الرد المنتظر!

الرد المنتظر!

_ هالة مصطفى _

تطورات متلاحقة تشهدها المنطقة نتيجة الصراع الإسرائيلى الإيرانى، فبعد اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، فى طهران، وقبله بساعات فؤاد شكر أحد قادة حزب الله البارزين بالضاحية الجنوبية لبيروت، وقبلهما قصف القنصلية الإيرانية فى دمشق وقتل قائد فيلق القدس العميد محمد رضا زاهدى، وأسئلة كثيرة تدور حول ماهية الرد الإيرانى، ومتى وكيف سيكون، وهل ستلجأ طهران للتصعيد، خاصة أن مقتل هنية بالذات وقع على أراضيها، وفى اليوم الأول لتنصيب رئيسها الجديد مسعود بزشكيان، فى سابقة تُعد الأولى من نوعها، وتشكل خرقا لسيادة الدولة وأمنها القومى.

لا شك فى أن الوقائع الأخيرة تدلل على أن الصراع بين الجانبين وصل لمرحلة متقدمة يجعله مفتوحا على جميع الاحتمالات، وهو صراع اتخذ منحى أكثر ضراوة منذ 7 أكتوبر، حيث اعتبرت الدولة العبرية أن النظام الإيرانى هو من وقف وراءه بسبب دعمه لحماس بالمال والسلاح والتدريب العسكرى، وهو أيضا من اختار التوقيت بغرض وقف قطار التطبيع وتقويض اتفاقيات السلام التى عقدتها مع الدول الخليجية، ومنذ ذلك الحين لم تهدأ الاشتباكات غير المباشرة بينهما، واستمرت الحرب فى غزة، بل وازدادت شراسة.

لكن فى كل هذه المواجهات، بدت إسرائيل هى الأكثر قوة وجرأة على استباحة جميع الجبهات، وتجاوز الأعراف والقوانين الدولية، حتى وصلت إلى قلب إيران، متخلية بذلك عن القواعد التى حكمت صراعها معها لعقود، كما كانت غاراتها على وكلائها أشد عنفا وكثافة فى الآونة الأخيرة، إذ أوقفت تقريبا ميناء الحُديدة اليمنى الذى تسيطر عليه جماعة الحوثى، وقامت بتصفية أهم قادة حزب الله، وكذلك قضت على صف كامل من قيادات حماس، فى إصرار واضح على استعادة قدرتها على الردع. فى أحدث مقابلة لرئيس وزرائها بنيامين نيتانياهو مع التايمز البريطانية، قال نصا «إن بلاده تواجه محورا إيرانيا متكاملا، يشمل حماس وحزب الله والحوثيين، والميليشيات الشيعية فى سوريا والعراق، إضافة إلى جبهة جديدة تسعى طهران لإنشائها فى الضفة الغربية، وأن هدف الحرب فى غزة لم ولن يتغير، وهو القضاء على حركة حماس، حتى وإن تم التوصل إلى صفقة سياسية لإطلاق سراح جميع الرهائن، وإنه أمر متفق عليه بين الإسرائيليين، وإن على أمين عام حزب الله حسن نصر الله، أن يفكر فى عواقب ما قد يلحق به إذا ما هاجم إسرائيل أو فتح جبهة أوسع معها».

وبالتالى فلا يهُم استخدام القوة المُفرطة أو تجاهل قرارات محكمة العدل أو الجنائية الدولية، فالحرب أضحت «حرب وجود» والتهديد الحقيقى يأتى من إيرن، وأذرعها فى المنطقة هى مجرد مخلب قط لها.والواقع أن رئيس الوزراء الإسرائيلى مازال يُعول على الدعم الأمريكى له، ولم يغفل فى ذات المقابلة أن يثنى على مواقف الرئيس جو بايدن لما قدمه من دعم طوال الفترة الماضية، وهو ما أكده فى خطابه السابق عليها أمام الكونجرس، الذى ذكر فيه الأمريكيين بما فعلوه بعد الهجوم الارهابى فى الحادى عشر من سبتمبر، وفى اليابان بإلقاء القنبلتيين النوويتين، وحرب فيتنام التى استمرت عشرين عاما، وكان يصعب فيها فصل المدنيين عن العسكريين، وفى الحرب الكورية التى أودت بحياة الملايين، ووصفها بالحروب المشروعة، وأن ما يفعله اليوم لا يصل إلى هذه المستويات، وقد لاقى الخطاب تأييدا واسعا من النواب الديمقراطيين والجمهوريين معا، والمتوقع أو المؤكد أن هذا التأييد سيستمر مع أى إدارة مقبلة بغض النظر عن انتمائها الحزبى.

من هنا، ومع توقع الولايات المتحدة احتمال توجيه ايران أو حزب الله لضربات ضد تل أبيب، كما صرح وزير خارجيتها أنتونى بلينكن لموقع «أكسيوس»، بدأت بحشد قواتها العسكرية، وأرسلت مجموعات قتالية وحاملات طائرات على رأسها «إس إس أبراهام لينكولن» إلى الخليج، تحسبا لأى هجوم وشيك. فى المقابل، جاءت الزيارة المفاجئة لأمين مجلس الأمن الروسى سيرجى شويجو الأسبوعين الماضيين لطهران، الذى التقى خلالها الرئيس بزشكيان ورئيس الأركان محمد باقرى، لتنتهى بالاعلان عن تزويدها بأسلحة دفاعية تحميها من قوة إسرائيل الجوية المتفوقة، ولكن مع توجيه تحذير من الرئيس فلاديمير بوتين بالالتزام بـ«رد منضبط» وتجنب سقوط ضحايا مدنيين فى صفوف الإسرائيليين، ذلك أن لموسكو أهدافا مختلفة عنها، فهى ليست معها تماما ولاضد إسرائيل بالطبع، إنما تريد من أزمات الشرق الأوسط الضغط على واشنطن فى مسألة الحرب الأوكرانية، وبالتالى تدخلها لصالح طهران سيظل محدودا، ومحكوما بتوازن القوى على الصعيد الدولى. لذا تجد إيران نفسها فى مأزق، فمن ناحية ترغب فى الحفاظ على إستراتيجيتها الثابتة بعدم الانخراط فى مواجهة عسكرية مباشرة والاكتفاء بالاعتماد على وكلائها، ومن ناحية أخرى، ماحدث يجعلها أمام حتمية الرد إنقاذا لهيبتها، ولكن تكلفته ستكون عالية وسيعرضها لخسارة مؤكدة، وهو ما يفسر تضارب تصريحاتها، فبينما أعلن قائد الحرس الثورى أن «الانتقام لمقتل هنية أمر لا مفر منه، وسيُعرض إسرائيل لعقاب شديد» عادت بعض الدوائر الرسمية المقربة من المرشد بأسلوب أهدأ لتشير إلى أن الرد «يجب أن يكون فى إطار القوانين الدولية»، والأهم ما ورد فى خطاب زعيم حزب الله، أشد وأقوى أنصارها،عقب اغتيال قائده العسكرى، بأنه «ليس على إيران أن تشن حربا دائمة» فى تراجع واضح عن لغتة الحماسية المعتادة، يضاف إلى ذلك ما صرح به مسئولون أمريكيون لرويترز من أن إيران «لا تمتلك سندا قانونيا يبرر لها مهاجمة إسرائيل». لهذه الأسباب، فالأرجح أن تختار «اللا رد» وتستمر فى حروبها بالوكالة، خاصة أن رئيسها الحالى انتُخب على خلفية إصلاح العلاقة مع الغرب والعالم، كما أن أوضاعها الداخلية غير مستقرة بحكم اقتصادها المنهك الذى أضير من الإنفاق الباهظ على الميليشيات والسعى لتصدير ثورتها للخارج.

Exit mobile version