الحرب تضع محمية الدندر في مرمى النيران

سودافاكس ـ قرب جسر قديم يفصل بين مدينة سنجة ومحلية الدندر، شاهدت إسراء (29) عامًا شقيقها الصغير يبكي بسبب العطش أثناء انتظار دور السيارة التي تقلهم لعبور هذا المكان، في رحلة النزوح التي بدأت من مدينة سنجة للوصول إلى مدينة القضارف شرق البلاد.

وضعت الحرب محمية الدندر على مرمى النيران
كانت وجهة عائلة إسراء محلية الدندر الواقعة شمال شرق ولاية سنار، والبقاء هناك إلى حين انجلاء الموقف، وعقب انهيار الوضع الأمني قرروا الذهاب بعيدًا إلى القضارف للنجاة من الحرب وبطش قوات الدعم السريع، كما تقول هذه الفتاة لـ”الترا سودان”.

هاجمت الدعم السريع مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار السبت الماضي بقوات كبيرة واستولت عليها، ولم تستمر الاشتباكات مع الجيش لساعات، وسرعان ما كانت عناصر من قوات حميدتي تنشر مقطع فيديو من المقر العسكري الرئيسي للجيش في المدينة.

تطورات ميدانية
في اليوم الثاني لسيطرة الدعم السريع على سنجة، أعلن متحدث الجيش السوداني العميد نبيل عبد الله استمرار المعارك ضد “المليشيا المتمردة”، معلنًا عزم القوات المسلحة على الصمود في سنجة، خلال يوم الاثنين انخفضت وتيرة المعارك في سنجة جراء توسع دائرة سيطرة الدعم السريع وفق شهادات مواطنين غادروا المدينة سيرًا على الأقدام لوجود شح في المركبات والوقود.

تقول إسراء من القضارف : “الحمد لله وصلنا القضارف، نحن نقيم مع عائلة صديقة، لقد كانت رحلة شاقة استغرقت (18) ساعة بالسيارة، بسبب النوم في الطرقات ووعورة الطريق الترابي والتدافع في الجسر بين سنجة والدندر الذي يسمح بمرور سيارة واحدة فقط في مسار واحد”.

تقع مدينة القضارف على بعد (185) كيلو متر شمال شرق محلية الدندر، وتقع على بعد (200) كيلو متر من ذات الاتجاه عن مدينة سنجة، وهذا يعني أن الدعم السريع فعليًا على بعد عشرات الكيلومترات عن القضارف.

هل تأخرت عمليات الجيش؟
منذ مطلع كانون الثاني/يناير الماضي وضعت القوات المسلحة عمليات عسكرية في مناطق الفاو بولاية القضارف على أهبة الاستعداد، للهجوم على الجزيرة من الناحية الشرقية واستعادتها من الدعم السريع، كما وضع الجيش وحدات عسكرية أيضًا في منطقة سنار، للهجوم على الجزيرة من الناحية الجنوبية وكلا العمليتين العسكريتين كانتا على وشك الهجوم البري والجوي على الجزيرة، لكن منذ نهاية حزيران/يونيو الماضي انقلبت الأمور ميدانيًا رأسًا على عقب بسقوط منطقة جبل موية غرب سنار.

انتشار الدعم السريع في جبل موية وسنجة والرهد والقرى المحيطة أغرى هذه القوات بالتقدم إلى محلية الدندر مساء الاثنين، وأعلنت منصة نداء الوسط أن هذه القوات نفذت هجومًا على الدندر ونهبت سيارات المواطنين، مشيرةً إلى أن الدندر لا توجد بها حاميات عسكرية تابعة للجيش.

الانهيار السريع للوضع في منطقة جبل موية وسنجة وأبو الحجار ومؤخراً في الدندر، وضع المواطنين على مفترق الطرق، لأن وصول الدعم السريع إلى هذه المدن يعني البقاء في ظل الانتهاكات وفقًا للتقارير التي وثقت العديد من أعمال العنف التي ترتكبها هذه القوات.

كما أن السقوط المفاجئ لمدينة سنار بالتمويه الذي اتخذته قوات الدعم السريع بتجاوزها سنار والاتجاه إلى أقصى غرب الولاية والتوغل عبر القرى المحيطة بمدينة سنجة، هذه العملية أفقدت الجيش سرعة الانتقال إلى هناك والتصدي للهجوم.

استهدفت عملية السيطرة على سنجة تشكيل طوق يشبه “حدوة الحصان” في ولاية سنار، وبانتقال الدعم السريع إلى هذه المدينة يعني وضع سنار الخاضعة لسيطرة الجيش تحت مرمى نيرانها، وهناك وضع ميداني متطور حاليًا رغم بقاء القوات المسلحة فيها.

كما أن العملية وفقًا للمراقبين العسكريين نقلت مركز القتال إلى وسط البلاد، وهدأت الجبهات الأخرى مثلاً في العاصمة الخرطوم ومحيط مصفاة الجيلي وأم درمان، بما في ذلك الفاشر التي تحولت إلى العمليات العسكرية إلى تبادل مدفعي طويل المدى.

معاناة غير مسبوقة
في الشق الإنساني واجه عشرات الآلاف من المدنيين الذين نزحوا من سنجة وأبو حجار وسنار معاناة كبيرة، وتمكن الغالبية من الوصول إلى مدينة القضارف، البعض منهم اضطر إلى نزوح مزدوج نتيجة انهيار الوضع في الدندر الواقعة شمال شرق سنجة.

تعكس الناشطة في المجال الإنساني تماضر عبد العال الوضع الإنساني من مدينة ربك بولاية النيل الأبيض، وقالت لـ”الترا سودان” إن مئات النازحين من منطقة جبل موية وصلوا إلى ربك وكوستي، البعض منهم لا زال يقيم في العراء في السوق الشعبي.

وتوضح عبد العال تعرض الطريق الرابط بين ربك والمناقل إلى التدهور الأمني قبل يومين نتيجة اقتراب المعارك من هذه المنطقة، وحركة السيارات غير منتظمة ما يعني قلة المسارات الآمنة أمام النازحين.

ورغم وجود تطورات ميدانية في محيط جبل موية غرب سنار باستيلاء الجيش على “جبل الدود” الأحد الماضي وفق شهادات مواطنين، لكن لا تزال الدعم السريع تحكم قبضتها على اثنين من الجبال يشكلان منطقة جبل موية، والتي بدأت منها سلسلة من انهيار الوضع في ولاية سنار التي كانت تحت سيطرة القوات حتى نهاية الأسبوع الماضي.

انهيار مفاجئ
مناطق في ولاية سنار مثل الدالي والمزموم والسوكي أصبح الوضع الأمني فيها غير معروفًا كما يقول جاد كريم، مشيرًا إلى أن الجيش لن يتمكن من القتال في جبهات متفرقة بالولاية، لا سيما مع رغبة الدعم السريع في توسيع دائرة المعارك اعتمادًا على كثافة المقاتلين وسهولة الحركة.

ويرى جاد كريم أن القوات المسلحة مطالبة بعدم التعامل مع ردود الأفعال، يمكنها امتصاص الصدمة أولاً ومن ثم التحرك وفق خطط جديدة للوصول إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الدعم السريع، بمعنى أن الاستراتيجية القادمة يجب أن تكون تضيق الخناق على هذه القوات.

أما في مدينة القضارف التي استقبلت عشرات الآلاف من سنجة وأبو الحجار والدندر، فإن الأوضاع الإنسانية بالنسبة لهم لا تزال سيئة إلى حين تجهيز مراكز الإيواء، ولا يزال النازحون يقيمون في العراء، وتحرك بعض المتطوعين صباح اليوم الثلاثاء ووزعوا وجبات الإفطار والمشروبات.

وذكر عاملون في غرف الطوارئ أن الوالي السابق كان قد فرض قيودًا على نشاطها الفترة الماضية، ويأمل هؤلاء المتطوعون في إزالتها بواسطة الحاكم الذي عين مؤخرًا.

ويقول أحد العاملين في غرف طوارئ بولاية القضارف لـ”الترا سودان”، إن بعض المتطوعين طلبوا من السلطات في ولاية القضارف السماح باستقبال النازحين وتقديم المساعدات، لأن المتوقع ضغوط كبيرة على الولاية نتيجة فقدان ولاية سنار بالكامل من الناحية الإنسانية، لا يمكن للمواطنين هناك انتظار الدعم السريع مهما أعلنت من نوايا حسنة في التعامل مع المدنيين.

وبدأت معاناة المواطنين في ولاية سنار بالتزامن مع بداية موسم الأمطار في هذه المنطقة، ومنذ ثلاثة أيام لا تزال الإعلانات تنتشر على الشبكات الاجتماعية للمفقودين، أولئك الذين فروا من المنازل في سنجة عند اندلاع الاشتباكات بينهم (17) طفلاً، وثقت “مبادرة مفقود” بلاغات من ذويهم.

صمت دولي
نتيجة الغموض الذي يكتنف بعض المناطق في ولاية سنار والواقعة تحت سيطرة الجيش، فإن إقليم النيل الأزرق شهد أيضًا تدفقات للنازحين، وأعلن متطوعون تجهيز ثمانية مراكز إيواء، ولا زال بعض النازحين يتدفقون إلى مدينة الدمازين عاصمة الإقليم الذي يقع على الحدود مع إثيوبيا.

وتقول العاملة في المجال الإنساني والباحثة في مجال تتبع حركة النزوح نهلة حسن إن الانهيار المفاجئ لولاية سنار سبب الارتباك للمواطنين، لذلك نشاهد حالات الفقدان لعشرات الأطفال وكبار السن الذين تفرقوا بين المدن مع انقطاع خدمة الاتصالات، وتشعر العائلات بالقلق من تقطع السبل بأفرادها.

الترا سودان


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.