تبكي “ثويبة” وهي تحكي عن إصابة شقيقها بنيران عصابات قرب مخيم كومر للاجئين في أثيوبيا ويؤوي 6 آلاف غالبيتهم سودانيون فروا من جحيم الحرب في بلادهم فوجدوا أنفسهم في ظروف أمنية وإنسانية تهدد حياتهم.
تروي اللاجئة السودانية بكلمات يكسوها الحزن والألم- كيف غادرت موطنها في ولاية الجزيرة بوسط السودان بعدما سيطرت قوات الدعم السريع على ود مدني عاصمة الولاية في منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، ونزحت مع عائلتها إلى ولاية القضارف في شرق البلاد المتاخمة لولايتهم ولإثيوبيا أيضا.
وتقول إنهم قرروا -بعدما أمضوا 4 أشهر بالقضارف، في ظل تهديد قوات الدعم السريع باجتياحها، وتردي الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع أسعار السلع وإيجار المنازل- اللجوء إلى إثيوبيا حيث عبروا إلى بلدة المتمة الإثيوبية ومنها إلى مخيم كومر، وبعد أيام وجدوا أنفسهم في منطقة أشد خطرا على حياتهم من حيث أتوا، على حد تعبيرها.
أكبر أزمة نزوح بالعالم
وتقول المنظمة الدولية للهجرة إن نحو 10.7 ملايين شخص نزحوا بسبب النزاع في السودان، منهم 9 ملايين داخل البلاد، بينما فرَّ 1.7 مليون إلى دول الجوار منذ اندلاع الحرب في بلادهم.
وتستضيف تشاد 37% من اللاجئين السودانيين، وجنوب السودان 30%، ومصر 24%، ويتوزع من تبقى على إثيوبيا وليبيا وأفريقيا الوسطى، حتى بات السودان يعد الآن بؤرة لأكبر أزمة نزوح في العالم، سواء في داخل البلاد أو في الدول المجاورة.
ومع كل اتساع لدائرة القتال، وتصاعده في ولايتي الجزيرة وشمال دارفور يتضاعف عدد الفارين الباحثين عن الأمان حيث تتكدس ولايات البحر الأحمر، وكسلا، والقضارف، علاوة على الولايات الشمالية والنيل الأبيض بآلاف النازحين الذين اضطروا لمغادرة منازلهم تحت وطأة القصف، أو هربا من الانتهاكات التي تمارسها قوات الدعم السريع، لا سيما في ولايات دارفور والجزيرة
ازدواجية معايير
ويأسف مسؤول حكومي لأوضاع النازحين واللاجئين من بلاده بسبب الحرب والظروف التي يعيشونها في بعض المناطق والدول التي احتموا بها لتجنب المخاطر على حياتهم، لكنه يلوم المجتمع الدولي الذي لم يعر النازحين اهتماما، وعزا ذلك لازدواجية المعايير التي تتعامل بها دول مانحة، مقارنة بما حدث في أوكرانيا ومناطق أخرى بالإضافة إلى استغلال الأزمة سياسيا.
ويقول المسؤول الحكومي -الذي طلب عدم الكشف عن هويته-إن الأمم المتحدة أطلقت خطتين للاستجابة الإنسانية لتوفير 4.1 مليارات دولار، لتلبية الاحتياجات الإنسانية الأكثر إلحاحا للمدنيين داخل السودان وأولئك الذين فروا إلى البلدان المجاورة منذ فبراير/شباط الماضي، غير أن الاستجابة من المانحين لا تزال أقل من 10%.
ويتهم المسؤول بعض الجهات بأنها تحاول استغلال الأزمة الإنسانية سياسيا للضغط على الحكومة أو توجيه القليل الذي يأتي عبر ممرات لا تسيطر عليها الحكومة لمساعدة “المتمردين” لا المدنيين كما حدث بنقل أسلحة في سيارات إسعاف من معبر أدري في تشاد إلى مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور.
وفي حين شكر دول الجوار الأخرى التي استقبلت اللاجئين رغم ظروفهم الاقتصادية الهشة، وخصوصا مصر، أكد المسؤول السوداني أن الحكومة بعثت مسؤولين لدول مجاورة لحل مشكلات تواجه اللاجئين في إجراءات إقامتهم أو تعليم أبنائهم، وتدعو المنظمات لتوجيه المساعدات للمتضررين في الداخل أيضا حيث يعيشون في مناطق آمنة.
متاعب في مصر
وتضاعف عدد اللاجئين السودانيين المسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر 5 أضعاف منذ اندلاع الحرب في السودان في منتصف أبريل/نيسان 2023، ليصل إلى 315 ألف لاجئ سوداني، يمثلون أكثر من 52% من إجمالي عدد اللاجئين المسجلين في البلاد، وعددهم نحو 590 ألف لاجئ من 60 دولة أجنبية، بحسب بيانات مكتب مفوضية اللاجئين بالقاهرة.
وتساعد منظمات وناشطون في الجالية السودانية في مصر، والتي نمت إلى ما يقدر بنحو 4 ملايين قبل الحرب، على توفير الدعم للقادمين الجدد، وتقول سلمى، الناشطة في الجالية، إن هناك مبادرات لمساعدة اللاجئين في مجالات التعليم والدعم النفسي في حالات العنف المنزلي والتشرد.
وتضيف الناشطة السودانية أن القادمين الجدد يعانون مع الإجراءات البطيئة لمفوضية الأمم المتحدة للاجئين، حيث يسجلون أسماءهم وينتظرون ما بين 4 إلى 6 أشهر لاعتمادهم ومنحهم بطاقة تسهل لهم الحصول على إقامة بصورة رسمية، وما يمنح لهم من مساعدة شهرية من المفوضية لا يكفي وجبات الأسرة يوما واحدا.
أوضاع مأساوية في تشاد
ويعيش في تشاد 745 ألف لاجئ سوداني في أوضاع مأساوية وغالبيتهم من قبيلة المساليت في ولاية غرب دارفور بعد مقتل أكثر من 15 ألفا من سكان الولاية برصاص قوات الدعم السريع بحسب تقارير أممية، حيث يعبر الفارون من الحرب إلى مدينة أدري الشرقية المتاخمة للحدود السودانية، قبل أن يتم توزيعهم على مخيمات أخرى.
وتحاول الحكومة والمنظمات التشادية ومبادرات فردية تقديم الدعم لمن فروا من ويلات الحرب في السودان، ولكنها لا تزال غير كافية، ويعاني المنكوبون من نقص حاد في الغذاء ومياه الشرب والدواء مما أدى إلى تفشي الأمراض وسوء التغذية وارتفاع معدلات الوفيات وسط الأطفال.
ويقول صالح عبد الله من منسقية اللاجئين من دارفور إن الأوضاع في المخيم محزنة، وحتى من يحصلون على بطاقة برنامج الغذاء العالمي فإن ما يتلقونه من حصص من مواد تموينية لا تكفيهم إلا أياما قليلة، ويحاول الرجال قطع الأشجار لبيع حطب الوقود والفحم لاستخدامه في طهي الطعام لعدم وجود غاز للطبخ.
مطالب بالعودة
أما ما يعانيه قطاع من اللاجئين السودانيين في إثيوبيا، فهو أشد خطرا، حيث يعيش أكثر من 6 آلاف لاجئ سوداني أوضاعا مزرية في غابات بإقليم أمهرة، غربي البلاد.
وقال أحمد، وهو لاجئ سوداني في إثيوبيا، إن من بين اللاجئين العالقين في الغابة 2100 من الأطفال والنساء، وسط ظروف قاسية وتجاهل المنظمات الدولية والسلطات الإثيوبية، بعدما فروا من مخيمي “أولالا”، و”كومر” إلى غابات مجاورة إثر نشاط جماعة معارضة وعصابات مسلحة في إقليم أمهرة المضطرب.
ويقول المتحدث إن قيادات اللاجئين يدرسون رفع مذكرة إلى الأمم المتحدة تطالب بإعادتهم إلى بلادهم في حال عجز المنظمة عن حمايتهم وتوفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة، بعد تزايد الخطر على حياتهم وحالات العنف التي يتعرضون لها.
الجزيرة نت