السودان.. مذابح وإبادة وتهجير
_ ناجح ابراهيم _
يعد السودان من أغنى دول العالم، لو أحسن استثمار موارده الطبيعية، فقد حباه الله بكل خيرات الأرض؛ أهمها نهر النيل وهو أحد أعظم أنهار الأرض، وأحد أنهار الجنة، فضلا عن قرابة ٢٠٠ مليون فدان صالحة للزراعة، ١١٠ ملايين رأس ماشية، وينتج ١٠٠ طن ذهب سنوى، ويملك ٧٠٪ من تجارة الصمغ فى العالم الذى يدخل الآن فى أدق الصناعات التكنولوجية، فيه ثانى أكبر احتياطى يورانيوم فى العالم، ينتج ٤٢ ألف طن أسماك سنويًا، فيه أكبر احتياطى للنحاس فى العالم، مع احتياطيات هائلة من الفحم.
■ لم يحرم الله السودان من شىء حتى من البترول، حيث إن احتياطى البترول فيه ١.٥ مليار برميل سنويًا، لكن بعد انفصال جنوب السودان عنه خسر السودان ٧٥٪ من احتياطاته النفطية لصالح الجنوب الذى استحوذ على المناطق التى تحوى معظم آبار البترول، وبذلك فقد السودان قرابة ثلثى مصادر النقد الأجنبى.
■ كل هذه الثروات الكبرى تبددت وضاعت فى معظم حقب الحكم السودانية المتعاقبة فانتقل السودان من السيئ للأسوأ، وعاش السودانيون فى فقر مدقع وتردٍّ مزرٍ للخدمات. بدأت أولى مآسى السودان بالانفصال دون مبرر عن مصر، وقد حافظت الملكية المصرية طوال عهودها على وحدة مصر والسودان فيما كان يسمى «مملكة مصر والسودان»، ومن أكبر أخطاء ثورة يوليو التفريط فى السودان بسهولة وقبول الخدعة البريطانية التى شجعتها على ذلك، وكان هذا الانفصال نذير شؤم على البلدين وخاصة السودان إذ توالت الانهيارات السودانية؛ ففرطت تحت الضغوط الأمريكية والأوروبية فى جنوب السودان وهذه أكبر جريمة للبشير حيث فدى نفسه من السجن بالتفريط فى جنوب السودان، ثم توالى لعب أجهزة المخابرات الكبرى فى السودان لانفصال دارفور وغيرها، لأنها الأغنى بالذهب واليورانيوم.
■ وأكبر جريمة وقع فيها البشير هى تكوينه ميلشيا الدعم السريع لحماية نظامه من انقلابات الجيش، ولم يدرك أن كل من كون ميلشيا سيكون أول من يكتوى بنارها ويصلى لظاها، فالميلشيات طوال عهودها نذير للخراب فهم أباطرة المذابح للمدنيين، وسرقة أموالهم واغتصاب نسائهم وحرق بيوتهم، فهم يقتاتون السحت ويأكلون الحرام ويلغون دماء الأبرياء.
■ غدرت ميلشيا الدعم بقيادة حميدتى بالبشير بالتعاون مع البرهان، ثم انقلبت على الجيش السودانى لأنه أراد دمجها فى الجيش وإلزامها باللوائح والقوانين ولو تدريجيًا.
■ الميلشيات دومًا تكره النظام وتمقت الانضباط وتعشق الفوضى وتقتات على الخراب، وهم ليسوا رجال دولة ولا مؤسسات، وقد انضم إلى ميلشيا الدعم أخيرا مرتزقة من معظم البلاد الإفريقية المجاورة زادوها همجية وتفلتًا.
■ وكانت هذه الميلشيا تقوم بسرقة مناجم الذهب السودانى وتهربه للخارج، والسودان بلد غريب فهو واحد من أكبر البلاد التى تنتج الذهب، ولكنه لا يستفيد منه حيث يتم تهريب قرابة ٨٥٪ من الذهب السودانى.
■ وإذا أردت أن تعرف فكر وثقافة وتعليم ميلشيا الدعم فعليك بالاستماع فقط لقائدها حميدتى الذى لا يستطيع أن يضبط فكرة واحدة مترابطة ومتسقة، ويعطى لنفسه رتبا لم ينلها روميل ومونتجمرى فى زمانهما.
■ الآن وقعت الواقعة بين الجيش السودانى وميلشيا الدعم، ووقع فى السودان ما هو أفظع وأسوأ من غزة، فإسرائيل إذا قامت بالإبادة الجماعية فلا يستغرب عليها ذلك فهى رائدة المذابح للعرب طوال الـ ٧٠ عامًا الماضية، وأيديها ملوثة بدماء مئات الآلاف من الأبرياء والأطفال والنساء، أما أن تقوم ميلشيا سودانية الأصل بهذه المجازر فهذا هو المستغرب.
■ ميلشيا الدعم سجنت الأهالى فى بيوتهم، وسرقت أموالهم ونهبت بيوتهم، وحرقت قرى بأكملها على من فيها ودفنت سودانيين أحياء، وقصفت قرى ومدنا بالمدفعية والدبابات، وكل ذلك موثق صوتًا وصورة.
■ وتعد مذبحة «ود النورة» واحدة من مذابحها الكبرى التى قتلت فيها بدم بارد ١٠٠ مدنى.
■ السودانى الآن ذليل على الحدود أو لاجئ للبلاد الأخرى، السودان يعادل فى مساحتها مساحة أوروبا تقريبًا ورغم ذلك لا يجد فيها السودانى موطنًا آمنا، وزاد الطين بلة تواتر الأخبار عن اختفاء حميدتى، وعدم سيطرته على ميلشياته حيث إنه لم يظهر بين قواته منذ أربعة أشهر، ولم ينكر أى مذبحة كبرى لهم مثل«ود النورة» أو أنه فقد سيطرته على ميلشياته لكثرة المرتزقة الجدد الذين دخلوها فقط للسلب والنهب، ويعنى ذلك أن ميلشياته ستكون أكثر انفلاتًا ولن يستطيع أحد إيقاف جرائمها ومذابحها.
■ والأغرب من ذلك كله الصمت العربى والغربى المريب والتعتيم شبه التام على أخبار مذابح الميلشيات، وما زاد الطين بلة استيلاء الميلشيات على مواد الإغاثة الإنسانية التى ترسلها الأمم المتحدة، وكأنها مكافأة للمجرمين، والأغرب أن بعض الدول ما زالت تدعم هذه الميلشيا وتمنحها الدولارات والسلاح مقابل الذهب المهرب بثمن بخس.
■ ميلشيا الدعم تهدد الأسر بذبح أولادها جميعًا إذا نشروا صورًا لجرائمها أو تحدثوا إلى وكالات الأنباء التى لم تقم حتى اليوم بفضح الميلشيا. بعض الأسر السودانية فكرت فى الانتحار الجماعى إذا داهمت الميلشيا ديارها.
■ بعض السودانيين جمعوا ما تيسر من الأسلحة وكونوا مجموعات للدفاع عن قراهم وصد الميلشيا عنهما، وكل الأمور تصب فى ناحية واحدة أن جهات غربية ودولية نافذة تخطط لتقسيم السودان لأربع دويلات بحيث تستأثر هذه الدول الغربية بثروات السودان الهائلة وخاصة الذهب واليورانيوم والصمغ.
■ صراع سياسى بين الجيش الذى يمثل الدولة والميلشيا التى تمثل الفوضى والنهب وقد نفض العرب أيديهم من السودان وسيندمون جميعًا حينما يرون حدودهم لم يعد يحكمها الأصدقاء ولكن الأعداء.
■ سنندم جميعًا إذا قُسّم السودان، ولعل كل ما حدث فى السودان كانت بدايته انفصاله عن مصر، فلم يُدرك شيئًا من الخير بعدها، وفقدت مصر من وقتها أعظم عمق استراتيجى لها.