انطلقت اليوم الأربعاء المفاوضات التي دعت إليها الولايات المتحدة الأمريكية بالعاصمة السويسرية جنيف، دون مشاركة وفد الحكومة السودانية.
الوفود المشاركة
وأوضح المبعوث الأمريكي الخاص للسودان توم بيرييلو من جانبه أن الوفود المشاركة في مباحثات سويسرا من الإتحاد الأفريقي والأمم المتحدة ومصر و الدعم السريع، قد وصلت إلى جنيف لإجراء محادثات تهدف إلى إنهاء الصراع في السودان، رغم رفض القوات المسلحة السودانية المشاركة.
غياب الحكومة
تنعقد المفاوضات اليوم في جنيف، رغم عدم الاستجابة لتحفظات الحكومة السودانية في اجتماعاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية في جدة، حيث أصرت الأخيرة على مشاركة وفد الجيش دون وفد الحكومة، وكذلك عدم الاستجابة لتنفيذ مخرجات منبر جدة الأخيرة أولاً، وأيضاً إشراك الإمارات كمراقب خلافاً لرغبة الجانب السوداني، ومع ذلك انطلقت الجلسة التشاورية الأولى اليوم بحضور الدعم السريع والوسيط والشركاء دون مشاركة وفد الحكومة، ما آثار التساؤلات حول جدوى انعقاد هذه المفاوضات مع غياب الطرف الأساسي عنها، وهل سيتوقع أن تخرج هذه الجولة بنتائج يعتد بها، وهل ستصبح نائجها ملزمة في عدم وجود الطرف الحكومي؟
يدعون للسلام كذبا
رئيس مجلس السيادة القائد العام للجيش، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، استبق عقد مفاوضات اليوم، وقال في خطاب له ليل أمس (الثلاثاء) بمناسبة عيد الجيش، يجب أن نُذكر من يدعون كذباً للسلام ونقول لهم لا سلام والمليشيا المتمردة تحتل بيوتنا ومدننا وقرانا وتحاصرها، وتقطع الطرق إلى أجزاء مقدرة من بلادنا الحبيبة، مؤكداً أنه لا وقف للعمليات بدون انسحاب وخروج آخر مليشي من المدن والقرى التي استباحوها واستعمروا أهلها، مضيفاً: “وأكرِّر أنّ طريق السلام، أو وقف الحرب واضح وهو تطبيق ما اتفقنا عليه في جدة في مايو 2023 “.
مناوي يحدد المطلوبات
كما وجه حاكم إقليم دارفور ورئيس حركة جيش تحرير السودان مني أركو مناوي، رسالة إلى وفد مليشيا الدعم السريع في جنيف بأن يقر أن رفع المعاناة يجب أن تبدأ في السودان وليس في جنيف. وقال مناوي في تغريدة على منصة إكس: طالما أنت السبب في كل الانتهاكات ،عليك القيام والإلتزام بإعلان جدة وإقرار بتنفيذه، مع الوضع في الإعتبار كل المستجدات التي أحدثتها المليشيا بعد التوقيع عليه، والتخلي الكامل من استهداف المواطنين والمؤسسات المدنية على رأسها المستشفيات، والإلتزام الكامل دون شرط والسماح بمرور المنظمات وقوافل الإغاثة لإعانة المواطنين، وطالب مناوي، الدعم السريع بالكف عن استهداف المواطنين وممتلكاتهم، ووقف الاستهداف على أساس عرقي، وإفقارهم على أساس إثني، والالتزام بوقف النهب والاغتصاب ونبذ كل سياسات التطهير العرقي التي تمارسها المليشيا، والشروع فوراً بالخروج من المنازل والمؤسسات المدنية وتسليم المنهوبات، أو الإقرار بإعادتها إلى أصحابها، وتابع مناوي إذا تم ذلك، انتهت الحرب وانطفأت أسباب الأزمة كما سيكتمل السلام تلقائياً، لأن كل الذي ذُكر يمارسه جانب واحد، وهو الدعم السريع، بما يعني أن الأزمة كلها من طرف الدعم السريع.
ليست مفاوضات
من جانبه سمى الدكتور محمد زكريا نائب الأمين العام لحركة العدل والمساواة، بأن ما يدور في جنيف حاليا هو مباحثات وليست مفاوضات، وذلك لعدم حضور وفد الحكومة. وقال زكريا لـموقع “المحقق” الإخباري: كنا نأمل أن تتفهم أمريكا التحفظات التي أشارت إليها الحكومة السودانية في جدة، وأن يقتصر التفاوض على وقف إطلاق النار والممرات الإنسانية، مؤكداً أن عدم مشاركة وفد الحكومة سيخصم بشكل كبير من النتيجة المرجوة لهذه المباحثات، وقال إن مناقشة الأوضاع الإنسانية في هذه المباحثات مهم، معرباً عن أمله في أن تنظر الأطراف المشاركة في الأسباب الحقيقية خلف التضييق على معايش الناس، وهجوم الدعم السريع على القوافل الإنسانية والتجارية، وممارسة الحصار على القرى والمدن، ومنع المد الغذائي والدوائي لهذه المناطق، ما يعرضها للمجاعة، موضحا أن السبب الرئيس للوضع الإنساني الكارثي هو الدعم السريع، مطالبا القوى الدولية باتخاذ ماتراه من ضغوطات على مليشيا الدعم السريع للكف عن هذه الممارسات، ومعتبرا أن إجتماع الأطراف الدولية حول الملف السوداني في جنيف، يمثل سانحة جيدة، لبحث آليات تنفيذ ماتم التوافق عليه في جدة، ووقف الانتهاكات وفتح الممرات والإغاثات.
الأخذ والرد
وابان زكريا أنه إذا تم التوصل لصيغة حول ذلك، سيكون للحكومة السودانية، الحق في الأخذ والرد بشأنه لاحقا، وقال إن الموقف المعلن للحكومة فيما يلي إيصال المساعدات والاغاثات مرن، وإن رؤيتها منفتحة على ايصالها من المنافذ التي لديها مثل منافذ الطينة والدبة وبورتسودان، مشددا على أن أي توصيات سوف تخرج عن هذا الاطار لن تجد حظها من التنفيذ، إلا بعد عرضه على الحكومة للأخذ والرد حوله.
وعن التوقعات بمشاركة وفد الحكومة في هذه الجولة من المفاوضات، قال زكريا إن أمريكا مطالبة أولاً بايجاد اجابات على تساؤلات الحكومة، معرباً عن دهشته من عقد هذه الاجتماعات دون مشاركة وفد الحكومة، وقال أشارك الذين يتساءلون حول جدوى عقد هذه الاجتماعات في غياب الحكومة، مصيفا أن ذلك سيعيق الوصول إلى توصيات، مشيرا إلى انفتاح الحكومة على كل المبادرات والأفكار التي تسعى لحل الأزمة، دون المساس بالثوابت، وقال إذا استجابت أمريكا للتحفظات المتعلقة بالأجندة والمرجعية التفاوضية والمسائل الإجرائية والدعوة، يمكن أن ينضم وفد الحكومة إلى هذه الإجتماعات، وإذا لم يسعفها الوقت يمكنها الالتحاق في الجولات القادمة، مضيفا لضيق الوقت، أرى من الصعوبة المشاركة في هذه الجولة.
مداراة الفشل
من جهته رأى الدكتور خالد التيجاني الكاتب والمحلل السياسي أن انعقاد هذا الاجتماع دون مشاركة وفد الحكومة، هو محاولة لحفظ ماء وجه المبعوث الأمريكي، وأنه محاولة لمداراة الفشل الذريع. وقال التيجاني لـ “المحقق” إن هذا يدل على أنه لم يكن هناك تحضيرات ولا خطة ولا إدارة وإن هذه نتيجة طبيعية، مضيفا أن الدليل على ذلك أنهم استجابوا لجزء من تحفظات الحكومة، وأرسلوا رسائلهم قبل 5 أيام فقط من الانعقاد، لافتاً إلى أن الدعوة كانت أقرب إلى الاستدعاء، وإلى أنها دعومة ملغومة ومتناقضة، موضحا أن أمريكا أعلنت عن هذه المفاوضات يوم 23 من الشهر الماضي، وبعدها بيومين حضرت إجتماعات جيبوتي والتي دعت إلى ضرورة التنسيق بين المبادرات، وأنها بذلك تناقض نفسها، وقال إن أمريكا أيضا أعلنت أنها ستستند لما تم الإتفاق عليه في جدة، فما الداعي لإطلاق مبادرة جديدة، ولماذا لم تواصل في جدة إذا أقرت بالاستناد إليها، مؤكدا أن أمريكا أثبتت أنها وسيط غير نزيه، وقال إن الدعم السريع ظل يمارس الانتهاكات والعدوان الواضح، وأن أمريكا بذلك تكافئه على عدوانه، مشيرا إلى تصريح المبعوث الأمريكي بأنهم لم يعطون الشرعية لأي طرف، مؤكدا أن هذا معناه شرعية للدعم السريع، وقال إن المبعوث متعجل لإحداث انجاز في السودان، متسائلا أين كانت أمريكا منذ قرابة 15 شهرا من الحرب.
إنساني فقط
بدوره أوضح عثمان ميرغني رئيس تحرير صحيفة التيار أنه في حالة عدم وجود وفد الحكومة في المفاوضات، سيبحث الشركاء الوضع الإنساني فقط. وقال ميرغني لـ ” المحقق” إنه سيتم بحث الاستجابة الدولية للتبرعات، وحشد الدعم الدولي الإنساني، مبينا أنه إذا ثبت عدم مشاركة الجيش سيتم فرض طريقة لايصال المساعدات الإنسانية باسقاط جوي، وفرض بعض الممرات الآمنة بالقوة، وأنه قد يمنح دور للدعم السريع على الأرض وخصوصا في دارفور لهذه الحماية المدنية، وقال إن هذا الأسلوب سيفتح الباب أمام التدخل الدولي، مضيفا أن الجيش لديه فرصة للمشاركة، حتى لو بعد أسبوع سيتم السماح له، لافتا إلى أن الإصرار على اشراك وفد الحكومة دون الجيش غير منطقي، وقال طالما هناك إصرار على جدة، والتي كان يشارك بها وفد الجيش، فان الاصرار على وفد الحكومة في جنيف معناه إلغاء جدة، منوها إلى أن هنالك أطراف داخلية لا تريد السلام، وإلى أن ذلك لن يعيدها لتشكيل المشهد السياسي، وقال من الأخطاء الكبيرة التي لم يتعامل معها الجيش هو عدم حسم موضوع الشرعية قبل الدخول في المفاوضات.
القاهرة – المحقق – صباح موسى