، وتكليف أطباء بمتابعة أحوالهم الصحية بشكل منتظم وإمدادهم بالعلاجات اللازمة».

وحول تجربة الهجرة، التى تعد خطًا فاصلًا فى تاريخ أرضه وتاريخه الشخصي، يقول: «لا أنسى أننا تركنا وراءنا الكثير من المتاع والأثاث، وعندما وصلنا إلى القرى الجديدة، كانت قطاعات منها مازالت قيد الإنشاء وبعض الخدمات لم تكتمل. وذلك أثر علينا كثيرا، وأسهم فى الصعوبات التى واجهناها نتيجة تغيير نمط الحياة. وكانت الدولة تدفع ٣ جنيهات معاشًا شهريًا للأسرة، التى لا عائل لها».

ويكمل «فطومه» راويا: «مع مرور الوقت تحسنت أحوالنا المعيشية، وفرحنا بالكهرباء، والطرق المرصوفة، وتوافر المدارس والمساجد. اندمجنا فى المجتمع الجديد، مع حفاظنا على كل ما هو قديم من لغة وتقاليد وتراث. لكن للأسف الأجيال الشابة فقدت اتصالها بهذه التقاليد واللغة التى لم يتعلموها. . كما تبدلت بعض التقاليد، إذ بات من الممكن زواج بناتنا بغير النوبيين. كما تبدلت عاداتنا الغذائية والاجتماعية».

وعن تبدل تلك العادات يحكي: «كنا نعيش فى مجتمع يوفر احتياجاته ذاتيا من الغذاء. فبكل منزل (حوش) لتربية الدواجن والماعز والخراف والبقر. وتوفر الزراعة الخضر والفاكهة. فقد كنا فى عزلة. لكن لاحقا، ومع وجود الطرق المرصوفة، وقرب محطات القطار تحقق لنا الانفتاح وتعدد المعروض فى كل شيء. كما كنا قديما، ننتظر (باخرة الصحة)، وهى مستشفى عائم يبحر فى النهر، ويتوقف أمام كل قرية لفحص المرضى وتقديم العلاج. كما كانت (باخرة البوستة) تنقل لكل قرية تموين الشهر، والطرود، ورسائل أبناء النوبة الباحثين عن الرزق فى القاهرة وشتى محافظات مصر. وكان سكان كل قرية عندما يسمعون صفارة (باخرة البوستة) يتطلعون لأخبار واردة أو حوالات مالية كانت فى العادة تأتى باسم العمدة أو شيخ القرية، الذى يجمع هذه المبالغ ويقسمها بين جميع الأسر، بحيث يكون للجميع نصيب، خاصة تلك العائلات التى لا عائل لها وكبار السن. وهو نظام تكافل تعودنا عليه بحيث لا يكون فى أى قرية محتاج».

ويكمل فى رواية قديم النوبة، فيقول: «كان أقصى سن لزواج الشاب 18 عاما، والفتاة 15 عاما. وعندما تزوجت دفعت مهرًا ثلاثة جنيهات، وقدمت قطعة صغيرة من الذهب. وكل أهل القرية يسهمون فى تجهيز منزل العريس، وتوفير سرير، وصندوق، و(وابورجاز) وبعض الأوانى والأطباق. أما منزل العريس فقد كان يتم تشييده من الخامات المتوافرة فى البيئة المحلية، وتتألف من غرف نوم، و(حوش) به المطبخ و(مضيفة) لاستقبال الضيوف، و(دورة المياه) تقام خارج المنزل. وإذا رزقت الأسرة بطفل، يتم بناء غرفة أخرى فى (الحوش)».

يقول «فطومه»: «تزوجت ست مرات وأنجبت ست بنات وولدًا، بينما يزيد عدد أحفادى على 25 حفيدا وحفيدة، أتعرف عليهم من أصواتهم. جميع زوجاتى نوبيات، فيما عدا الزوجة السادسة، فكانت سودانية- نوبية من بلدة (حلفا)»

عن «عمامة» أهل النوبة البيضاء، يقول: «هى أشبه بالتاج وتتراوح أطوالها ما بين ثلاثة وستة أمتار. وتتنوع بنوع القماش. يلتزم الشباب بارتداء (عمامة) صغيرة وقصيرة، أما الكبار فيرتدون العمائم الطويلة ذات الحجم الكبير. اللون الأبيض هو السائد فى لون (العمامة) لتقى الإنسان من أشعة وحرارة الشمس. وعند وجود حالة وفاة، تُرخَى (العمامة) من جهة اليسار، ناحية القلب، فيفهم الجميع أن صاحبها لديه حالة وفاة. وكثيرا ما قيل إن عمائم أهل النوبة فى بياض قلوبهم».

ويستشهد «فطومه» بما قاله شاعر من قرية «الأعقاب» متغزلا فى «العمامة» والجلباب النوبي:

عمى أبو العمة مزينة راسك … بالشاش أبيض حليت عمدة بين ناسك

أسمر بلون النيل والصدق نبراسك …وجلبابك رمز الأصالة زاهى ويا مداسك

أسوان ــ ياسر أبوالنيل
المصدر: الاهرام المصرية


انضم لقناة الواتسب

انضم لقروب الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.