قال متطوعون في غرف الطوارئ وسكان في مناطق مختلفة من السودان، بالإضافة إلى شهود يعملون في توفير الغذاء عبر التكايا إن نحو 97 منطقة في البلاد ضربتها المجاعة بالفعل. ووفقًا لهذه الشهادات، فإن نحو 101 شخص لقوا حتفهم جوعًا.
ويقول برنامج الغذاء العالمي إن السودان يعاني من أكبر أزمة جوع في العالم، وأن 25.6 مليون شخص “يعانون من جوع حاد”.
وأكدت المتحدثة باسم البرنامج في السودان، ليني كنزلي، للصحفيين الجمعة الماضية في جنيف، أن هذا يعني أن 54% من السكان يعانون من الجوع.
وأشارت إلى أن واحدًا من كل اثنين من السودانيين غير قادرعلى توفير وجبة أساسية يومية، ويكافح كل يوم فقط للحصول على الطعام.
وأعلن برنامج الأغذية العالمي ، الأربعاء الماضي، أن شاحنات محملة بإمدادات غذائية حيوية عبرت من تشاد إلى السودان عبر منفذ أدري الحدودي.
وقال في منشور على منصة إكس: “عبرت شاحنات برنامج الأغذية العالمي التي تحمل إمدادات غذائية حيوية الحدود من تشاد إلى السودان عبر معبر أدري الحدودي”.
وجمعت «سودان تربيون» شهادات من 19 متطوعًا في المجال الإنساني وسكان في 11 ولاية حول تفشي المجاعة في تلك المناطق، وأكدوا انتشارها في 97 منطقة حيث يتواجدون أو قريبة منهم. ولم تتمكن من جمع شهادات من 3 ولايات هي النيل الأزرق، الجزيرة، وسنار، بسبب مشاكل الإنترنت والاتصالات.
وأفادت لجنة مراجعة المجاعة التابعة للأمم المتحدة مؤخرًا بأن 13 منطقة أخرى على حافة المجاعة، معظمها في دارفور وكردفان والخرطوم والجزيرة.
أكل اوراق الأشجار
وصل الحال بالسكان المحاصرين في مناطق الاشتباكات، أو ما يُعرف بالمناطق الساخنة مثل ولاية سنار، جنوب الخرطوم، شمال بحري، وبعض مدن دارفور، إلى حد الاعتماد على أوراق الأشجار كمصدر للغذاء.
وضربت المجاعة مناطق جنوب الخرطوم حتى جبل أولياء والقرى المحيطة بها وهي خاضعة لسيطؤة الدعم السريع، وتوفي 13 شخصًا مؤخرًا بسبب الجوع، وفق تأكيدات أعضاء لجان الطوارئ العاملة في المنطقة التي تحدثت لـ”سودان تربيون”.
ويعاني السكان المتبقون في الكلاكلات والأندلس والإنقاذ وغيرها من أوضاع كارثية، حيث يتلقون الوجبة الوحيدة خلال اليوم من بعض التكايا، التي تتوقف بين الفينة والأخرى بسبب صعوبات في تلقي الدعم المادي من الخارج.
كما يعاني الأشخاص المتواجدون في السلمة والأزهري وسوبا شرق والذين تبقوا في حي الديم من ظروف قاسية جراء انعدام الغذاء والأدوية.
وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب لتجنب السودان كارثة إنسانية، تدفع الملايين نحو المجاعة والموت بسبب نقص الغذاء نتيجة القتال الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18.
وقال متطوعون في بحري، طلبوا عدم ذكر أسمائهم لأسباب أمنية، إن 49 شخصًا لقوا حتفهم مؤخرًا بسبب الجوع في مناطق مختلفة من المدينة، التي تخضع لسيطرة شبه كاملة لقوات الدعم السريع منذ بدء الحرب في منتصف أبريل 2023.
وحدثت معظم الوفيات وفقًا لشهادة المتطوعين في مناطق الحاج يوسف وشرق النيل، وتوفي آخرون في أحياء السامراب ودردوق والسلمة بالكدرو.
المجاعة في دارفور
يعيش أكثر من 60 ألف شخص من نازحي منطقة جبل الدائر بولاية شمال كردفان أوضاعا إنسانية بالغة التعقيد، وسط مناشدات للجهات الحكومية والمنظمات الإنسانية بالتدخل الفوري، وفقًا لتقارير مختلفة.
وقال متطوعون ومواطنون في دارفور إن 39 شخصًا ماتوا جوعًا في الولايات الشرقية والوسطى والغربية والجنوبية بالإقليم الذي يعاني أوضاعًا إنسانية حرجة، مع إعلان المنظمات الدولية المجاعة هناك.
ويشهد معسكر زمزم للنازحين أكبر عدد من الوفيات، وفقًا لمقيمين في المعسكر تحدثوا لـ”سودان تربيون” عن وفاة عشرات من الأطفال والنساء والعجزة يوميًا بسبب نقص الغذاء ، والأدوية المنقذة للحياة.
ووصف مسؤول في مطبخ الخرطوم أحمد الكتيابي، الوضع في المناطق التي يسيطر عليها الجيش بالجيد، لكنه سيئ في المناطق التي تسيطر عليها الدعم السريع.
وأضاف: “المناطق الآمنة الخاضعة لسيطرة الجيش لا تظهر بها علامات جوع أو بوادر مجاعة أو وفيات بسبب الجوع لأن وجود التكايا وعملها المنتظم حل هذه المشاكل والهموم”.
وأشار الكتيابي إلى وجود ما بين 4-5 تكايا في كل منطقة تقدم وجبة أو وجبتين، وفي بعض الأحيان ثلاث وجبات، وأحيانًا تقدم تموينات غذائية أو سلال غذائية.
وأوضح أن القادمين من المناطق التي تسيطر عليها الدعم السريع تحدثوا عن معاناة كبيرة في الحصول على الغذاء والماء.
وأكد أن هناك 42 تكية يديرها مطبخ الخرطوم تعمل حاليًا في كافة أنحاء العاصمة، ويستفيد من أصغر التكايا 1200 شخص، وتعمل على مدار الأسبوع دون توقف.
من جانبه، قال عثمان الجندي، الناشط التطوعي والإنساني، إن هناك وفرة في السلع في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش في أم درمان، إضافة إلى وجود عدد كبير من المطابخ الخيرية (التكايا) التي تقدم وجبات مجانية لعدد كبير من النازحين والمجتمعات المضيفة.
وأضاف: “لكن هناك مشكلة في تلك المناطق قد تؤدي إلى المجاعة، وهي مشكلة الارتفاع الجنوني في أسعار كافة المواد الغذائية، الأمر الذي أدى إلى عزوف عن الشراء، ولجأ عدد ممن استطاعوا الشراء إلى توفير وجبة من المطابخ الخيرية”.
ونوه الجندي إلى مشكلة أخرى تهدد الأسر والمطابخ الخيرية، تتمثل في ارتفاع أسعار غاز الطهي والفحم، مما أجبر الكثيرين على قطع الحطب رغم المعاناة في ذلك وتأثيره على القطاع النباتي.
وأشار إلى أن الأمر المقلق هو التدهور المستمر للعملة السودانية، مما يؤدي إلى شلل كامل في الأسواق وقد يؤدي إلى مجاعة في المستقبل القريب إذا لم يتم وضع حلول عاجلة من قبل الجهات الحكومية وتسهيل توزيع الإغاثة بطرق عادلة تساعد الأسر والمطابخ الخيرية.
وأعلنت غرفة طوارئ مدينة الدندر بولاية سنار الأربعاء الماضي، عن ارتفاع الوفيات بين المرضى وكبار السن في الأحياء الغربية والبردانة وقرى غرب الدندر، بسبب سوء التغذية وانعدام الرعاية الصحية، بعد سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة.
وكشفت السلطة المدنية التابعة للحركة الشعبية – شمال الأسبوع الماضي، عن تسجيل 37 حالة وفاة بسبب سوء التغذية في ثلاث مقاطعات بمنطقة جبال النوبة نتيجة لانعدام الطعام.
وأعلنت أيضًا وقوع مجاعة في مناطق سيطرتها في جنوب كردفان والنيل الأزرق، والتي تؤوي حوالي ثلاثة ملايين شخص، دون تأكيد من الأمم المتحدة.
وتؤكد تقارير أممية أن 3.6 مليون طفل و1.2 مليون أم حامل أو مرضعة يعانون من مستويات سوء تغذية غير مسبوقة في السودان.
وانخفض إنتاج الحبوب في السودان بمعدل 40% خلال الفترة بين 2022 و2023، وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.
وذكر صندوق النقد الدولي أن نصف السكان في السودان الآن عاطلون عن العمل. كما أن النظام المصرفي قد انهار، ولا يمكن سحب الأموال من فروع المصارف. ومن الصعب إرسال أو استقبال الحوالات المالية.
ووفقًا لتقارير عدة، ارتفعت أسعار المواد الأساسية كالعدس والأرز بمعدل 400 إلى 600% في عموم البلاد.
سودان تربيون