بينما تتوالى المبادرات والدعوات السياسية من أطراف إقليمية ودولية للحل في السودان وإجراء محادثات بين طرفي الصراع، تقف مصالح الدول الكبرى وصراع النفوذ، خلف الحرب الهوجاء التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من عام بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وميليشيا الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”.
وبمنطق السياسة، من الطبيعي أن تنسجم كل مبادرة سياسية، مع مصالح الدولة التي قدمتها، وتحقق لها أهداف عدّة بشكل أو بآخر. من هنا، احتلت المبادرة الأمريكية بدعوة طرفي الصراع في السودان للتفاوض في العاصمة السويسرية جنيف اهتمام وسائل الإعلام وخاصة كونها تزامنت مع بعض الأحداث السياسية والعسكرية الهامة وفي مقدمتها محاولة اغتيال البرهان مما فتح الباب لسيل من التساؤلات والتحليلات.
لماذا تصرّ واشنطن على مشاركة البرهان بمحادثات سويسرا؟
في سياق متصل، أعلنت الخارجية الأميركية في 23 يوليو الماضي، دعوة طرفي الحرب بالسودان إلى مفاوضات بجنيف في 14 أغسطس المقبل بمشاركة السعودية وسويسرا ودول أخرى. رحب قائد قوات الدعم السريع “حميدتي” بالدعوة الأميركية وأعلن على الفور مشاركته فيها، بينما تريث البرهان برده على الدعوة الأمريكية. لتعلن الحكومة السودانية في بيان لها الثلاثاء 30 يوليو الماضي، إنها ردت على دعوة الولايات المتحدة، مؤكدة التزامها بـ”إعلان جدة” وأن أي مفاوضات لن تكون مقبولة للشعب السوداني، قبل تنفيذه. لتتوالى لاحقاً التصريحات لمسؤولين أمريكيين والتي تدعو البرهان للمشاركة بمحادثات جنيف، بطريقة تشير إلى إلحاح أمريكي واضح على مشاركة البرهان بصفته رئيساً لمجلس السيادة وقائداً للجيش السوداني.
وتعليقاً على ذلك، قال الناشط السياسي المستشار الإعلامي السابق لقائد قوات الدعم السريع يعقوب الدموكي، في لقاء متلفز مع قناة “المستقلًة” بأن الولايات المتحدة الأمريكية تريد من خلال محادثات “جنيف” ضمان موافقة طرفي الصراع على تسهيل عمل المنظمات الإنسانية واستمراره في السودان، لضمان إدخال العملاء وعناصر الاستخبارات الغربية إلى مختلف مناطق السودان وقيامهم بمهام استخباراتية، بحجة أنه موظفون يعملون في منظمات إغاثية، مستغلين النشاط الكبير للمنظمات الإنسانية في البلاد. مشيراً إلى أن، قبل الحرب كان السودان مليئا بعملاء المخابرات الأمريكية والأوروبية وساهموا بشكل كبير في الفوضى، ولكن مع بدء الحرب غادروا، والآن يريدون العودة تحت غطاء المساعدات والمنظمات الإنسانية.
وأكد الدموكي ــ الذي يدعم الجيش في الوقت الحالي، بأنه على البرهان ألا يذهب إلى جنيف وعليه أن يلتزم بنتائج “منصة جدة”، فواشنطن تريد تحقيق مصالحها في السودان من خلال جنيف، كما أنها ليست صديقة للشعب السوداني، بل عدو. فمحادثات جنيف قنبلة ستحرق السودان.
في السياق ذاته، قال مراقبون إن لدى واشنطن أسباب كثيرة ومصالح متعددة وراء محادثات جنيف ونصرة الدعم السريع، ولعل أهمها، فرض وقف إطلاق نار شامل، سيمنح “الدعم السريع” مشروعية، ويجعلهاً نداّ للجيش ويكرس وجودها في ولايات السودان، وسيفتح لها أبواب العودة إلى المشهد السياسي. بالإضافة لتقاسم النفوذ في جغرافية السودان كخطوة متقدمة نحو تقسيم جديد للسودان. كما أنه سيفتح المجال أمام استدعاء قوات أجنبية تحت مظلة مراقبة وقف إطلاق النار، وهذا الذي عبر عنه صراحة وزير الخارجية الأميركي، وبطبيعة الحال سيحقق مصالح واشنطن.
مؤكدون بأن وقف إطلاق النار سيشعل الحرب أكثر بين حركات دارفور المسلحة والمقاومة الشعبية من جانب، وبين قوات الدعم السريع في المناطق التي احتلتها وتلك التي تحاصرها، من جانب آخر.
وأضافوا بأن أي اتفاق بشأن الأوضاع الإنسانية سوف يفتح المجال أمام مزيد من التدخل الأجنبي في الشأن السوداني، وستستغل القوى الغربية هذا الاتفاق في إطالة أمد الحرب، من خلال تغذية التمرد عبر بوابات المساعدات الإنسانية.
هل التزامن بين محاولة اغتيال البرهان والدعوة لمحادثات “جنيف” مجرد صدفة؟!
في السياق ذاته، شددت الحكومة السودانية في بيانها رداً على الدعوة الأمريكية لمفاوضات جنيف، على ضرورة التشاور المسبق معها بشأن شكل وأجندة أي مفاوضات، مشيرة إلى أن “أي مفاوضات قبل تنفيذ إعلان جدة، لن تكون مقبولة للشعب السوداني. وبحسب مصادر دبلوماسية، فإن الدعوة الأمريكية للتفاوض بجنيف أتت بالتزامن مع رفض البرهان لـ “طلب أمريكي” بإلغاء الاتفاقية المبرمة مع موسكو بشأن بناء قاعدة عسكرية بحرية روسية على البحر الأحمر دون أي تعليق إضافي من واشنطن.
ويرى بعض الخبراء والمراقبين، بأن الدعوة الأميركية إلى مباحثات جنيف لم تكن نتاج تفاهمات مع الأطراف المعنية، وإنما كانت أشبه بأمر صادر عن سلطة مختصة، تريد تنفيذ أجندة تحقق مصالحها.
وفي غضون ذلك، نجا البرهان في يوم 31 يوليو الماضي من محاولة اغتيال بعد هجوم بمسيرتين استهدف قاعدة جبيت العسكرية في شرق السودان أثناء زيارته لها.
وبحسب مصادر سودانية، فإن محاولة اغتيال البرهان أتت بالتزامن مع رفض البرهان لطلب من الولايات المتحدة الأمريكية بإلغاء اتفاقية بناء قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر، مما يرجح احتمالية وقوف عملاء واشنطن وراء العملية.
في السياق ذاته وصف خبراء استراتيجيون محاولة اغتيال البرهان بأنها تندرج ضمن سياق الضغوط الأمريكية عليه للاستجابة لمطالب واشنطن والانصياع لها بالمشاركة بمحادثات جنيف وإلغاء التحالفات الجديدة مع إيران وغيرها.
حيث أن رفض الجيش السوداني بالانصياع للشروط والطلبات الأمريكية، بحسب مصادر عسكرية، بالإضافة لرفض الحكومة السودانية التفاوض مع ميليشيا الدعم السريع في جنيف، برعاية أمريكية، قبل تنفيذ إعلان جدة، ترجح بشكل كبير ظهور أثار أصابع واشنطن وراء محاولة اغتيال البرهان.
صحيفة السوداني